
النهر هنا، إحالة على الفن، أما البحر، فإحالة على ما ينشره أهل الفكر والدين، وهذا إذا صحّ الحديث عن أن الفن هنا، ثانوي الأهمية مقارنة مع قضايا الفكر والدين. الفن هنا أيضا، إحالة على عدة مجالات، ومنها المجال السينمائي
وهذا الفيلم، الذي صدر في سنة 2006، ويهم ثلاثة قضايا متشابكة فيما بينها، جرت في المغرب واليابان، وفي الحدود الأمريكية ــ المكسيكية، يصعب اختصار رسائله. كأنه عمل إبداعي، يخاطب المشاهدين، أيا كانت مرجعياتهم.
العمل من بطولة ممثل أمريكي، “براد بيت”، وممثلة أسترالية، “كيث بلانشت”، ومن إخراج مبدع إسباني من أصل مكسيكي، “إلخاندرو غونزاليس إيناريتو”، كأن هاجس المشترك الإنساني، خاصية تميزه، شكلا ومضمونا، ضمن نقاط أخرى، تستحق وقفات تعريفية، وهذه بعض الإشارات المتواضعة في الموضوع:
ــ السائد في مشاهدة الأفلام، أن تكون فرصة للاستراحة، بما فيها الراحة البصرية، وفرصة لتغذية قيم الجمال، وأحيانا فرصة للابتعاد عن الهم الفكري والنقدي وغيره، ولكن الأمر مختلف مع الفيلم، لأنه غالبا ما سيتسبب في إثارة مجموعة أسئلة عند المشاهدين.
ــ العولمة، المشترك الإنساني، التباين بين أداء فئة صالحة من المجتمع وأداء الحكومة، الهجرة السرية، الكرم والضيافة، الأزمات الدبلوماسية المجانية، التضخيم من وقائع تافهة بسبب هواجس السلطة والهيمنة، إعلام الرداءة الذي لديه قدرة كبيرة على التزييف والتضخيم والتلاعب بالرأي العام. إلخ، هذه بعض القضايا التي كانت حاضرة في الفيلم، وبعضها حاضر في أعمال المخرج في أعمال أخرى. (هذا موضوع آخر، عنوانه أن هناك فئة من المخرجين، وهي قلة في الواقع، لديها مشروع سينمائي)
ــ من الجوائز الكثيرة التي حصدها الفيلم، جوائز وازنة حول الموسيقى التصويرية، والملاحظ أنها انتصرت بدورها للمشترك الإنساني، [هذه أحد أسباب الإشارة أعلاه حول دور الفن]، حيث نجد الموسيقى العربية، الموسيقى الإسبانية، والموسيقى اليابانية، وأيضا، موسيقى “التكنو”، الخاصة ببعض العلب الليلية. وفي الشق الخاص بالموسيقى العربية، كان الحضور متميزا إما مع آلة العود أو آلة القانون. خيار موفق من المخرج.
ــ في نهاية الفيلم، أثناء نقل السائحة عبر طائرة هيليكوبتر، أهدى برات بيت مبلغا ماليا محترما لشاب مغربي ساعده في المحنة، من باب رد الجميل، لكن الشاب رفض المبلغ، رغم أن وضعه الاجتماعي يغري بتقبل المساعدة، لكنه كان صارما في رفض المبلغ. (صدرت انتقادات حينها حول بعض الرؤى الاستشراقية، ولكن نزعم أنها ثانوية مقارنة مع مجموعة رسائل نبيلة تضمنها الفيلم).
ــ هناك لقطة عابرة ولكنها دالة جاءت في الفيلم، في المشاهد الخاصة بالمغرب، حيث صور المخرج كوخا في قرية نائية، وعلامات الفقر والهشاشة غنية عن التعليق، وبالرغم من ذلك، كان حائط الكوخ، في الداخل، يضم مقالات مقتطعة من صحف رياضية، تظهر إنجازات بعض الرياضيين المغاربة: رغم أجواء الهشاشة الاجتماعية، المواطن هنا، الفقير ماديا، غنيا “مواطناتيا” وغني بحبه للوطن، في تناقض صريح مقارنة مع الفقر أو التواضع في الأداء الحكومي.
ــ صدر الفيلم في سنة 2006، في عز الاعتداءات “الجهادية” على السائحين في مصر، ولذلك، بعد مرور السائحين على القرية المغربية، أعرب أحدهم عن الخشية من أن تتكرر أحداث مصر، خاصة أن الأمر يتعلق بقرية مغربية نائية، ولكن تلقى الرد في الفيلم، بأن الأمر يتعلق بالمغرب، وأن هذه الأمور مستبعدة: واقعة إملشيل هنا في المغرب، أي حادث مقتل سائحتين دانماركيتين، في ديسمبر 2018، تشوش على ذلك الجواب، لأنه جرت تحولات منذ تلك الفترة حتى اليوم، بدليل ما جرى في تفاعلات نسبة من النخب الفكرية والدينية مع زيارة بابا الفاتيكان للمغرب في مارس 2018.
ــ ما دام الشيء بالشيء يذكر، فإن تفاعل بعض الأمريكيين مع تلك الرصاصة الطائشة، وصل إلى درجة التفكير في إمكانية إدراجه ضمن عملية إرهابية، لولا أن شهادة براد بيت و(غيره)، أطفت هذه الرداءة في التأويل.
ملاحظة:
بالنسبة لقصة الفيلم، فإنها موزعة على ثلاثة وقائع موزعة على المغرب واليابان والحدود الأمريكية ــ المكسيكية: سائحة أمريكية، في إحدى قرى الهامش بالمغرب، تصيبها طلقة طائشة، من بندقية، بسبب عمل غير مقصود لطفل مغربي، أخذ البندقية من الأب، الذي حصل عليها، هدية صداقة من سائح ياباني (الذي لديه يعاني مع ابنته المريضة نفسيا). براد بيت – هو زوج السائحة، ترك الأبناء عند مربية مكسيكية أوقفتها سلطات الحدود لأنها لا تملك أوراق الإقامة، رغم كونها تقيم منذ 16 سنة في أمريكا، لكن عبرت الحدود رفقة الأطفال من أجل إحياء صلة الرحم مع العائلة عبر بوابة المشاركة في حفل زفاف.