على نحو لافت وغير مسبوق في سرعته وحِدَّتِه، بادر مُتحدّث الرئاسة الروسية بيسكوف للتحذير من مغبة المُضيّ قُدماً بتنفيذ «الاقتراح» المُفاجئ والخطير الذي تقدم به الرئيس التركي اردوغان (العائد للتّو من لقائه «الأول» مع نظيره الأميركي بايدن, الذي كان وَصفَه بالمُستبدّ, الذي يجب إسقاطه بـ”الانتخابات”).. حيث اقترح اردوغان «إنشاء قواعد عسكرية تركية في الأراضي الأذربيجانية, زاعما انه لا يخرج عن نطاق إعلان «شوشا» الخاص بتحديد العلاقات التحالفية بين أنقرة وباكو في المرحلة المُقبلة».
تعليق بيسكوف استبطن تحذيراً واضحاً, ليس في إعلانه ان موسكو تتابع عن كثب التقارير عن إمكانية إقامة قاعدة تركية في أذربيجان.. بل قوله: إن إنشاء بنى تحتية عسكرية لدول أعضاء في حلف الناتو قرب حدودنا، يثير اهتمامنا الخاص, ويدفعنا الى تبنّي خطوات لضمان أمننا ومصالحنا.
صحيح ان رئيس الدبلوماسية الروسية/لافروف رفض التعليق على إمكانية انشاء قواعد تركية في أذربيجان بقوله: لا نعلق على «إشاعات»، إلاّ أن ذلك لا يُغيّر حقيقة أن موسكو تعتبر اقتراح أردوغان جزءاً من الاستراتيجية التوسّعية التي دشّنها الزعيم التركي, ليس فقط لإيجاد دور جديد/مختلف لبلاده يستند الى حلم/وهم استعادة أمجاد الدولة العثمانية البائدة, خاصة بعد اندلاع ما سمي زوراً الربيع العربي, الذي ساهمت تركيا وإدارة أوباما في التخطيط له وتمويله والترويج لحكم تنظيمات إسلام سياسي عربي بنسخة تركية, تتولى زمام الأمور في «الجمهوريات» العربية خاصة الرئيسية منها كمصر وسوريا والعراق والجزائر, وإنما أيضاً إدراك موسكو أن أردوغان ومنذ بدأت قواته زحفها في المنطقة العربية بدءاً من سوريا واحتضانها المنظمات الإرهابية وتوسيع نفوذها المحمول على نشاط عسكري ميداني في العراق وليبيا والصومال وقطر وأفغانستان/ضمن حلف الناتو, ودائماً في نشاطها المحمول على خطاب عثماني, يروم استتباع جمهوريات وسط آسيا والقوقاز, المتحدّرة والمتحدّثة باللغة التركية, هادفاً بناء امبراطورية جديدة متكئة على تراث تركي مندثر, ظن بامكانية استعادته وجعل مركزه «اسطنبول”, أو صيغة أخرى تُمكِّنه المطالبة لاحقا بدور/مكانة تليق بدولة «تركية» عظمى.
وإذا ما لحظنا دعم أردوغان أوكرانيا, بما هي رأس حربة الغرب في المواجهة المحتدمة بين واشنطن وموسكو, أقلّه قبل قمة جنيف الأخيرة, ناهيك رفضه الاعتراف بعودة شبه جزيرة القرم الى قوام روسيا, وتحريضه كييف على عسكرة المسألة وتزويدها بالطائرات المسيرة والعتاد والمعدات, ومشاركة قواته مناورات جوية وبحرية مع الأطلسي تستحضر سيناريو مواجهة مع روسيا، فإننا نكون أمام خطّة واضحة المعالم/والأهداف, لا نحسب الكرملين غافلاً عنها أو أن روسيا بصدد مواجهتها بدبلوماسية ناعمة أو غض الطرف عنها. إذ معروف لدى موسكو وبالتجربة الميدانية, أن أنقرة لا تفي بوعودها وأنها تشتري الوقت خصوصاً في إدلب, لمنح المنظمات الإرهابية المزيد من الفرص لزيادة قوّتها والتحرّش بالقوات الروسية/قاعدة حميميم والقيام بعمليات عسكرية ضد الجيش السوري/الدوريات الروسية، ما يُؤشر إلى أن صبر روسيا يوشك على النفاد, وأنها بصدد وضع حد للمراوغة التركية المتمادية.

ليس مستبعداً أن «عرض» تركيا إبقاء قواتها في أفغانستان, لحراسة وإدارة مطار كابول والذي لاقى ترحيباً أميركياً, يندرج في إطار صفقة «تأهيل/اختبار» أميركي لدور تركي جديد في المنطقة الملتهبة, التي ستجلو عنها مهزومة القوات الأميركية/والأطلسية. ما يزيد الثقة بأن الاستنفار/الغضب الروسي المتصاعد من الاستفزازات التركية على أكثر من جبهة, إضافة الى المخاوف الصينية من بقاء القوات التركية في أفغانستان/ ارة الصين, سيكون صاخباً ومتدحرجاً, لوضع حد لاندفاعة أردوغان التي ربما تم تنسيقها مع بايدن, لفتح جبهة استنزاف جديدة في الحديقة الخلفية لروسيا, بعدما حسمت الأخيرة مسألة ضم أوكرانيا للناتو معتبرة ذلك خطاً أحمر لن تسمح لِأحد.. بتجاوزه.
إذا لم يتراجَع أردوغان عن اقتراحه، (إو رفضه الرئيس الأذري علييف), رغم إدراكه أن موسكو لن تبدي اي تساهل في هذا الشأن, فإن الأمور مُرشحة للانزلاق الى مواجهة ساخنة, نحسب أن اردوغان غير قادر على دفع أكلافها, خاصة في ظل تراجع شعبيته داخلياً على وقع أزمات اقتصادية/اجتماعية/ومالية تعصف به وبحزبه, واحتمالات هزيمته وحزبه في الانتخابات المقبلة, التي قد تنجح المعارضة في «تبكير» موعدها, وهي دعوة ما يزال أردوغان يرفضها.
“الرأي”الأردنية