قد يكون السؤال سابقاً لأوانه لدى البعض، أو أنه مستحيل الحدوث لدى أطراف أخرى, وخصوصاً أولئك الذين وضعوا وما يزالون كل بيضهم في السلّة الأميركية، وربما يرى غيرهم في طرح السؤال الذي يحمل في طياته اجابة تَشي بأنَّ الانكفاء الأميركي خصوصاً العسكري بات محتوماً وفق مؤشرات عديدة، يصعب على مَن صدّقوا أن أحداً لا يستطيع «خلع» أميركا من الشرق الأوسط الـ«مُطوَّب» للأميركيين، ولم يَحدث أن نجح الاتحاد السوفياتي في ذروة قوته في التأثير على هذه «الحصرية» أو المَسّ بها، رغم أن «عَرَباً» كثيرين أسهموا في تكريس الوجود الأميركي، وتنكّروا لكل ما قدّمه السوفيات (بدون مِنّة), ولم تمنحهم الأُمّ الحنون واشنطن حتى حماية بل أدارت لهم ظهرها بازدراء, عندما لفظتهم شعوبهم أو سلبت «المنصة» أو حبل المشنقة حيواتهم. ما بالك أن روسيا بوتين غير معنية بمواجهة أميركا على الطريقة السوفياتية، بقدر ما هي مهتمة بإسقاط النظام الدولي أحادي الرأس, سعياً لاقامة نظام مُتعدّد الرؤوس تكون فيه أميركا واحدة بين متساويين وليس سيدة تأمر فتُطاع, تحت طائلة الغزو وفرض العقوبات والحصار الاقتصادي وغيرها من أساليب البلطجة الأميركية؟.
ثمّة مؤشرات على إنحسار النفوذ الأميركي عبر العالم وارتفاع منسوب المعارضة/ العِداء) للسياسات الأميركية العدوانية، وإن كان البعض لا يرى في ذلك جديداً حيث الولايات المتحدة مكروهة من قبل معظم شعوب (لا حكومات) العالم بمن فيهم شعوب الحكومات الغربية الحليفة لها طوعاً أم قصراً كما الاتحاد الأوروبي. لكن إدراك الإدارات الأميركية المتعاقبة بأنها ومنذ حرب فيتنام لم تربح حرباً، وأن ما تقوم به من غزو وتوسّع انتشارها العسكري في معظم دول العالم وخصوصاً غزوتيها الأكثر كُلفة في القرن الجديد، كغزو أفغانستان 2001 والعراق 2003، وما ألحقه بهما شعبا البلدين من خسائر وإذلال، اسهم في بروز تيار قوي داخل الولايات المتحدة يدعو إلى «عودة الأبناء» إلى أرض الوطن، وتوفير الأكلاف الباهظة لتلك الحروب، وهو «خطاب» تبنّاه ترمب ووجد من يدعمه ويُصوّت له وكان أبرز شعاراته إعادة الجنود إلى الوطن.
ذلك لا يلغي حقيقة أخرى وهي أن حركات المقاومة في المنطقة اسهمت بشكل واضح ومُؤثر في بلورة القناعة الأميركية بضرورة الانكفاء عن المنطقة إضافة إلى انعدام الحاجة الأميركية الماسّة لنفط المنطقة. حيث المعادلة الأميركية الشهيرة.. السيطرة على نفط وأموال المنطقة العربية وثانيها المحافظة على أمن إسرائيل وضمان تفوّقها على «كل» الجيوش العربية، وهما أمران «تحققا» على نحو مُرض لواشنطن وخصوصاً تل أبيب، التي احدثت اختراقات عميقة الأثر داخل معظم الأنظمة العربية.
بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان خطوة أولى على طريق الانسحاب الأميركي من المنطقة، وسيعقبه انسحاب آخر من العراق وخصوصاً من شرق سوريا، رغم همروجة ترمب عن آبار النفط كدافع لبقاء جنوده
.. والأيام ستقول.
“الرأي”الأردنية