
قبل تسعين سنة ، صدر كتاب عن الحجاب والسفور، لمؤلفة شابه ، تُدعى “نظيرة زين الدين”. تحدّت مجتمع المشايخ يومها ، ووصفت الحجاب بالبدعة، كما قالت أن المجتمعات العربية المُتحجبة ، أكثر تخلّفاً من المجتماعات الغربية السافرة، وطالبت بنزع الحجاب ، وسحب السلطة من رجال الدين ، ومن المحاكم الشرعية.
ماذا كان الرد؟
مفتي الديار الشامية في حينها ، الشيخ “عطا الله الكسم”، أرسل نُسخة من القرآن الكريم ، هديّة للمؤلفة، وطالبها بقراءته بتمعن قبل الخوض بهذه الأمور. ولكنه سمح بتداول الكتاب في مكتبات دِمَشق كافة ، وبإعادة طباعته، قائلاً: “ديننا أكبر من أن تؤثر عليه فتاة عشرينية….لا مانع من التداول والنشر.”
وعندما طَلب منه بعض المريدين ، تكفير الكاتبة ، وتسيّر مظاهرات ضدها، رفض الشيخ الكسم ذلك بشدة ، قائلاً: “علنيا الإهتمام بتوزيع الزكاة وإدارة الأوقاف والمدارس والعناية بالجوامع ومحاربة الإنتداب الفرنسي. لا وقت عندنا لصغائر الأمور.”

أذكر هذه القصة في ظلّ الجدل الكبير ، والواسع الحاصل اليوم ، حول جريمة إغتيال ، وقطع رأس مُدرّس فرنسي ، قام بعرض صور كارتونية ، مُسيئة للرسول، مأخوذة من مجلّة “شارلي أيبدو.” ظنّ الفتى القاتل ، أنه ينصر الاسلام في فعلته الشنيعة، متناسياً كلّ ما تعرض له النبيّ ذاته ، عندما باشر بالدعوة، حيث اُهين من قبل أهالي مكة ، وتعرض لأبشع أنواع المُضايقات، اللفظية منها والجسدية، ولكنه سامح أهله بعد العودة ، وردد عبارته الشهيرة: “من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سُفيان فهو آمن.”
القاتل الشاب ، لا يُمثل دين محمّد، والضحية ، لا يُمثل المسيحيين. دمائهم في رقبة كلّ من روّج لتلك الرسومات ، التي استفزت مشاعر ملايين الناس، وفي رقبة كلّ رجل دين ، قال للمُجرم أنه سوف يصعد إلى السماء لو نجح في قطع رأس ذلك المُدرّس الفرنسي. ونحن نتحمل جزء كبير من المسؤولية، لأننا فشلنا بالدفاع عن أنفسنا أمام كلّ هذا التشويه المُمنهج ، الذي تعرض له الإسلام حلال آخر ثلاثة عقود، لا بل كنا شركاء فيه. لم نقل أن قطع الرؤوس وضرب الدفوف لا يُمثلنا، وأن دين الإسلام بريء من هذه التصرفات، وسمحنا لأناس مشبوهين ، مثل (أسامة بن لادن) و(أبو بكر البغدادي)، أن يسرقوا دين محمّد منّا ، ويعيدوا تصديره إلى الغرب بهذه الطريقة البشعة.
لو كان الشيخ الكسم ، حيّاً ، لقال: “هؤلاء يقولون أن تلك الرسومات تُمثل الرسول ونحن نقول أنها لا تُمثله بالمطلق. نقطة، إنتهى النقاش. عودوا إلى ما هو أنفع وأضر لكم ولأمتكم.”
هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها