هل نجحت الأنظمة الديمقراطية في الدول المتقدمة بنقل ثقافتها إلى دول أخرى؟ \ بقلم : ماهر المملوك

ماهر المملوك
مما لا شك فيه ان مبدأ تصدير ثقافة الديمقراطية في العقدين الأخيرين، و مبدأ تطبيق ممارسته على ارض الواقع في الدول التي حصلت فيها الحروب الأهلية، برعاية دولية من القوى العظمى، تحت ذريعة الخلاص من الدكتاتوريات المسيطرة على مقاليد الحكم فيها لعقود طويلة و خاصة في منطقة الشرق الأوسط، لم يؤت ثماره بالشكل المطلوب على المدى المنظور .
و أما موضوع وضع عنوان “نشر الديمقراطية و تحرير الشعوب” على حروب، لم يكن مؤداها إلا الخراب و الدمار للبنى التحتية بمحتواها الثقافي و الإنساني و التاريخي و هوية الإنسان التي كان دائم البحث عنها،ما كان عملياً الا غطاءً لنوايا السيطرة على مقدرات و ثروات عاثت فيها الأنظمة العسكرية و الشمولية لعقود كثيرة من السيطرة المطلقة على ثروات بلادها من دون حسيب أو رقيب.
كتب الباحث السياسي زيبيغنيو بريجنسكي مقالاً في أوائل عام ٢٠٠٠ بعنوان “الصحوة العالمية” والذي برأيه ستصبح فيها الحركات الشعبية هي الفاعلة وستؤدي عالمياً و في المستقبل الى انتصار النموذج الديمقراطي و الغربي، و الذي سيكون وراء القوى المدافعة للتغييرات الجيوسياسية التي ستحصل على الأرض.
لكن الربيع العربي الذي بدأ في مطلع عام ٢٠١٠ دحض هذه النظرية لتكون هناك مجرد حشود صاخبة و فوضى أبعد ما تكون عن الخلاقة لتكون سبباً في عدم تطبيق الديمقراطية المنشودة.
السبب في ذلك هوفي خروج الناس الى الشارع بمطالبة إنسانية عادلة سرعان ما سيطرت عليها مؤثرات أمريكية ( إلى جانب وجود لاعبين أجانب آخرين) مما أدى إلى استنفاذ نموذج الإدارة القديم ليس فقط في الليبرالية التعددية و إنما في نموذج الديمقراطية الاجتماعية كالتي حصلت في فرنسا.
علماً أن أساليب المتظاهرين متشابهة فالتحركات الشعبية الأخيرة في هونغ كونغ و بغداد و بيروت و طهران و الجزائر ويمكن ان يكون هناك مدن أخرى قادمة، هي نتيجة تناقل هذه المطالب على شاشات التلفزيون و الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والبرهان على ذلك ان هذه التجربة ستكون هي الأسلوب الحضاري الديمقراطي في تحصيل حقوق الشعوب.
ان مبدأ نقل الديمقراطية بأسلوب الحرب كان منهجاً خاطئاً منذ البداية و للأسف فان هذه الحملات العسكرية التي قامت بها الدول العظمى لا تؤدي إلا إلى الخراب و الدمار و تأخر وصول الديمقراطية لعشرات السنين.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن عن الديمقراطية، هل هي شعار أم مبدأ أم ثقافة أم قانون أم كلهم مجتمعين بغاية التطبيق السليم و العمل على سعادة المجتمعات.
التقرير السنوي عن معهد “رأي” للدراسات الاجتماعية و السياسية ، والذي يتخذ من العاصمة السويدية استوكهولم مقراً له و الذي صدر عن المعهد مؤخراً ليشير الى ظاهرة ” حالة الديمقراطية العالمية” لكي يأتي لتبيان واقع التطبيق السياسي مع الفترة الزمنية و الجغرافية ان كانت هذه الحالة تشكل قدرة على الصمود أو التصدير أو التعميم اممياً في النظام العالمي الجديد، أو انها مجرد شعارات رنانة و نظام سياسي يمكن ان يطبق على شعوب دون غيرها و الذي يمكن ان يصلح للغرب و لا يصلح للشرق أو يمكن ان يصلح للشمال و من غير الممكن ان يصلح للجنوب، عداك عن الدخول في المجتمعات التي لها خصوصية معينة من حيث المعتقدات و المبادئ كما في الحالة المعقدة لمنطقتنا العربية و الإسلامية.
و لابد من الإشارة الى ان الديمقراطية تكتسب تأويلات عديدة في العلاقات الدولية من حيث تداول السلطة وفق المبادئ الديمقراطية، كما ان تلك المبادئ هي من تقرر كون و شكل و بنية النظام السياسي من حيث تكوين العملية السياسية في المجتمعات و الدول.
ما يريد التقرير الوصول اليه هو ان اكثر من نصف دول العالم أصبحت تتبنى النظام الديمقراطي مع كل الصعوبات و التحديات و التضحيات التي تعرضت لها تلك المجتمعات للوصول الى ديمقراطية منشودة و مبنية من صلب ثقافة و خصوصية كل مجتمع على حدى ومن غير أخذ القوالب الجامدة من الجهة المصدرة لها، مع احترام ثقافة المجتمع الذي يريد تطبيق هذه الثقافة العريقة و التي من اول مبادئها الحرية و المساواة و العدالة منذ ان انبثقت الديمقراطية في اليونان و التي يقبل بها الحاكم و المحكوم ضمن صيغة قانونية ثابتة مقيدة بقوانين و دساتير محمية بموجب تصويت الشعوب.
ان التساهل في محاولة تهدئة الشعوب خطير و يؤدي الى المزيد من الخلل في النظام العالمي الجدبد كما ان نموذج قمع الاحتجاجات لم يعد يجدي نفعاً. للأسف من السابق لأوانه الحديث عن مخرج فالعالم لتوه دخل في هذه الأزمة و الوضع قد يزداد سوءاً !

عماد نداف
الربط بين الإقليمي والعالمي في ممارسة الديمقراطية! (مساجلة مع الدكتور ماهر المملوك) \\ بقلم : عمـاد نداف
ينتهي الدكتور ماهر المملوك، في مقاله المنشور تحت سؤال: هل نجحت الأنظمة الديمقراطية في الدول المتقدمة بنقل ثقافتها إلى دول أخرى؟ في موقع بوابة الشرق الأوسط الجديدة، ينتهي إلى تحذير يثير حواراً واسعاً، ينبغي الوقوف عنده، ويقول: (إن التساهل في محاولة تهدئة الشعوب خطير ويؤدي إلى المزيد من الخلل في النظام العالمي الجديد، كما أن نموذج قمع الاحتجاجات لم يعد يجدي نفعاً.) ويعرب عن أسفه بالحديث عن مخرج بعبارة يختم بها مقاله، (للأسف من السابق لأوانه الحديث عن مخرج فالعالم لتوه دخل في هذه الأزمة والوضع قد يزداد سوءاً)!
يثير هذا الموضوع فكرتين أساسيتين: الأولى: تتعلق بالتساهل في تهدئة الشعوب، ويعود هذا التحذير إلى (المزيد من الخلل في النظام العالمي الجديد)، فهل على الشعوب الباحثة عن الديمقراطية أن تفكر بإنقاذ النظام العالمي الجديد وإنقاذه؟ ثم ما هو دور النظام العالمي الجديد في مفاقمة الأزمات؟!
أما الفكرة الثانية، فتتعلق في قمع الشعوب، وفي جوهر هذه الفكرة يتجه المعنى مباشرة إلى البحث عن مظاهر القمع، وهي هنا قمع اقتصادي يمارسه أقطاب النظام العالمي الجديد، وقمع سياسي تمارسه القوى الطبقية والاجتماعية والدينية المسيطرة، أي أن هناك تشاركية في القمع بين الطرفين، فعندما يجري الحصار وتفرض العقوبات تدفع الشعوب الثمن الأكبر، وتتحجج القوى المهيمنة في المجتمعات المعنية بخلق شروط مواجهة تستند إلى مبدأ الدفاع عن الوطن، وهنا يفتح الحديث على مجموعة المحطات الكبرى في المرحلة الاستعمارية التي تتلطى دائماً بخدمة الشعوب سواء في مفهوم (الاستعمار) نفسه ومصدر المصطلح، القائم ظاهرياً على مساعدة الشعوب من خلال (استعمارها).
ما هو النظام العالمي الجديد؟!
إذا كانت الحرب العالمية الأولى، المعروفة (بحرب الأربتعش)، قد أسفرت بعد أربع سنوات على نشوئها عن إطلاق مبدأ ويلسون، ونقاطه الأربع عشرة، التي تدعو لمساعدة الشعوب، فإن المبدأ نفسه أسفر تلقائياً عن ظهور (الانتداب) الذي عرفناه جيداً، وقاتلت شعوب المنطقة ضده إلى أن حصلت على استقلالها، والاستقلال هنا يستند إلى حدود سايكس بيكو المعدلة.
وفي إشارة ربط بين القديم والجديد، يرى الباحثان (غراهام إيفانز وجيفري نوينهامأن) هذا المبدأ كان موجهاً (بشكل محدد ضد التطورات في دول العالم الثالث مستعملاُ بشكل مميز تسويقاً أخلاقياً سامياً يقوم على حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلا أنه في الحقيقة يخفي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية) بل يفسر هذا الكاتب جانباً آخراً من مبدأ ويلسون يبرر دور الولايات المتحدة (في خلق ثورة كبيرة في النظام الدولي، ولتكون حامية للدول الأقل إمكانية أمام نظام القوة الطائش، وأن مثل هذا الدور سيعطي للأفكار الأمريكية تأثيراً كونياً).
إن العودة إلى هذا الربط، تجعلنا في مواجهة السؤال الذي يطرحه الدكتور ماهر المملوك فلا يمكن للأنظمة الديمقراطية في الدول المتقدمة نقل ثقافتها إلى دول أخرى، لأنها فقدت المصداقية التاريخية في تقديم نماذج لنظم تصلح لدول العالم الثالث.
لكن، أيضاً، وهنا يمكن أن نتفق مع الدكتور المملوك، إذا كان يشير بشكل غير مباشر إلى فشل النظام الاشتراكي الشمولي الذي نشأ بعد ثورة اكتوبر عام 1914 في تسويق بديل للديمقراطية عبر مفهوم حركات التحرر والأنظمة الوطنية.
إذاً يبدو أن دول العالم (غير المتقدمة)، التي كانت موضوعاً للمرحلة الاستعمارية، والمرحلة الديمقراطية (اليوم) معنية بالبحث عن طريق حقيقي للخلاص، وهذا الطريق هي من يمكن أن يحدد مساره وأطره وتوجهاته وثوابته، فهل علينا أن نتركها، ونترك معها الفوضى والحرب الأهلية والخراب والفقر والدم والصراعات الإثنية والطائفية؟
يقول الدكتور ماهر المملوك: (مما لا شك فيه أن مبدأ تصدير ثقافة الديمقراطية في العقدين الأخيرين، ومبدأ تطبيق ممارسته على أرض الواقع في الدول التي حصلت فيها الحروب الأهلية، برعاية دولية من القوى العظمى، تحت ذريعة الخلاص من الدكتاتوريات المسيطرة على مقاليد الحكم فيها لعقود طويلة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، لم يؤت ثماره بالشكل المطلوب على المدى المنظور).
هذا يعني أن سد الذريعة الأولى، أمام أي وصاية خارجية على أي نوع من أنواع الحراك الشعبي التي تشهده الدول، ويمكن الاتفاق هنا مع إشارة بريجنسكي التي جاءت عشية القرن الجديد حول (الصحوة العالمية) والحركات الشعبية، لكن بمساعدتها من خلال النأي عن التدخل بشؤونها لتصل إلى نموذج ديمقراطي بعرق جبينها، لأن ما حصل في (الربيع العربي) لم يكن ليصل إلى ما وصل إليها لولا التدخل الخارجي.
وعلى هذه الأرضية يمكن أن نفهم الفقرة التي اقتطعها الدكتور المملوك من التقرير السنوي لمعهد (رأي) للدراسات الاجتماعية والسياسية، عن (حالة الديمقراطية العالمية)، فالديمقراطية كشكل حكم وممارسة سياسية لم تسوق، ليس لأنها عاجزة عن تقديم حلول بل لأن تسويقها كان ذريعة لأهداف أخرى تتكئ عليها الدول النافذة والقوية في النظام الدولي الجديد.