خاص
التجدد الاخباري – مكتب بيروت
كتب “جهاد الزين” في (النهار) اللبنانية ، تحت عنوان : “من الجنرال غورو إلى القاضية بوريسي” :
لم أحمِّل رياض سلامة يوما وحده مسؤولية الانهيار المالي. لم يكن عندي شك بأنه “مدير خزانة” المنظومة السياسية الحاكمة وأنها هي، أي المنظومة، بإدارتها للدولة، المسؤولة الكبرى مع قطاع المصارف عن الانهيار.

لكن ما فاجأني برياض سلامة هي نسبة تُهَم فساده الشخصي. كيف وهو الموظف الذي يتقاضى أعلى راتب في الدولة، بل أعلى راتب استثنائي، يقيم شبكة فساد في مقدمها شقيقه ويلعب ويهرِّب لحسابه الشخصي مئات ملايين الدولارات.
هل أفلت رياض سلامة من عقاله بعد اغتيال رفيق الحريري وبالتالي مع هذا الغياب غاب الشخص الوحيد الذي كان يضبطه ضمن الحدود المقبولة مع أن رفيق الحريري كان معروفا بأنه يغرق موظفيه بامتيازات مالية، حتى أشخاصا برتبة رياض سلامة ذي الخمسة وعشرين ألف دولار شهريا؟
الكلام الفارغ الذي نسمعه في التشكيك بالقضاء الفرنسي وبالقاضية أود بوريسي Aude Buresi التي أصدرت مذكرة توقيفه، هو تأكيد على حقيقة المتداوَل كما على درجة وقاحة بَلَغَتْها الحياة السياسية في لبنان.
القضاء الفرنسي، وعبره فرنسا، تقوم بقرار التوقيف هذا، بعمل تأسيسي في الجمهورية اللبنانية التي أنشأها الجنرال الفرنسي غورو بقرار إداري عسكري عام 1920.
قرار بوريسي يفتح نار جهنم على الطبقة السياسية اللبنانية بكامل أجنحتها وأكاد أقول بكامل طبقاتها. وهي الطبقة المتعددة الطبقات التي تُصبح مع الوقت موحدة المصالح الأمنية والسياسية.
لا يمكن أن يقف بعد الآن أحدٌ في وجه هذا القرار خصوصا أن القاضية حضرت مرات عدة إلى لبنان وساهمت في التحقيقات القضائية الرباعية( بلجيكا، لوكسومبورغ، ألمانيا، فرنسا) .
إذن القاضية بوريسي باتت تعرف الملف بعمق وشمول. ولا مجال للخطأ. بل يمكننا القول أن الدول الأربع الأوروبية زائد سويسرا والولايات المتحدة طبعا تعرف الملف بشموليته بما فيه ارتكابات المنظومة.
القاضية بوريسي بقرار التوقيف، وفي ما يتخطى حاكم مصرف لبنان، جعلتنا جميعاً نقف أمام عمل تأسيسي لعله الثاني بعد قرار غورو. هذا ليس مبالغة. فهنا الفرنسيون يعيدون تأسيس النظام السياسي بل يعيدون “تأسيس” الجمهورية كنظام حوكمة ومحاسبة في درس عملي لكل المنظومة السياسية النافذة لن يكون بعده مثل ما قبله.
شكرا للرئيس ماكرون الذي يمسك الملف سياسيا بيديه وهو الذي أطلق في لبنان الاستخدام الأول لتعبير “بونزي” (ponzi) التعبير الأشهر في وصف الاحتيالات المالية في العالم، ووضَع كل الانهيار المالي ومن ضمنه دور مصرف لبنان في الخانة “البونزية”.
يكفي أن عدد الذين “يتحسّسون رؤوسهم” في لبنان قد تضاعف مرات . إنها صدمة قرار التوقيف في نظام قضائي محترم كالنظام القضائي الفرنسي وهو اليوم يسجِّل مأثرة جديدة بالحكم الصادر بسجن الرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي بتهمة فساد مالي ومحاولة التأثير على القضاء.
هذه لحظة تاريخية فعلا في لبنان وينبغي لفعاليات ما تبقى من ثورة 17 تشرين أن تجتمع وتنشط لاستثمار حدث طلب توقيف حاكم البنك المركزي اللبناني في سياق إعادة تجديد الثورة الشبابية، لأن هذا التوقيف كجزء من الإسقاط الأخلاقي (وليس السياسي) للمنظومة الحاكمة والذي قامت به الثورة من شأنه أن يمثّل الحدث الأهم منذ عام 2019 تاريخ اندلاعها.
أظهر القرار القضائي الفرنسي مع كل الجهود القضائية التي قام بها معنيون في لبنان والخارج، أظهر مدى اختمار الوعي الأوروبي والغربي على مستوى الحكومات بضرورة دعم مواجهة منظومة الفساد اللبنانية.
وهذا في لبنان يجعل الحدث الفرنسي أكبر من طاقة أي فئة لبنانية على استثماره محليا. فالسيف يلمس رقبة الجميع.
إذا كان لهذا القرار (طلب توقيف الحاكم) أن يذهب في مسار تغييري، فيجب التعامل معه كإشارة انطلاق ثورية بعده ليس مثل ما قبله كما أشرنا، لأنه الحدث التأسيسي الذي يجب أن يُثبِت اللبنانيون أنهم جديرون به كمكافأة دولية غير مسبوقة ضد كل من أذلّوهم ليس فقط على أبواب المصارف المجرمة بل أيضاً في مرفأ بيروت وفي كل مكان عجزوا عن دفع أسعاره بعملة وطنية منهارة.
كيف ستواجه المنظومة المحرَجة بالقرار والخائفة منه؟ هذا يحتاج إلى مراقبة من نوع مختلف بعد اليوم.

هنا تعقيب من الاستاذ والكاتب (سعد محيو) ، خص به موقع “التجدد الاخباري”
الى “جهاد الزين” … اعيدوا لنا كرامتنا الوطنية \\ بقلم سعد محيو
تحية ، اولاً. للزميل والصديق جهاد الزين. واسارع الى القول ان مضمون مقاله (جريدة النهار، ١٩ ايار الحالي) المدُين للفساد المريع للمنظومة الطائفية، ولدور الحاكم رياض سلامة فيها، يحظى بتصفيقنا وتأييدنا.

لكن في الوقت نفسه، اثار هذا المقال بصراحة ذعري الشخصي من الذهنية التي لا تزال تتحكم بمثقفينا ، ومفكرينا :
١- فأن يستدعي جهاد روح الجنرال غورو، متمنياً منها ( وليس ضمنا) التأسيس الثاني للدولة اللبنانية، فهذا يعني ان اللبنانيين لا زالوا مصريّن على البقاء في مرحلة المراهقة الوطنية، لا بل مرحلة القاصرين الذين يحتاجون الى عصا وتوجيهات الاوصياء الاجانب عليهم.
كان الاجدى بجهاد ان يدعو الى استنفار الروح الوطنية ، التي يجب ان تشعر بالذل لهذه الفضائح، التي يتسبّب بها المسؤولون والسياسيون لوطنهم لبنان في كل انحاء العالم.
٢- هل يعتقد الاستاذ جهاد حقا، ان الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي خلقته ومولته ودعمته الدوائر المالية الكبرى، ( والذي قد يتكشف لاحقا انه لا يختلف كثيرا عن ساركوزي) يجب ان يقود هو، مع روح الجنرال غورو، عملية تأسيس الكيان اللبناني الجديد؟ اذا كان الامر كذلك( كما يبدو واضحا من مقاله)، فعلى اللبنانيين اذا ان يتخلوا عن اي امل بأن يتمكن وطنهم من استعادة كرامته الوطنية المنبثقة من حضارة سحيقة عمرها ٥ آلاف سنة ونيف.
٣- ثم: لا شك ان القضاء الفرنسي نزيه. لكن هل القوى الرأسمالية الفرنسية الاخرى تحركّت لانها ترفض فساد الطبقة السياسية اللبنانية، ام لان ممارسات هذه الطبقة لامست بعض الخطوط الحمر لمصالحها المالية؟ و اين ذهبت ال١٣٠ مليار دولار ( وربما مليارات اكثر منذ ١٩٩٠) من ثروات الوطن اللبناني. سوى الى جيوب الاوروبيين المتواطئين مصلحياً مع الطبقة السباسية اللبنانية.
لا اشك لحظة واحدة بالانتماء الوطني اللبناني العميق للزميل جهاد، ولا بنقائه الروحي، لكني شعرت باذلال وانا أسمع منه تلك الاحاديث عن غورو وماكرون والرهان مجددا على الخارج لبناء الداخل الوطني.
احباءنا المثقفين والمغكرين اللبنانيين: اعيدوا لنا كرامتنا الوطنية. اعيدوا لنا احترامنا لتاريخنا الحضاري الهائل، ولقيمنا المشرقية المتوسطية الرائدة في العالم والتاريخ. استفيقوا من غيبوبتكم الوطنية وتذكروا ، ان الحرف ولد هنا للمرة الاولى في التاريخ، ومعه قيم الضمير والاخلاق ، ووحدة الوجود.