لن تُغيِّر «الطعون» التي يعتزِم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا, كثيراً في تداعيات وأبعاد الصفعة المُدوِّية التي وجّهها الناخبون للحزب وخصوصاً لرئيسه. بعد سيطرة المعارَضة على «العاصِمتين» السياسية (أنقرة) والاقتصادية (أسطنبول), حيث الأخيرة تُشكّل حِصن أردوغان ومصدر قوته السياسية والشخصية. ومنها انطلقت مسيرته السياسية على النحو الذي أوصله بعد رئاسة بلدِيَّتها قبل ربع قرن (1994) الى رئاسة الجمهورية..
وإذا كان من المُبكر نَعي المستقبل السياسي لأردوغان والحديث عن بداية مرحلة ما بعده، فإن من السذاجة الاعتقاد أن خطوات وقرارات وإجراءات الرئيس التركي بعد انتخابات اليوم الأخير من آذار2019 ستكون هي ذاتها التي كانت قبلها, وبخاصة على صعيد السياسة الخارجية بعد أن تقلّصت هوامش مناوراته الداخلية في ظل اقتصاد مُترنّح يتجه نحو الركود, تُساهم في تكريسِه عوامل منها التضخّم وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة, ناهيك عن المديونية الهائلة التي تزيد على نصف «تريليون» دولار (517 مليار). وإن كان صحيحاً أيضاً ان الحزب الحاكِم ما يزال يحتّل الصدارة في الانتخابات المحلية, مُحافِظاً على قاعدته الشعبية ونال من الأصوات على مستوى الجمهورية ما نسبته 4ر44%،إلا أنه يكاد يكون انتصارا بطعم الهزيمة بعد فقدان المُدن الكبرى وبخاصة أنقرة واسطنبول حيث المَقولة الشهيرة لأردوغان بأنّ «اسطنبول هي صورة مُصغّرة لتركيا, وإن الذي يفوز فيها يفوز في كامل البلاد».
ستتواصل التحليلات والقراءات الباحثة عن الأسباب الحقيقية التي تقِف خلف الرسالة التي أرسلها الجمهور التركي للحزب ورئيسه, الذي لم يَذُق طعم الهزيمة منذ بزوغ نجمه قبل سبعة عشر عاماً. إلاّ أن اثنين لن يختلِفا حول أن أردوغان شخصياً يتحمّل المسؤولية الأولى بعد أن مارس عملية إقصاء وتنكيل قاسية بحق «رفِاقه» في الحزب, ونجح بالتالي في «تصفِيتِهم» بالمعنيين السياسي والشخصي, كي يغدو حزبه «حزب الرجل الواحد»، الذي يُقرّر ما يشاء ولا يسمح بالمناقِشة, على النحو الذي عليه الآن شخصيات مثل عبدالله غل، وبولنت ارينج وجميل جيجك وغيرهم. وأحسب أن الفرصة سنحت أمامهم الآن للعودة إلى الساحة, بعد ان غدا اردوغان(أو يوشِك) ان يُصبِح بطة عرجاء. وهم إذا ما سحبوا بعض أعضاء مجلس النواب من حزب العدالة, فإنهم يُسرِّعون بطيّ صفحة أردوغان والحؤول دونه وخوض (أو النجاح) في انتخابات العام 2023.
اختزل اردوغان تركيا في شخصه واحتكر الوطنية والإنتماء,عندما دأب على وصف مُعارضيه بأنهم أعداء الدولة, بل اتّهمَهم بالإرهاب والخيانة, بسبب علاقتهم مع حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) الذي زجّ زعمَيهِ… صلاح الدين ديمرطاش وفيكان يوكساك داغ وتسعة من نوّابِه في السجن. وهو الذي فرَضَ المُرشحين في الانتخابات المحلية, وبخاصة بن علي يلدرم مُرشحا لبلدية إسطنبول (التي لا يَسكُنها), ما أدى ضمن أمور أخرى إلى هذه الهزيمة القاسِية التي لها ما بعدَها بالتأكيد.
أَهيَ نقطة تحوّل في المشهد التركي, على الصعيدين الداخلي وخصوصاً الخارجي والوُجهَة التي سيسير نحوها أردوغان؟
الأيام ستقول.. لكن المُؤكّد هو أن أردوغان (وتُركِيا ايضاً) ما قبل الانتخابات المَحلِيّة, ليس هو «وهِي»..ما بعدها.
“الرأي ” الأردنية