aren

نجاح صحيفة: السياسي هو المهني \\ كتابة : جهاد الزين
الأحد - 8 - نوفمبر - 2020

أعلنت صحيفة  “النيويورك تايمز” أن عدد المشتركين على “الأون لاين” من قرائها بلغ في الأشهر الثلاثة المنتهية في نهاية أيلول المنصرم أكثر من ستة ملايين مشترك بينهم زيادة   393000 مشترك. وقالت الصحيفة أن المشتركين من قراء النسخة الورقية  اليومية هم 831000 قارئ.

هذا خبر عظيم لكل الصحافة في العالم إذْ يقدِّم تجربة ناجحة لصحيفة ورقية عريقة بعد انتقالها إلى الاستثمار في الصحافة الديجيتال دون التخلي عن نسختهاالورقية. ويطفح خبر الإعلان عن هذا الانجاز باعتزاز الصحيفة برهانها على النوعية العالية في الخبر والتحقيق والمقالة، الرهان الذي جذب مئات آلاف القراء المشتركين  الجدد.

لكن الخبر السياسي في طيات هذا الخبر المهني قول الصحيفة أن الشك قليل في كون رئاسة دونالد ترامب ساهمت في هذا النجاح.

إذن الصحافة المستقلة عن السلطة المدعّمة بعمل مهني جيد يؤدي إلى صحافة ناجحة ديجيتاليّاً وورقيّاً ليس في أميركا فقط بل في كل مكان في العالم.

ماذا يمكن القول من موقع الصحافة اللبنانية ذات التاريخ الحافل حيال هذا الحدث ومن ضمنه ما كان موجوداً دائماً فيها ولا زال من صحافيين شجعان و أكفاء:

صحافة مليئة بأبواق مخبرين ومراسلين يعملون كمندوبين للسلطات الطائفية الحاكمة داخل الصحيفة لا يمكن أن ينتجوا صحافة قادرة على استقطاب مصداقية مُقْنِعة للقراء في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية خصوصا في بلد يعيش ما يمكن أن نسمّيه انكشافا نهائيا على مستويي الأخلاق والكفاءة لطبقته السياسية وانكشافا غير مسبوق لطبقته المصرفية. تخيّلوا “النيو يورك تايمز” ماذا يمكن أن تتصرف لو أن مؤسسات وول ستريت المالية انهارت أو أن مصارفها جمّدت ودائع المودعين؟

المقارنة صعبة لكنها ممكنة.

بعد هذا النجاح، وهناك صحف أخرى في العالم أتتنا أيضا بقصص نجاحها في عصر الديجيتال، لم يعد ممكنا لأي صحيفة أن “تبكي” على أطلال الزمن الورقي. نحن لدينا من شِعر ما قبل الاسلام بيتٌ للشاعر لبيد يصلح لوضعه على مبنى “النيورك تايمز” في الساحة الشهيرة باسمها في المدينة العظيمة، تفاحة العالم نيويورك، محتفظاً، أي البيت بكل “حداثته” وقوته الأدبية في التعبير عن أزمة الصحافة الورقية في عصر الانترنت وعن إمكان التغيير بما يسمح لا فقط بالبقاء ولكن بالنجاح:

يقول لبيد قبل حوالي خمسة عشر قرنا:

وجلا السيولُ عن الطلول كأنها           زُبُرٌ تُجِدُّ متونَها أقلامُها

هنا يُشَبِّه الشاعرُ الأطلالَ بالزُبُر أي الكتب (أو الصحف!) بعد أن تجتاحها  السيول (الانترنت) فإذا بها ذات متون (مضامين) مختلفة وجديدة صاغتها أقلامها (صحافيّوها). وأي سيل أعتى من ثورة المعلومات التي اجتاحت  العالم ودفعته إلى التجدد العاصف في كل المجالات وآخرها فكرة الجامعة التي من المرجّح أن تتعرّض إلى تغييرات عميقة في معناها وأشكال إيصالها للمعرفة في عهد الديجيتال، والملاحَظ أن جائحة كورونا وما فرضته من تعزيز العمل عن بُعد ستسرّع في تغيير بنية الجامعة والمدرسة والصحيفة وكل مؤسسة بمفهومها التقليدي.

يبقى دائما التحدي السياسي. دعونا نُسَمِّه التحدي السلطوي أمام الصحافة. لقد خاضت “النيويورك تايمز”على مدى مابات يقارب أربع سنوات معركةً فعلاً مشرِّفة أمام دونالد ترامب الرئيس الأكثر سوءاً وانحطاطاً سلوكياًو لاديموقراطيّا في التاريخ الأميركي وربما تكون اليوم عشية انتصار مع منتصرين كثيرين آخرين على هذا الرئيس البشع إذا صحّت تقديرات استمرار تقدم جو بايدن في النتائج الانتخابية.

عندما زار دونالد ترامب مكاتب  “النيويورك تايمز”  فيالأيام الأولى لإعلان فوزه، واجتمع بناشر الصحيفة ورؤساء تحريرها وكبار كتابها ومعلّقيها، ووجِه بأسئلة بعضها ساخر وكان خلال الجلسة التي نشرت الصحيفة نصها الكامل كانترامب مرتبكا ودفاعيا ومعتدل اللهجة بسبب مهابة الصحيفة وليس العكس. هذه جلسة يجب إعادة نشرها بل وتدريسها في معاهد الإعلام والعلوم السياسية.

“النهار”اللبنانية