ملاحظات أولية على مسلسل ” ممالك النار” \\ بقلم : د. فؤاد شربجي

الإثنين - 18 - نوفمبر - 2019

 

هل يجوز الحكم على مسلسل بمجرد مشاهدة الحلقة الاولى ؟! ، حتما لا يجوز ، ولكن هل يمكن تجاهل ماتمثله “الحلقة الاولى” من أي مسلسل ، كانطلاقة للصراع الدرامي ، وطرق أبواب الفكرة التي سيعالجها . والأهم ، لايجوز تجاهل دور الحلقة الاولى في اشعال انجذاب الجمهور ، لمتابعة العمل . ولكل ذلك ، فاننا سنورد بمايلي ، ملاحظاتنا على هذه الحلقة الاولى من ” ممالك النار” :

1– منذ اللقطات الاولى ، ظهر الانتاج الكبير جدا، بأعداد الكومبارس ، والديكورات المتقنة والفخمة ، والألبسة والماكياج ، ومسائل الاضاءة والتصوير ، التي اعطت ، مشاهد غنية انتاجيا ، تضاهي الاعمال العالمية الكبيرة.

2– منذ البداية ، حدد المسلسل ، أنه يتناول المرحلة العثمانية والمملوكية ، حيث بدأ السلطان محمد بن مراد ، الملقب (بـالفاتح) ووريثه (بايزيد)، انتظارا لـ”سليم الاول” ، ومن جهة المماليك ، ظهر “طوباي” الطفل عند نقله الى القاهرة.

3– أول مايؤخذ على الحلقة الاولى ، غياب اسلاموية السلطنة العثمانية والمماليك ، وكلاهما استخدم الاسلام ، كغطاء لتسلطهم وغزوهم وحكمهم ، وغياب هذا الجانب عن سلطان اسمه (محمد) فيه مشكلة ، فكيف اذا كانت السلطنة كلها ، تقوم كخلافة اسلامية.

غياب الايديولوجية الاسلاموية عن اعلان الحرب ، وعن موت الفاتح ، وعن تنصيب الوريث ، ليس نقصانا دراميا ، فحسب، بل ضرب لاساس بناء الشخصيات ، وجوهر عن عمق الصراع ، وكل ذلك ، سيضرب الفكرة النهائية للعمل- كما أظن-

4– كان هناك مشكلة في “دراما” الحلقة الاولى ، لان مشاهدها كانت اخبارا مباشرا عمايجري ، بل خلق لصراع درامي في المشهد ، يخبر المشاهد عمايجري ، وهذا ما اصاب المشاهد الرئيسية ، مثل مشهد نية (الفاتح) على الغزو ، ومثل تنصيب (بايزيد) بدلا من ابنه ، فهل يمكن ان يكون اعلان غزو ، وأخذ عرش دون صراع درامي ؟!! ، وهذه أمثلة عندما يحل الاخبار والتبيلغ المباشر ، بدلا من الصراع الذي يتوهج ليزرع النتيجة في ضمير المشاهد.

ربما يتغير الآن في الحلقات القادمة ! نأمل ذلك.

5– لا اعرف ، لما لم يعبر عن المرأة بالشكل اللازم في الحلقة الاولى ، ورغم ان تصوير السلاطين ومقراتهم ، كانت تعج بالنساء من زوجات وجواري ، الا اننا لم نجد أي فعل نسائي ، لموت الفاتح ، أو لتنصيب بايزيد ، أو لقتل ابن أخيه ، حتى (أم) الطفل طوباي ، لم يكن لها فعل ، الا للاخبار عن ذهاب ابنها الى عمه.

وغياب النساء ، كقوة كانت فاعلة عند العثمانيين ، يفقر امكانيات الدراما ، ويغفل الكثير من معاني مايقدم ، ويخسر جانبا كبيرا من الجاذبية ، التي يوفرها وجود النسوة في الصراع الدرامي .

6– أخطر مايمكن أن يؤخذ على الحلقة الاولى ، أنها لم تطلق بشكل واضح ، فكرة الدراما ، أو مشعلها ، وان كان الصراع على العرش ، هو الفكرة ، فانها مرت بجملة ضائعة ، ولم تكن مرسخة في مشهد أساس ، يحمل بريق أو حريق ماتشعله هذه الفكرة.

ربما يتم تعويض ذلك في الحلقات القادمة.

7– ان معظم الملاحظات ، أعتقد ان سببها (حساسية البيئة الاسلامية العثمانية او المملوكية ) لدى المخرج ، وربما لانه أجنبي ، غاب عنه الحساسية اللازمة لادراك التفاصيل الاسلاموية ، واستيعاب البيئة العثمانية ، وتجسيدها عبر التفاصيل.

 

والسؤال ، لماذا لم يكن المخرج الرئيس “عربيا” ، يساعده مخرجون تقنيون اجانب ، خاصة وأن لدينا عدد من المخرجين القادرين على اخراج مثل هذا العمل؟ ، الم يحقق المخرج “حاتم علي” انجازات اخراجية كبيرة في الاعمال التاريخية ، التي أخراجها ، ولوتوفرت له الامكانيات الانتاجية الموجودة في “ممالك النار” ، لكان أنجز ماينجزه المخرج الاجنبي ، مع تجسيد (الحساسية الاسلاموية العثمانية والمملوكية ) ، التي فقدناها مع المخرج الاجنبي ، الذي نعترف ببراعته في القضايا الاخرى.

ان اتجاه الانتاج الدرامي العربي الى هذه المستويات ، التي تضاهي العالمية ، يشكل نقلة تسجل للشركة المنتجة ، وللمنتج (ياسر حارب) ، لانه يشق طريقا للارتقاء بهذا الفن المؤثر في المشاهد العربي والعالمي ، مما يجعل الرؤية العربية ، مجسدة بدراما بصرية عالمية ، تصل للجميع ، وتعبر بابداع عن الرأي العربي ، والموقف الحضاري للعرب . ولايمكن الا ان نقدر هذه التجرية ، وملاحظاتنا ، ليست الا من باب الحرص على نجاح العمل والمشاركة مع صناعه في الحوار ، والتجويد.

______________________________________________________________________________________________________

\المحرر\

“ممالك النار”، مسلسل دراما عربي تاريخي ، إنتاج شركة إماراتية ، من تأليف “محمد سليمان عبد الملك” ، وإخراج المخرج البريطاني “بيتر ويبر”. صور العمل بأكمله في (تونس)، بكلفة تقدر بـ(40 مليون دولار أمريكي)، و يوثق المسلسل الحقبة الأخيرة من دولة المماليك ، وسقوطها على يد العثمانيين في بدايات القرن السادس عشر.

يضم فريق عمل المسلسل ، عدداً كبيراً من النجوم العالميين في مجالات صناعة الدراما، منها : (الديكور، الملابس والماكياج) من (إيطاليا، كولومبيا وأستراليا).