التجدد الاخباري – (خاص) مكتب واشنطن
يدور نقاش امريكي عام ، حول مدى تخبط إدارات الولايات المتحدة فى سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط ما أدى إلى زيادة نفوذ (الصين وروسيا) فى المنطقة، كما يتشعب النقاش حول أن إصرار واشنطن على عزل الأطراف الفاعلة الرئيسة (إيران) لم ينتج عنه سلام (بل) مزيد من الاضطرابات
غريغ (بنس) ، وهو أحد أهم الباحثين في حقول الدراسات الدولية ، يركز في مقاله التالي ، حول هذه القضية المركزية في دوائر صنع القرار الامريكية . فقد كانت أهم وعود بايدن، قبل دخول البيت الأبيض، عودة الولايات المتحدة إلى عالم السياسات الليبرالية وتحسين صورة واشنطن التي تم تلويثها خلال رئاسة ترمب.
ومع ذلك، فإن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في العقود الأخيرة دارت حول الصراع من أجل التفوق على الدول المنافسة. نتيجة لذلك، لم يعد الحزبان الديمقراطي والجمهوري هما الطرفان الفاعلان الرئيسان الوحيدان في السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة، بل هناك أيضا الأطراف العولمية والقومية ، التي جعلت البيت الأبيض يواجه أزمة في صنع القرار.
بعبارة أكثر تفصيلا، منذ الإعلان عن نظرية «صراع الحضارات» للكاتب صامويل هنتنجتون، قررت الولايات المتحدة استخدام لعبة صنع الأزمات فى منطقة الشرق الأوسط وأوراسيا لخلق أرضية خصبة من أجل إنقاذ المجمعات العسكرية والصناعية الأمريكية.
وفى الحقيقة، تصارع معظم الدول الرئيسية المصدرة للنفط فى العالم حاليًا فى الحروب أو الاضطرابات أو العقوبات. فالسعودية متورطة فى حرب اليمن، وروسيا تقاتل فى القرم وأوكرانيا، فنزويلا عالقة فى ظل اضطرابات داخلية، وإيران تخضع لعقوبات خانقة. وعلى الرغم من حقيقة أن هذه الدول تتعرض للحرب والعقوبات والانهيار، فإن نفطها يصل إلى وجهته نتيجة ألعاب خلق الأزمات التى اتبعتها الولايات المتحدة.
قبل توليه الرئاسة، تعهد بايدن بإطاحة سياسة دونالد ترمب تجاه الشرق الأوسط، وإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن، وتجديد الاتفاق النووي مع إيران، وإنهاء الحرب في اليمن، وجعل السعودية تمتثل لمعايير حقوق الإنسان في الحكم. ومع ذلك، لم تتحقق أي من وعوده.

لم يؤدِ عدم التوازن في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة إلى زيادة نفوذ الصين وروسيا في الشرق الأوسط فحسب، بل إلى خلق ظروف يمكن أن تستخدمها إدارة بايدن لصنع الأزمات في المنطقة.
حماقة السياسة الخارجية للولايات المتحدة تتمثل في إصرارها على عزل جهات فاعلة مؤثرة فى الشرق الأوسط، لكن هذا لا يمكن أن يحقق السلام بل سيتحول فقط إلى مصدر جديد للنزاعات والاصطفافات في الشرق الأوسط.
روبرت مالي (مثلا) ، الممثل الخاص للولايات المتحدة في إيران، حذر فى عام 2021 من أن معظم اضطرابات المنطقة تنبع من عدم التعاون مع طهران. كما أن إيران، كدولة خاضعة للعقوبات، يمكن أن تكون بمثابة حصان طروادة للصين وروسيا في الشرق الأوسط.
يقف بايدن الآن عند مفترق طرق لإبرام اتفاقيات أمنية كبرى مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبحسب مصادر مقربة من ولى عهد الإمارات، فإن الاتفاقية ، هي «اتفاقية تعاون دفاعي استراتيجي ملزم» تتجاوز أي شيء وافقت عليه الولايات المتحدة في المنطقة من قبل.
هذه الاتفاقية لن تجلب سلاما ولا حل، ففي الوقت الذي يحتاج فيه بايدن إلى زيادة إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية من أجل خفض سعر الوقود؛ مع اقتراب موعد انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني\ نوفمبر المقبل، من غير المرجح أن تؤدى مقامرة بايدن في الرياض إلى خفض أسعار الوقود المرتفعة. لأن الكمية القصوى التي يمكن للمملكة العربية السعودية ضخها في السوق لا يمكن أن تكون أكثر من 150 ألف برميل في اليوم ، وهي كمية ضئيلة ولا يمكن أن تقلل من سعر الوقود.
بالنظر إلى أزمة إمدادات الطاقة بسبب الحرب فى أوكرانيا، فإن المصالحة مع إيران ، هي حل للولايات المتحدة. فمع تخزين حوالي 85 مليون برميل من النفط في البر والبحر، يمكن لإيران دخول أسواق الطاقة العالمية على الفور. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا عاد بايدن إلى الاتفاق النووى الإيرانى والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA.
جوهر القول، لن يستغرق الأمر وقتًا طويلا لمعرفة أن حل المشكلة لا يكمن في التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، ولكن المشكلة هي أن البيت الأبيض غير قادر على تبني سياسة محددة طويلة الأجل، وإذا لم يتمكن بايدن من التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإن الفشل سيؤدي إلى انهيار نظام عدم الانتشار النووي، وإلى تسليح العديد من دول الشرق الأوسط والعالم بأسلحة نووية، وهذا هو إرث لعبة صنع الأزمات الأمريكية في الشرق الأوسط وأوراسيا.