aren

موسكو .. والأسباب الأربعة الموجبة لاستخدام الأسلحة النووية
الإثنين - 29 - أغسطس - 2022

(خاص)

التجدد الاخباري – مكتب بيروت

مع تعقد الأوضاع على جبهة «المواجهة المسلحة» الروسية الأوكرانية ومتعددة الأطراف، وجنوح أطراف الصراع نحو وتيرة أكثر بطئا، تعود التساؤلات مجددا عن مدى احتمالات استخدام روسيا الأسلحة النووية بعد أن كانت موسكو أعلنت «عن الشىء ونقيضه» فيما يتعلق بمثل هذه الاحتمالات.

وها هو دميترى ميدفيديف يعود ليكشف عن أسباب أربعة قال إنها «قد تدفع روسيا إلى استخدام هذه الأسلحة». فما هى هذه الأسباب؟ وما هو المدى الذى يمكن أن تذهب إليه روسيا فى حال تعقد الأوضاع على جبهات القتال مع أوكرانيا وحلفائها الغربيين؟ وذلك على ضوء ما كان الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى هدد به فى مؤتمر الأمن الأوروبى الذى عقد فى ميونيخ، قبيل اندلاع الحرب فى أوكرانيا فى فبراير الماضي، حول ان بلاده تطرح مطلب استعادتها الأسلحة النووية التى كانت تخلت عنها بموجب «مذكرة بودابست فى عام 1994».

فى حديث لقناة فرنسية كشف الرئيس الروسى السابق ونائب رئيس مجلس الامن القومى الحالى دميترى ميدفيديف، عن مدى احتمالات استخدام روسيا الأسلحة النووية التكتيكية، مؤكدا أن «العقيدة العسكرية لروسيا ليست سرية بهذا الشأن». ومضى ميدفيديف ليقول إن هناك وثيقة خاصة تسمى «أسس سياسة الدولة فى مجال الردع النووي» تتضمن أربعة أسس لاستخدام السلاح النووى تشمل تعرض روسيا لإطلاق الصواريخ النووية، واستخدام الأسلحة النووية، وضرب البنية التحتية لقيادة الأسلحة النووية، أو غيرها من الأعمال التى تمثل خطراً على وجود الدولة الروسية»، وإن سارع ليضيف أن بلاده لم ترصد بعد مثل ذلك من أعمال.

ما قاله ميدفيديف ليس جديدا وتداولته المصادر الروسية الرسمية ووسائل الاعلام المحلية والعالمية منذ إعلان الكرملين على موقعه الالكترونى قرار الرئيس فلاديمير بوتين فى يونيو 2020 حول تغيير العقيدة العسكرية الروسية التى لطالما قام بتغييرها غير مرة منذ اعتلائه سدّة السلطة فى الكرملين مع مطلع عام 2000، فضلا عن غيره من مراسيم ومنها «مرسوم أساسيات سياسة الدولة الروسية فى مجال الردع النووي» الذى وقعه فى يونيو 2020، وما تلا ذلك من تعديلات ادخلها على العقيدة العسكرية فى يوليو 2021. وتقول المصادر الرسمية إن الصياغة الأخيرة لهذه الوثيقة «تناولت الشروط، التى تحتفظ روسيا بموجبها، بالحق فى توجيه ضربة نووية»، فضلا عما اشارت اليه هذه الوثيقة حول «أنها ذات طبيعة دفاعية وتهدف إلى الحفاظ على إمكانات القوات النووية عند مستوى كاف لضمان الردع النووي، وتضمن حماية سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية، وردع العدو المحتمل من العدوان على روسيا وحلفائها»، وما خلصت إليه من تأكيد «انه ووفقاً لسياسة الدولة، لا تزال روسيا تحتفظ بالحق بتوجيه ضربة نووية إما ردا على هجوم مماثل، أو فى حالة وجود تهديد لوجود الدولة».

نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف في مقابلة مع قناة (إل سي آي) التلفزيونية الفرنسية

ماقاله ميدفيديف هو محاولة لتهدئة روع الأوساط المحلية والعالمية ردا على تساؤلات بصدد مدى إمكانية استخدام الأسلحة النووية التكتيكية فى حالة التهديدات. عاد ميدفيديف ليؤكد مجددا ان «الفقرة 19 ، فى وثيقة «أساسيات سياسة الدولة فى مجال الردع النووي»، تنص على أربعة أسباب تجيز استخدام الأسلحة النووية، حسبما اشرنا عاليه، فضلا عما قاله بشأن أن روسيا لم تستخدم أبدا أسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة بها يورانيوم مستنفد ، «على عكس دول الناتو ، التى استخدمتها على نحو اكثر تكثيفا فى يوغوسلافيا والعراق على مدى السنوات العشرين والثلاثين الماضية». وخلص المسئول الروسى رفيع المستوى الى « أن روسيا دولة لها تاريخ يمتد لألف عام ولديها أكبر إمكانات نووية ، وهى عضو دائم فى مجلس الأمن الدولى وستكون قادرة على الدفاع عن نفسها». ووفقاً لسياسة الدولة، لا تزال روسيا تحتفظ بالحق بتوجيه ضربة نووية إما ردا على هجوم مماثل، أو فى حالة وجود تهديد لوجود الدولة.

وقد جاءت الحرب الأخيرة ،لتفرض واقعا جديدا يضع روسيا فى مواجهة بلدان الناتو والاتحاد الأوروبى مجتمعة، وهى التى «هبًت» بايعاز من الادارة الامريكية فى واشنطن، لتقف صفا واحدا «دون ادنى تفكير فى مصالحها الذاتية»، وراء أوكرانيا التى تنساق بدورها وراء ما تمليه واشنطن من توجهات لا يخفى على أحد مقاصدها منذ مطلع القرن الجاري، بل ولربما قبل ذلك بكثير منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتى السابق. وذلك ما يظل يحدد الكثير من ملامح الموقف الراهن، وما يرتبط به من تساؤلات حول المدى الذى يمكن ان تذهب اليه «العملية العسكرية الروسية الخاصة» فى أوكرانيا، الى جانب ما يتناثر من تساؤلات حول إمكانية الانزلاق الى «حرب نووية»، وان بدا ما يشبه الاجماع حول احتمالات «محدوديتها». وهنا تتباين الرؤى والتقديرات على ضوء ما حققته روسيا من تقدم على ارض الواقع، فى وقت ثمة من يعرب فيه عن شكوكه تجاه إمكانية تحقيق ما ينادى به الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى حول عودة القوات الروسية الى خطوط 24 فبراير، إلى جانب استعادة شبه جزيرة القرم بموجب نصوص الدستور الأوكرانى الجديد، وما توعز به الإدارة الأمريكية الى السلطات الأوكرانية فى كييف. وفى هذا الصدد أشارت مجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية الى تحذيرها من مغبة اندلاع «الحرب النووية» التى قالت إن احتماله قد يكون منخفضا، لكنه لن يكون عند مستوى الصفر».

ومن هنا يبدو ما يشبه الإجماع حول أن أوكرانيا تظل مدعوة إلى الاعتراف بما لحق بها من هزائم كانت فى غنى عنها لو كانت استجابت لما ظلت موسكو تدعوها إليه على مدى ما يزيد على ثمانى سنوات حول تنفيذ «اتفاقيات مينسك-1، و-2» التى جرى توقيعها تحت رعاية رؤساء روسيا وفرنسا وألمانيا فى عامى 2014،و2015 لتسوية المسائل المتعلقة بالحكم الذاتى لمقاطعتى لوجانسك ودونيتسك اللتين اضطرتا إلى إعلان انفصالهما عن أوكرانيا عقب الانقلاب الذى أطاح بالرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش فى فبراير 2014. ومن هنا خلصت مجلة «ناشيونال انترست» فى مقالها بقلم يفجينى تشيرنيشيف إلى «أن الوقت قد حان لأن يتخلى الغرب عن وهم تحقيق أوكرانيا للانتصار، ولضرورة أن يكون وقف إطلاق النار أولوية بالنسبة للولايات المتحدة». ومضى الكاتب ليخلص إلى توقعاته حول «أن الصراع سينتهى بتوقيع اتفاقية جديدة مثل مينسك -2». أما عن فحوى الاتفاقية فقد اوضحه تشيرنيشيف بقوله «إنه لا بد أن يعكس حقيقة أنه لا يمكن لأى من الطرفين تحقيق أهدافهما العسكرية القصوى: لا يمكن لروسيا تحرير أوكرانيا بالكامل، ولا يمكن لأوكرانيا إجلاء القوات الروسية». وذلك ما يتطلب الضمانات لكل من الجانبين: «أوكرانيا – بأن روسيا ستتوقف عند هذا الحد ، وروسيا – بأن الناتو سيوقف تقدمه إلى حدود روسيا».

وذلك استنتاج قد يكون قريبا مما تعكسه حقائق الأمور ومجمل تطورات الموقف منذ بدء المواجهة المسلحة فى 24 فبراير الماضي، وما يعكسه توازن القوى حتى اللحظة الراهنة التى اعترف فيها الرئيس بوتين بأن القوات الروسية لم «تصل فى عملياتها إلى مرحلة الجد»، فى وقت ثمة من يقول فيه إنها لم تدفع إلى معاركها فى أوكرانيا باكثر من 20% من تعداد قواتها، وحجم قدراتها العسكرية. ولعل ذلك هو ما دفع معلق «ناشونال إنترست» إلى القول بأنه «يجب على الولايات المتحدة ، إلى جانب شركائها الأوروبيين ، بذل كل ما فى وسعها لتوسيع الفرص الدبلوماسية»، فضلا عن قناعته باحتمالات ضرورة «تهديد روسيا بزيادة الدعم العسكرى لكييف من أجل إقناعها بالتوقيع على مثل هذه المعاهدة»، التى أشرنا إليها عاليه. أما عما تطالب به أوكرانيا شرطا للجلوس إلى مائدة المفاوضات حول عودة القوات الروسية إلى خطوط ما قبل 24 فبراير، والاعتراف بأوكرانية شبه جزيرة القرم و»مقاطعتى الدونباس»- لوجانسك ودونيتسك، فانها تظل آمالا أقرب إلى «أحلام ليلة صيف»!. فليس هناك فى روسيا ، بل وربما فى العالم أجمع، من يمكن أن يتوقع نزول موسكو عند مثل هذه «الأحلام» بعد كل ما تكبدته من متاعب وخسائر بشرية ومادية، اضطرت إلى تقديمها دفاعا عن «حقوق تاريخية» لطالما أشارت إليها فى أكثر من مناسبة.

وثمة ما يشير إلى أن مثل هذه التصورات قد تكون هى الأوقع والأكثر مناسبة لأوكرانيا، فى ظل توازن القوى الراهن، وما فرضته وتفرضه تطورات الأوضاع على صعيد المواجهة العسكرية، فى وقت كشفت فيه بعض بلدان الجوار ومنها بولندا والمجر عن طموحاتها فى استعادة ما آل إلى أوكرانيا من أراض بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، وما سبق وحددته دول الائتلاف عقب انهيار امبراطورية النمسا-المجر عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، فى إطار ما كان يسمى «خط كورزن» (وزير خارجية بريطانيا الأسبق)، وشمل كثيرا من أراضى شرق بولندا بما فيها مدينة لفوف الموجودة حاليا فى غرب أوكرانيا، ومناطق ما وراء «الكاربات» المجرية الأصل بتعداد سكانى يقترب من المليون نسمة، إلى جانب ما آل إلى جمهوريات البلطيق من أراض أخرى، وإن كان جرى تعويض بولندا بكثير من أراضى شمال شرق ألمانيا .