


رب صدفة ، خير من ميعاد
ولقد تهافتت الى ذاكرتي ، الناشطة بحكم السن المتقدمة ، هذه القصة ، التي اتاحت الصدفة فيها ، لثلاثة اشخاص، الانتقال من مواقعهم الى مواقع اخرى ، لم يكونوا يحلمون بالوصول اليها ، والبقاء فيها لعقود من السنين…
انها قصة السادة :
1- محمد دعبول (ابو سليم) ، مدير مكتب الرئيس الراحل “حافظ الاسد” منذ انتقاله من منصب وزيرالدفاع الى رئيس وزراء ، فرئيس جمهورية ، ثم لنجله ، الرئيس الدكتور”بشار”.
2- اسعد كامل الياس (ابوالكامل) ، مترجم الرئيس الراحل “حافظ الاسد” ، ومدير مكتبه الاعلامي لاربعة وثلاثين عاما ، وهو من أصل فلسطيني.
3- خليل السعداوي (ابو عمر) ، مدير مراسم القصر الجمهوري لمدة (30 عاما) مع الرئيس الراحل حافظ الاسد ، ولـ(40 عاما) مع من سبقه ، وهو من أصل ليبي.
… ولاعلاقة للثلاثة “المحظوظين” بحزب البعث الحاكم ، ولا بأي حزب اخر.

٢
الاخ المرحوم “خليل السعداوي”، بدأ حظه ، والصدف مع ملامحه النوبية ، الشديدة السمرة ، والتي اهلته ، ليكون مضيفا في بلاط الرئيس الاول للجمهورية ، الشيخ “تاج الدين الحسني”، فامسك فناجين القهوة والمصب ، وتعلق بتلابيب كل الرؤساء اللاحقين ، فأصبح له مساعدون ، ترك لهم حمله ، وتفرغ للترحيب بزوار القصر، وتوديعهم.
وصار “أبو عمر” من معالم القصر ، وحين تسلم الرئيس (حافظ) ، الرئاسة ، خير العاملين في القصر ، بين البقاء فيه ، أو الرحيل عنه ، فاختار (السعداوي) – كعادته- البقاء ، ولم يجد الرئيس الراحل ، مبررا لاستبداله ، لطول باعه في مجاله ، وتمكنه من الاستمرار فيه. ورغم تفاقم حالته الصحية ، ظل (السعداوي) ، ممسكا بمصب القهوة وفناجينها ، واختار مساعديه ، بما لايمس موقعه ، أو ينافسه فيه ، منهم أحد ، حتى وفاته.

وللمرحوم ، قصة طريفة مع العقيد الليبي ، الراحل “معمر القذافي” ، والذي لجأ اليه (السعداوي)، من أجل مساعدته في استعادة جنسيته الليبية ، واسترداد املاك قبيلته، فقد دعاه (القذافي) ، لزيارة “طرابلس”، لمتابعة قضيته مع المسؤولين هناك ، فذهب (أبو عمر) اليها ، وغاب طويلا ، الى ان استنجد منها ، طالبا التوسط لدى “القذافي” ، كي يسمح له بمغادرة (بيت الضيافة)، الذي حل فيه ، من دون أن يتمكن من مقابلة أي مسؤول ، أو حتى تفقد ، مسقط رأسه ، وأحوال أهله.
“رحمه الله” ، فلقد احتل طويلا ، موقعا هاما ، بلا أي مؤهل ؟!

٣
أما الاستاذ المرحوم “اسعد كامل الياس” ، فقد كان مترجما للاخبار في (اذاعة دمشق)، واستدعاه المرحوم “بشير كعدان”، مستشار رئيس الوزراء – آنذاك- (يوسف زعين)، ليعد تقريرا عن الصحف الاجنبية ، وخصص له ، مكتبا لذلك، يأتيه لساعات معدودة ، كافية لمهمته ، ثم يعود بعدها لعمله بالاذاعة.

وتصادف ، ان كان “رحمه الله”، موجودا ، حين قدم الرئيس الراحل (حفظ الاسد) الى السراي ، لتولي مهامه ، حيث خير كل العاملين بمكتبه كـ”رئيس حكومة” بين البقاء الى جانبه ، أو اختيار وظيفة اخرى ، فاختار (أبو الكامل) ، البقاء كالاخرين، فيما غاب (كعدان).
وانتقل (الياس) فيما بعد مع الرئيس حافظ الاسد الى “قصر الرئاسة” ، كمترجم خاص ، ومدير للمكتب الاعلامي ، ثم كمستشار ، الى ان توفاه الله ، بعد وفاة الرئيس الراحل . وقد ظل مواظبا على الدوام بمكتبه ، رغم تقدمه بالعمر ، وسوء صحته.
واشهد – بلا داع- الا لقول الحق : ان (ابو الكامل) ، كان فريدا في تهذيبه وترفعه وزهده ، ولو تطلع للثروة ، لاغتنى ، وقد رفض عروضا مغرية ، لكتابة مذكراته عن كل ماشهده من محادثات “الاسد الراحل” مع قادة العالم ، ومع وزير الخارجية الامريكية (الأسبق) هنري كيسنجر ، وأيضا مع الرؤساء الامريكيين.
أما (عمنا)، محمد دعبول \ “ابو سليم”، فقد كان معاونا لمحاسب وزارة الداخلية ، المرحوم (ممدوح الزين) ، وتصادف ان غضب رئيس الوزراء (يومها) ، “يوسف زعين”، وطرد مدير مكتبه (فريد مصطفى)، وطلب احدا ، يحل محله ، لحين اختيار البديل.


، فانتدب الاستاذ “محمد دعبول”، لهذه المهمة ، وقبل حصول الاختيار ، طار (زعين)، وتسلم الرئيس حافظ ، وورث المكتب ، ومديره ، الذي انتقل معه الى قصر الرئاسة، وظل معه ، ثم مع نجله (الرئيس بشار) .
سبحان الذي اذا أعطى أدهش ، خالق الفرص لمن يشاء ..!
من صفحة الكاتب على الـ”فايسبوك”
هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها