خلال الأيام القليلة الماضية، وصلتني عدة رسائل واستفسارات عن مستقبل “محطة الحجاز” بدمشق، بعد كل ما أشيع مؤخراً عن تأجيرها إلى أحد المستثمرين. الحقيقة أن المحطة ذات نفسها ، لم تؤجر ، بل الأرض المحيطة بها ، والتابعة لها، وهي عبارة عن 5133 متر مربع، يتم اشغالها حالياً من قبل مقهى الحجاز وبعض المحلات التجارية القديمة ، التي سيتم إزالتها من أجل إقامة فندق من فئة الخمس نجوم.
سيضم الفندق ، مركزاً تجارياً ، وصالة متعددة الإستعمالات ، وقاعات لرجال الأعمال ، وأربع كراجات، إضافة إلى 12 طابق و300 غرفة ، مُطلة على محطة الحجاز وسوق الحميدية ، وساحة المرجة.
لقد كتبت عن هذا المشروع من قبل ، وأنا مُصر على أنه مؤذي بصرياً ، ولا داعي له للأسباب التالية:
أولاً: هذه المنطقة الواقعة بين (البرامكة) و(شارع النصر) ، مكتظة جداً ، وتعاني من أزمة سير خانقة، وهي ليست مؤهلة لإستيعاب فندق كبير من هذا الحجم.
ثانياً: لا يجوز بناء فندق كبير بجانب معلم تاريخي ، مثل محطة الحجاز، لأنه سيطغى على المحطة ويشوه المنظر العام في المنطقة، تماماً كما فعل فندق “فورسيزنز” قبل عدة سنوات ، لأنه لا يشبه الطراز المعماري لمدينة دمشق ولا يمت لهويتها بصلة. من الممكن أن يكون فندق الحجاز المقبل ، فندقاً صغيرا أو متوسط الحجم، يشبه محطة الحجاز بأناقته، وليس عبارة عن 12 طابق.
ثالثاً: جرت العادة في دمشق على إزالة المحلات التجارية والمخالفات العشوائية المحيطة بالأبنية التاريخية، كما فعلت المحافظة ، يوم كشفت عن سور دمشق ، وأزالت المحلات التجارية المحيطة به وبالجامع الأموي. الهدف هو إظهار جمالية تلك الأبنية ، وإزالة كل تشويه بصري من حولها، لا طمسها والمضاربة عليها.
رابعاً: هل نحن حقاً بحاجة إلى فندق كبير من هذا الحجم في دمشق؟ نحن لا نرى إلا فنادق خمس نجوم: الشيراتون، الفور سيزنز، الداماروز….لمن كل هذه الفنادق؟ لأولاد البلد الذين صار راتبهم الشهري يساوي العشر دولارات فقط؟ أم للسياح القادمين من أقاصي المعمورة؟
خامساً: وبالعودة إلى التاريخ، كانت هذه المنطقة ، ذات يوم ، مقراً لأفخم فنادق دمشق، منها فيكتوريا و “اوريانت بالاس” ، المقابل لمحطة الحجاز. كانت منتزهاً لملوك أوروبا و بشوات العالم العربي، ولكنها شوهت كلياً عبر التخطيط العشوائي لمدينة دمشق، وباتت اليوم مقراً لفنادق النصف نجمة ، وملهى الكروان، ليس فيها أي مكان أنيق ، أو محترم يليق بالأسر السورية. واليوم تريدون العودة بعقارب الساعة إلى الوراء ، لتكون مقراً لسياحة خمس نجوم بعد أن فات الأوان ، وفُرغت من كل مقومات هذا الغرض؟
سادساً: إن كل أراضي الخط الحديدي الحجازي قد تم اقتنائها عبر تبرعات الأهالي في مطلع القرن العشرين، بفضل صاحب المشروع والمتبرع الأول له، المرحوم “أحمد عزت باشا العابد”. أي أن عائدات الخط -إن وجدت- هي مُلك للشعب السوري، ويجب أن يكون له رأي (ولو شكلي على الأقل) بماذا سيحل بتلك الأراضي ، أو أي مشروع إستثماري سيقام عليها.
كان الغرض من إقتنائها ، واضح وصريح ، وهو تسير الخط الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة. دُمرت السكة، كما نعرف جميعاً، من قبل الضابط البريطاني (لورنس) خلال الثورة العربية الكبرى ولم يعاد تفعيلها حتى اليوم، أي بعد مرور أكثر من 100 سنة على تلك الحادثة. المشروع لم يُخلق لإيصال الناس لا إلى درعا أو إلى معان، بل إلى المدينة المنورة. لم تسمح الدول الكبرى لهذا الخط أن يعود، لأنه سيكون مصدر قوة لهذه البلاد. أضعف الإيمان هو الإستفادة من تلك الأراضي لنفع عام، لا لإقامة مشروع واحد تعود أرباحة على شخص واحد فقط (أو مجموعة من المستثمرين).
المشروع ليس جديدا ، وقد طرح مسبقاً عام 2005 ، وتم أخذ رأي شركة هندسية لبنانية معروفة، ومعها خبير بريطاني، قال ان هذه المنطقة غير مؤهلة لمشروع ضخم من هذا الحجم. وأنا لست عدواً للتطور (كما سيتهمني البعض) ، لكن التطور له أصول وأحكام. بدلاً من بناء فندق كبير من هذا الحجم، علينا إزالة الأكشاك المحيطة بجامعة دمشق ومنع بيع الملابس الداخلية على سورها العريق. علينا زرع الحدائق من جديد، وتأهيل دورات المياه في المعالم السياحية الأصيلة، مثل تدمر وقصر العظم. يوم بعد يوم أخاف على مدينتي من كل هذا التشويه البصري ، وأجد أن أخر أولوياتنا (حالياً)، هو فندق خمس نجوم، باثني عشر طابق، يزيد من تشويه مدينة دمشق ، التي لم تعد تشبه نفسها بشيء.
من الأنفع بناء حديقة كبيرة في شارع “النصر”، أو مشروع سكني لأصحاب الدخل المحدود أو للشباب. لا ننكر حاجتنا إلى مثل هذه الفنادق في المرحلة المقبلة، لكن أليس من الأجدى أن نراعي أولويات المرحلة الحالية؟!!.
هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها