aren

هل ثمة صلة بين «الأقصى» و«إحياء مسجد» آيا صوفيا؟\\ كتابة : محمد خروب
الثلاثاء - 14 - يوليو - 2020

 

لن يتوقّف الجدل السياسي المُقنّع بخطاب قومي وديني تعبوي، والذي اندلع مباشرة بعد توقيع الرئيس أردوغان مرسوماً، باعتماد قرار تحويل «متحف» آيا صوفيا إلى «مسجد». بل يمكن القول بلا مبالغة أن الرئيس التركي فتح الباب واسعا أمام سِجالات تتبنى في معظمها ايديولوجيا التطرّف والتزمّت والكراهية، وتُعجِّل بإعادة الحروب الدينية الى صدارة المشهد الدولي المُحتقِن أصلاً، والمفتوح على عصر جديد ومختلف من حروب الأقوياء (اقرأ الأغنياء)، وبخاصة اولئك الذين يدفعون الى عسكرة العلاقات الدولية، رغبة منهم لوقف او إبطاء التدهور المُتسارِع في المكانة والدور اللذيْن هم عليهما الآن. ونقصد رحلة السقوط (وإن كان بطيئاً) الذي بدأته إمبراطورية الشرّ الأميركية منذ بداية القرن الحالي.

من حق أردوغان قول ما يريد تبريراً لهذا القرار، الذي لم يأتِ فجأة أو بدون مقدمات ولم يكن مُجرّد اجتهاد أو استعادة لـِ«وقفية» عمرها (481) عاماً, في وقت تم فيه تجاهُل تلك الوقفية عندما تقرّر تحويل الكنيسة البيزنطية الأعرَق والأشهر الى «متحف»، بعدما اختارت جمهورية أتاتورك عام 1934 توجيه رسالة للعالم الغربي تقول: براغبتها الانضمام الى حضارته، ولن تُواصِل اعتبار آيا صوفيا مسجداً, بل جعلُ المَعلَم وُجهة لكل راغب بالتأمّل والتعرّف الى البناء المعماري الفريد، بحيث لن يعود مَوضِع نزاع بين أتباع الديانتين الإسلامية… والمسيحية الأرثوذكسية.

أمّا أن يتِم زجّ المسجد الأقصى الواقع تحت سيطرة أسوأ موجة إستعمارية عنصرية إحلالية في التاريخ, واعتبار تحويل متحف آيا صوفيا الى مسجد, مثابة «بِشارة» حرية المسجد الأقصى، فذلك لعمري استثمار سياسي يرقى الى مرتبة البروباغندا، وتأجيج للمشاعر وتهييج لعواطف جماهير الداعمين للشعب الفلسطيني وحقّه في نيل حريته وتقرير مصيره، ما يعني دعم صموده ونضاله دعماً حقيقياً, وليس بالرموز الدينية والخطابات المنمّقة والتحريض الكلامي غير المترافق بخطوات عملية يراها بأعينهم الرازحون تحت الإحتلال والمرابطون في القدس, برمزيّتها الدينية والحضارية، ودائماً في توقهم للحرية وكنس الإحتلال عنها.

ما يزال المُعتدلون قبل عُتاة المتطرفين الصهاينة، يصفون الحرم القدسي الشريف بأنه «جبل الهيكل»، ولا يتورّعون عن دعمهم لكل الحركات والأحزاب الدينية والقومية المتطرفة، الداعية إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم الثالث المزعوم مكانه, وهم وكخطوة مرحلية على طريق الهدم يدعون بلا كلل، إلى «تقسيم» مَكانِيّ وزمانِيّ لأولى القِبلتين وثالث الحرمين الشريفين, تماماً كما فعلوا في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، ولم نجد غير الصمت أوالبيانات الباهتة من تركيا وغيرها من الأنظمة.

لا حاجة ولا أهمية لزجّ المسجد الأقصى في ما أحدثه الأتراك لمتحف آيا صوفيا, ولن يُصدّق أحد مهما بلغت سذاجته أو تمّت المبالغة في الزعم بأن «إحياء» آيا صوفيا.. «يُشكّل إشعال نار الأمل لجميع المُضطهدين والضحايا والمَظلومين من كافة أنحاء العالم» كما قال أردوغان في خطابه الشعبوي، المُنمّق والمدجّج بالعواطف والشحن الديني غير المُبرر. كون «آيا صوفيا» في النهاية لا تعدو كونها مساحة من الأرض عليها بناء معماري جميل وفريد، لا يختلف عن اي بناء آخر، سوى في حجم «المُبالَغة» التي يُضّْفيها السياسيون ورجال الدين من مختلف الأديان والطوائف والمذاهب عليه، لتعزيز مكانتهم وزيادة فرص بقائهم في الحكم والتنعّم بامتيازاته، ولا يختلف الحال الآن مع اردوغان وحزبِه الحاكِم بعد تراجُع شعبيّتهِما داخلياً.

.. القدس التي «الأقصى وكنيسة القيامة» رُكنان أساسيان منها وفيها.. باتت عاصمة للعدو, ولم يزِد رد الفعل التُركِي على الغطرسة الصهيواميركية.. فـ«عنْ» أي «بِشارة» للأقصى.. يتحدّث اردوغان؟

“الرأي”الأردنية