منذ قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب تنامى الجدل حول إمكانية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين «منظمة إرهابية»، وكانت إدارة ترمب قد طرحت الفكرة خلال الأسابيع الأولى من توليها مهامها سنة 2017، لكنها تخلت عن هذه الفكرة لاحقا، لتعاود الظهور بقوة عقب إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، حيث قالت سارا ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض إن «الرئيس تشاور مع فريقه للأمن الوطني وزعماء المنطقة الذين يشاركونه القلق»، مشيرة إلى أن ضم الجماعة للقائمة «يأخذ مساره في داخل الدوائر الداخلية لصنع القرار».
أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طلب من ترمب إدراج الإخوان المسلمين في قائمة الإرهاب أثناء لقائهما في واشنطن يوم التاسع من نيسان الماضي، لكن مسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية قدموا اعتراضات على نية الرئيس الأميركي دونالد ترمب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، كما جاء في تقرير لمراسلها في الشرق الأوسط ديفيد دي كيركباتريك، والذي قال: إن جماعة الإخوان المسلمين لا تفي بالتعريف القانوني للجماعة الإرهابية، كما أن تصنيفها قد يكون له عواقب غير مقصودة في الدول الحليفة، حيث تتعامل الجماعة مع الأحزاب السياسية البارزة، وقد شجبت على نحو متكرر الإرهاب والعنف، وحسب كيركباتريك فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحلفاءه في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يعتبرون الدعاة الرئيسين لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية على المستوى الدولي، نظرا لخوفهم من وصول أحزاب الإخوان المسلمين إلى السلطة عن طريق الانتخابات.
ثمة رهانات على أن إدارة ترمب لا تستطيع وضع الإخوان على لائحة الإرهاب، إذ يجب عليها أولا أن تبين أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بنشاط إرهابي يهدد الولايات المتحدة أو مصالحها، بناء على أدلة مكتوبة من وكالات مكافحة الإرهاب، كما يتعين على وزير الخارجية الأميركي أن يتشاور مع المدعي العام ووزير الخزانة الأميركي قبل تقديم هذه التسمية، وسيكون أمام الكونغرس سبعة أيام لمنعه من ذلك، ثم سيكون للإخوان المسلمين مهلة ثلاثين يوما للطعن في هذا القرار أمام محكمة فدرالية في واشنطن»، لكن تلك العقبات يمكن تذليلها مع وجود شخص كالرئيس الأميركي دونالد ترمب، فقد تم تجاوز عقبات مماثلة عندما أعلن في الثامن من نيسان 2019 إدراج «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية.
تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية يتسق مع منظورات ترمب لمفهوم الإرهاب الإسلامي، فقد تبدلت رؤية أميركا للجماعة جذريا، فتحت وطأة حدث 11 سبتمبر 2001 جرت عمليات استدخال الإسلاموية بصيغتها الما بعدية المعتدلة في إطار الدولة الوطنية، بهدف محاربة واحتواء الجهادية باعتبارها إرهابوية، باعتبارها تشكل جدارا واقيا من التطرف والعنف والإرهاب، حيث برزت نظريات الإدماج السياسي التي تستند إلى فرضية الاشتمال ـــ الاعتدال، وقد تبدلت هذه الرؤية عقب ثورات الربيع العربي، فبحسب مارك لينش: فإن الأطروحات التي كانت صامدة جيداً قبل خمس سنوات مضت لم تعد تنطبق بالضرورة على الراهن.. اعتقدت وجهة النظر المقابلة بأن جماعة الإخوان كانت مُيسِّراً للتطرف العنيف، ولم تكن تعمل كحاجز ضده وإنما كخطوة على طريق يفضي إلى التطرف. وتقترح نظرية «الحزام الناقل» هذه أنه حتى لو أن جماعة الإخوان نفسها لم تقرَّ العنف، فإنها وضعت الأفراد على الطريق إلى التطرف، بحيث زادت بذلك الحجم الصافي للإرهابيين المحتملين.
في هذا السياق لم يكن تراجع جماعة الإخوان المسلمين بسبب إيديولوجيتها وبرامجها بصورة أساسية، وإنما نتيجة تبدل الرؤية الدولية والمحلية والذهاب إلى خيار الاستبعاد الاستئصال العسكري أساسا، فقد تراجعت الاستراتيجيات الدولية والمحلية عن تعريفها للإسلام السياسي باعتباره حالة اعتدالية سلمية تناهض الراديكالية العنيفة، والتي سادت عقب 11 سبتمبر، واهتزت رهانات الادماج، وبهذا تبدلت الأطروحات المتعلقة بالإسلام السياسي، كمقاربة «اشتمال الاعتدال»، ونظريات «جدار الحماية» ضد التطرف، وتعاظمت مقولات «الحزام الناقل» للعنف.
تتماهى إدارة ترمب مع رؤية حكومات عديدة في المنطقة لجماعة الإخوان المسلمين، إذ تجادل هذه الحكومات بأن الأيديولوجيا الإسلامية للإخوان المسلمين تجعلها تمثل تهديدا لفكرة الدولة القومية، وهو ما يجعل منها تهديدا لاستقرار المنطقة، كما تجادل بأن جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة يمثلان جزءا أساسيا من الحركة ذاتها، لأنهما يسعيان لإقامة مجتمعات ترتكز على الشريعة الإسلامية، فعقب الإطاحة بحكم الإخوان في مصر عسكريا، سارعت السعودية والإمارات بالترحيب بإقصاء الجماعة وعزل الرئيس الإخواني المنتخب محمد مرسي، ولم يقتصر الانقلاب على جماعة الإخوان المسلمين في مصر على عزلها سياسيا عن الحكم والسلطة، بل تطور إلى حملة منسقة لنزع الشرعية القانونية عن الجماعة أسفرت عن تصنيفها كحركة إرهابية بتاريخ 25 ديسمبر 2013، ولم تقف عمليات نزع الشرعية عن الجماعة على وجودها في مصر، بل امتدت إلى بلدان عربية عديدة عموما وخليجية خصوصا، حيث قامت السعودية بضم الجماعة إلى قائمة المنظمات الإرهابية في 7 مارس 2014. ثم تبعتها الإمارات العربية المتحدة في 15 نوفمبر2014، بوضعها على قائمة التنظيمات الإرهابية.
في هذا السياق، باتت جماعة الإخوان المسلمين محاصرة وملاحقة محليا وإقليميا ودوليا، فعمليات الاستبعاد والاستئصال للجماعة تجاوزت الجوانب السياسية المادية لتطال المجالات المعنوية الرمزية من خلال آليات نزع الشرعية السياسية والقانونية عن الجماعة باعتبارها حركة «إرهابية»، فقد عمدت بلدان عديدة إلى اتخاذ جملة من الإجراءات تتضمن إعادة تقويم لطبيعة الجماعة ونهجها وأنشطتها، وتقديم مشاريع قوانين للتعامل مع الجماعة كحركة إرهابية، ففي بريطانيا خلص تقرير أعدته الحكومة البريطانية حول نشاطات حركة الاخوان المسلمين في 17 ديسمبر2015، إلى ان عضوية الحركة أو الارتباط بها يجب أن يعد مؤشرا ممكنا للتطرف والإرهاب، لكنها تحفظت على اعتبار الجماعة إرهابية، وفي الولايات المتحدة تم تقديم مشروع قرار إلى الكونغرس الأميركي بتصنيف الجماعة على لائحة الإرهاب في 24 فبراير 2016، وقد خلص المشروع إلى ذات الاستنتاجات التي تضمنها التقرير البريطاني.
خلاصة القول إن تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية لا يكتمل دون تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، في إطار التصورات الأميركية للمنطقة ومشروع «صفقة القرن»، فالاستراتيجية الأميركية في عهد ترمب لفهم طبيعة المخاطر في الشرق الأوسط تشير إلى أن واشنطن ترى أن ثمة خطرين في المنطقة: الأول هو التنظيمات الإرهابية، والثاني هو إيران، وقد تخلت عن فكرة أن السبب الرئيسي للأزمات هو الصراع العربي الإسرائيلي، كما تخلت عن فكرة إدخال الديمقراطية إلى بلدان العالم العربي، ففي إطار تدشين مرحلة ثانية من استراتيجية «الضغوط القصوى» على إيران، تمارس ذات الاستراتيجية بإدراج جماعة الإخوان المسلمين للقائمة الأميركية الخاصة بـ«الجماعات الإرهابية الأجنبية»، وهي خطوات تسعى إلى استدخال «إسرائيل» في نسيج المنطقة عبر مداخل الحرب على الإرهاب المتخيل كمهدد وحيد للاستقرار.
“الرأي” الأردنية