aren

نظرة من خلال غبار “انفجار بيروت” ! \\ بقلم : د.فؤاد شربجي
الخميس - 13 - أغسطس - 2020

117643915_345983146403413_8587161063470566074_n

من الواضح ، أن أهم تغيير جيوسياسي ، انتجه انفجار بيروت ، هو تنشيط وتفعيل (الدور الفرنسي) في المنطقة ، وهاهو الرئيس الفرنسي يحضر الى بيروت في اليوم التالي للانفجار ، معلنا انضمامه الى الشعب ومطالبه في ضرورة التغيير، ومقدمة لدور قيادي البعد ، ودبلوماسي، في مسار التغيير. طارحا ، أهمية الانتقال الى (عقد سياسي جديد). وهكذا ، وبدل أن يحتفل ماكرون بمئوية (لبنان الكبير) ، الذي أعلنه الجنرال “غورو” ، هاهو الرئيس الفرنسي ، يطرح ضرورة (عقد سياسي جديد) ، ينتج دولة جديدة برعاية فرنسية متجددة.

ولكن ، اذا كان الجنرال “غورو” عند اعلانه دولة (لبنان الكبير – 1920)، كان يتحدث باسم الدولة الفرنسية المنتدبة من عصبة الامم ، فان الرئيس الفرنسي ماكرون اليوم ، يطرح (العقد السياسي الجديد) باسم الغرب الاوروبي والامريكي ، وهو منتدب من حلف شمال الاطلسي لادارة تأهيل لبنان، ليكون مناسبا للترتيب الأطلسي ، الذي يعمل الغرب لاقراره ، وتحقيقه في المنطقة العربية.

وهكذا ، نرى ان الانفجار الكبير في المرفأ ، كان ضروريا لدفع الغرب بمساره الاطلسي في ترتيب المنطقة. وهذا يحمل معاني كثيرة ، حول ان كان الانفجار ، حدثا عرضيا – كما يلمح ماكرون في تأكيده – وبين كونه تدبيرا أمنيا ، تسبب في الانفجار بشكل من الاشكال.

وهكذا ، يحضر المشروع الفرنسي ، المتمفصل مع المشروع الاطلسي ، والمنتدب منه ، يحضر في لبنان والمنطقة الى جانب المشاريع الاخرى (الامريكي والروسي والايراني والتركي والاسرائيلي ). واذا كان المشروع الفرنسي ، يتوازى أحيانا ، ويتقاطع مع المشاريع “الامريكية والاسرائيلية”، الا انه يختلف مع المشروع “الروسي”، ويتنافس مع “الايراني”، ويتصادم مع “التركي”. ألم يظهر مدى التصادم بين المشروعين (التركي والفرنسي) في تسابقهما على الحضور الى بيروت ، وتقديم المساعدات ، والتعهد باعادة اعمار المرفأ ؟!

انفجار مرفأ بيروت ، يقدم نموذجا معبرا عن آلية وصول المنطقة العربية الى هذه الحالة من الدمار والانهيار والانكشاف، ويشكل مايحصل بالمنطقة ، ويحصل اليوم في بيروت ، صورة مكثفة لمعنى ما قامت به الانظمة العربية في ايصال بلادنا ، لتصبح تحت رحمة المشاريع الاجنبية، المندفعة للتحكم بمصائرنا ومواردنا.

الاهمال والفساد ، و”الحمرنة” في ادارة تخزين المواد الشديدة الانفجار في المرفأ ، هو نفسه الاهمال والفساد والحمرنة ، الذي تمارسه الانظمة العربية في ادارة البلاد.

ان نموذج المرفأ البيروتي ، هو معنى وحقيقة نموذج الانظمة العربية . كلاهما يعتمد الاهمال والفساد والحمرنة ، وكلاهما مهد وحضر وهيأ ، كل مايلزم للمشاريع الاجنبية ، الطامعة ، أو الناهبة ، أو العدوة ، أو المستفيدة ، لتأتي وتستفيد من انهيارنا ، ودمارنا.

وبذلك ،ننتقل من مسار الانهيار والدمار الى مسار (التناتش) ، الذي تمارسه هذه المشاريع على جسدنا المتبقي . فهل من طريقة أو أمل ، لنستعيد أنفاسنا الوطنية ، كي نحاول ان نقف في وجه الموت المعلن ، الذي يطبق على حياتنا؟!

مايزال الغبار ، يملأ الأفاق ، ومازالت الرؤية ضبابية ، لان الانفجار قلب الارض (فوقاني تحتاني)، ووضع مآلات التدمير المستمرة منذ عشر سنوات في وجهنا ، لذلك مازالت محاولة الرؤية ، صعبة ، ولكن اليقظة ، هي ماتجعلنا نمسك بأطراف الخيوط .

الغرب الاطلسي ، استطاع استخدام التعصب والعمى لدينا ، واخرج منا، حركات تكفيرية مجرمة ، طبقت على شعبنا، الميدأ القائل :”خليهم يقبروا بعضهم” ، ثم حول الغرب الاطلسي ، توق شعبنا للحرية والمساواة الى حركات تتلاقى مع الانظمة في سد مسار التاريخ الطبيعي ، وتحبسنا وراء انسداد يقتلنا ، ويمعن في تدميرنا. وهكذا ، فان “الحمرنة” ، لم تكن استراتيجية الانظمة ، وحدها ، بل كانت عقلية وسياسة المعارضة أيضا.

وبالفعل ، هي صورتنا ، قاسية وصادمة ومؤلمة : من جهة خرج منا تكفيريون مجرمون ، ومن جهة أخرى ، احتل مراكز القرارات في مؤسساتنا ، فاسدون مهملون قذرون وحمير ، ومن جهة ثالثة ، كانت الحمرنة والتبعية للاجنبي مع الفساد وخراب الضمائر، سمة وصفة الغالبية العظمى من المعارضات.

بشرفكم ، هل من خادم للمشاريع الاجنبية ، أكثر منا ؟! … وهل من مدمر لبلادهم وشعبهم ، أحمر وأجحش منا ؟!

هل يمكن ان نستمر بالانهيار ؟ وهل نظل متمسكين بالحمرنة والحمير ، والى متى تسكننا البلادة ، ويضللنا العمى ؟!

لا . لم يعد من الممكن ، ان نظل كما نحن ، لابد من كسر الطوق ، وهذا يستدعي، نخبة مقبولة من الشعب ، تشكل المحرك لنهضة ، توقف الدمار والانهيار ، وتطلق عملية التماسك والتعاضد ، علنا نقدر على ممارسة غريزة الارتقاء ، لتحقيق الحياة الانسانية العادلة ، الحضارية ، والمبدعة.