
صورة الاجتماع المثير للجدل في 25 حزيران \يوليو 1990 بين “ابريل غلاسبي وصدام حسين” ويظهر بينهما مترجم صدام الشخصي “سعدون الزبيدي”.
(خاص)
التجدد الاخباري – مكتب بيروت
قبيل الذكرى السنوية (الثلاثون) للغزو العراقي، الكويت، والذي يصادف الثاني من أغسطس/ آب. مايزال السؤال مفتوحا دون اجابة حتمية،حول هل لعبت “واشنطن”، دورا ما ، في هذا الغزو ؟ وما الذي كشفت عنه وثائق “ويكيليكس” بهذا الخصوص؟
صحيفة (دي فيلت) الألمانية ، نشرت تقريرا، سلطت فيه الضوء مجددا على دور الولايات المتحدة ، الغامض في حرب الخليج الأولى ، لتعيد طرح السؤال ، الذي لطالما تردد عن دور أمريكا في تلك الحرب، وعما إذا كانت السفيرة الأمريكية في العراق -وقتذاك- “أبريل غلاسبي” قد أعطت “الضوء الأخضر” فعلا للرئيس العراقي الأسبق (صدام حسين) لغزو الكويت ، أثناء لقائها به ، قبيل اجتياح الجيش العراقي للكويت بأيام معدودة، أم أن كلام السفيرة قد فهم من قبل القيادة العراقية بشكل مختلف عما قصدته “غلاسبي”؟
اجتماع مثير للجدل
مجلة الـ”فورين بوليسي” الأمريكية ، تناولت المقابلة المشهورة بين الرئيس العراقي صدام حسين والسفيرة الأمريكية أبريل غالاسبي، مشيرة إلى أن السفيرة ، أوضحت للرئيس العراقي بأنها لا تملك رأيا في خلاف العراق الحدودي الكويت، وهو ما جعل البعض ينحون باللائمة على كلام السفيرة الأمريكية في حدوث هذا الغزو.بيد أن المجلة الأمريكية ، قالت إن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أرسلت أيضا تأكيدات في وقت سابق لصدام، أن واشنطن ليس لديها التزامات دفاعية أو أمنية خاصة تجاه دولة الكويت.وهو ما ينفي اقتصار الأمر على اللقاء بين السفيرة الأمريكية والرئيس العراقي في ذلك الوقت.
بعد اجتاح الجيش العراقي دولة الكويت، والحشد الدولي المضاد بقيادة واشنطن لتحرير الدول الخليجية الصغيرة، مثلت “غلاسبي” أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في واشنطن في آذار \مارس 1991. مجلس الشيوخ حينها ، كان يريد فحص عما إذا كانت غلاسبي قد تسببت بنقل إشارة خاطئة للحكومة العراقية، الأمر الذي شجعها على غزو جارتها الكويت.

السفيرة “غلاسبي”
غلاسبي ، أصرت وفقا لبروتكول الجلسة ، الذي تناقلته وسائل الإعلام وقتها ، أنها حذرت الرئيس العراقي مرارا وتكرارا من مغبة هجومه على الكويت، ولكن بلهجة دبلوماسية، وهو ما وضحه أيضا “جيمس أكينز”، سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى المملكة العربية السعودية، الذي علق على هذا الامر، أنه في اللغة الدبلوماسية لا يتسنى لك توجيه التحذير، كما يعتقد البعض، بشكل مباشر، كأن تقول: “سيدس الرئيس إن فكرت حقا في دخول الكويت، فسوف نواجهك بقمة الغضب، وسيدمر بلدك، وستهدم قصورك”. وتابع “فلا أنا ولا أي دبلوماسي آخر كان سيقول هذه الكلمات”، بحسب ما نقلت صحيفة دي فيلت.
اختلاف في الترجمة؟
في منتصف أيلول \سبتمبر 1990، وأثناء تحضير الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) للائتلاف الدولي من اجل تحرير الكويت، مررت دوائر حكومية عراقية ، بروتوكول المحادثة بين صدام والسفيرة الأمريكية إلى مراسل شبكة ABC-News ، كما نشرت صحيفة الـ”نيويورك تايمز” في 23 أيلول \سبتمبر 1990 ما قالت “إنه نص المحادثة”، مشيرة إلى المصدر المشكوك فيه، لكن وزارة الخارجية الأمريكية ، رفضت التعليق عليه.
وطبقا للنسخة العربية الأصلية ، والتي تم تمريرها ، ونشرتها الصحيفة الامريكية، فإن السفيرة الأمريكية غلاسبي قالت لصدام حسين: “لا نملك أي رأي حول الصراعات العربية/ العربية، مثل خلافاتك الحدودية مع الكويت”. وتتابع السفيرة “كنت في السفارة الأمريكية في الكويت في أواخر الستينيات، كانت التعليمات خلال هذه الفترة هي أنه ينبغي لنا ألا نعرب عن رأي بشأن هذه المسألة”.
وفي النسخة الإنجليزية من البروتوكول ، التي نشرته مؤسسة “مارجريت تاتشر” في وقت لاحق، قالت أيضًا: ليس لدينا أي رأي حول الصراعات العربية/ العربية مثل نزاعك مع الكويت”، “وجهني الوزير بيكر إلى التأكيد على التعليمات التي أعطيت لأول مرة للعراق في الستينيات من القرن الماضي بأن قضية الكويت ليست مرتبطة بأمريكا”.
في النسخة العراقية ، فإن غلاسبي قالت: “نرى أنكم نشرتم قوات ضخمة في الجنوب، عادة هذا أمر لا يخصنا، ولكن بربطه بتهديداتكم السابقة التي ذكرتموها أثناء الأعياد الوطنية، فمن المنطقي أن نشعر بالقلق، لهذا السبب تلقيت تعليمات بأن أسألك عن نواياك بروح الصداقة – وليس بروح المواجهة “.
أما النسخة الإنجليزية ، فإن غلاسبي تقول : “نرى أنكم تركزون عددًا كبيرًا من القوات في الجنوب. هذا ليس من شأننا عادة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتهديدات ضد الكويت، فمن المنطقي أن نشعر بالقلق. لهذا السبب، تلقيت تعليمات بأن أسألك عن نواياك بروح من الصداقة، وليس المواجهة: لماذا قواتك قريبة جدًا من حدود الكويت؟
أي أن النسخة العربية ، أغفلت سؤال الولايات المتحدة الدقيق ، حول سبب حشد القوات العراقية قرب الحدود الكويتية، بحسب الصحيفة الألمانية دي فيلت.
ويكيليكس تكشف مضمون رسالة سرية
مجلة الـ”فورين بوليسي”، كانت قد تناولت هذه الاختلافات أيضا في الصياغة، وذكرت أن صدام ، قاطع السفيرة الأمريكية ، مرارا، وأخبرها بقائمة من المظالم لتوصلها للرئيس الأمريكي، كما أنه اتهم الولايات المتحدة ، بأن لها نوايا خبيثة ضد بلده، وهو ما يوضح ـفي رأي المجلةـ أن الرئيس العراقي كان لديه الوقت الكافي من أجل فهم النوايا الأمريكية، وليس صحيحا أن جملة واحدة فقط ، هي السبب في عدم فهم صدام لكلام السفيرة ، أو تفسيره بشكل خاطئ، تستخلص المجلة.
من جهتها ، تذكر مجلة “شبيغل” الألمانية كيف أن السفيرة المخضرمة غالاسبي، والتي تجيد العربية، أرسلت بشكل سري ، رسالة مفصلة للإدارة الأمريكية، بعنوان” صداقة صدام للرئيس بوش”، حيث تناولت الرسالة الطويلة ، تفاصيل ما دار في هذا الاجتماع، وكيف كان رد صدام عليها، وبينت في الرسالة التي كشف عنها لاحقا ، كيف أن صدام ومن معه ، تناولوا بشكل مؤثر الوضع الاقتصادي الدقيق الذي يمر به العراق بعد ثمانية أعوام من الحرب الدامية مع إيران. وتقول غالاسبي إن المترجم الموجود ومن معه ، بكوا أثناء عرض الوضع الاقتصادي أمامها من شدة التأثر، بحسب ما نشرته (شبيغل).
في كانون الثاني/ يناير 2011 ، نشرت منصة “ويكيليكس” ، المثيرة للجدل ، النص الأصلي لرسالة السفيرة الأمريكية السرية ، التي أرسلتها إلى واشنطن، حيث بينت الرسالة التي تحتوي على 32 فقرة ، كيف أن غلاسبي لم تعط الضوء الأخضر للغزو العراقي للكويت، بحسب ما أوردت صحيفة دي فيلت. وتابعت الصحيفة ، أنه وبعد ظهور هذه الوثيقة إلى العلن ، علق الخبير في شؤون الشرق الأوسط ، خوان كول “أن هذه الوثائق تظهر بشكل لا لبس فيه أن منتقدي غلاسبي مدينون لها بالاعتذار”.
على الجانب الآخر من هذه الرواية ، ثمة رواية (أخرى) مشككة، ينفرد موقع “التجدد الاخباري” بالكشف عنها-وللمصادفة- فان بطل هذه الرواية،ليس سوى، المرشح الجمهوري والأفور حظا -حتى الآن- للفوز بالانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة، السيناتور “جو بادين”.
الرواية كاملة، جاءت في دراسة اكاديمية ، تحت عنوان : “إبريل غلاسبي السفيرة الامريكية في بغداد ودورها في الاحتلال العراقي للكويت عام 1990″.وهي دراسة للدكتورة ” نور محمد الحبشي” – مدرّسة التاريخ في جامعة الكويت، تضمنتها الحولية 39 من حوليات (الآداب والعلوم الاجتماعية)، الصادرة عن الجامعة ذاتها في آذار \مارس عام2019.
تتألف الدراسة من ثلاثة مباحث: موقف الولايات المتحدة من الحرب العراقية- الايرانية، العلاقات الامريكية- العراقية قبل غزو الكويت عام 1990، ابريل غلاسبي ودورها في الغزو العراقي للكويت.
فقد وقفت الولايات المتحدة الى جانب العراق في حربه مع ايران، باعتباره «أهون الشرّين» – وفق تعبير الخارجية الامريكية- فزودت العراق بالسلاح والمعلومات والتكنولوجيا، وسهلت الادارة الامريكية ، حصول العراق على مختلف أنواع الاسلحة وأكثرها خطورة ، وحافظت على عدم ادانة بغداد عبر الأمم المتحدة، وعارضت الكونغرس عندما اراد فرض عقوبات على العراق من منطلق ، ان العراق “حليف استراتيجي”.
إبريل غلاسبي ، آخر سفير امريكي في بغداد … علاقات قلقة
كانت العلاقات جيدة بين واشنطن وبغداد ، حتى 15 شباط \فبراير 1990 حين وجهت انتقادات امريكية حادة لانتهاكات العراق، حقوق الانسان، فراح صدام حسين ، يطالب بخروج القوات الامريكية من المنطقة، ويدعو الى سحب الاستثمارات العربية من البنوك والشركات الامريكية، وهاجم صدام الكويت والامارات ، معتبرا سياستهما النفطية ، جزءا من مؤامرة صهيونية امبريالية ضد العرب. ولجأت واشنطن الى سياسة الاحتواء بالعقوبات الاقتصادية، ففرضت عقوبات اقتصادية صارمة على بغداد، منها حظر استيراد النفط العراقي، تعليق جميع العلاقات التجارية بين البلدين.
في “المبحث الثالث”، تشير الباحثة الى ان موقف السفيرة الامريكية في بغداد ، ابريل غلاسبي من الغزو العراقي للكويت ، يعد «محل شك وترقب وتنظير». وتسأل هنا ، هل اعطت غلاسبي ، الضوء الأخضر لصدام حسين للقيام بغزو الكويت؟ وفق دراسة د. الحبشي ، فان الادعاء بأن السفيرة غلاسبي قد اوقعت صدام حسين ، ضحية لها، سببه العجز عن تفسير ما حدث في 2 آب\أغسطس 1990. وتشير الى ان الحديث الذي دار بين غلاسبي وصدام يوم 25 حزيران \يوليو 1990 ، لا توجد فيه كلمة واحدة ، تشجع صدام على الغزو ، او الاحتلال، بل كانت ردودها دبلوماسية والتعليقات التي ابدتها داخل حدود ونطاق الحديث لم تتجاوزها.
وتضيف الدكتورة الحبشي «وهناك دلالات على ان السفيرة الامريكية لم تعط اشارات او تلميحات لصدام حسين بغزو الكويت»، وتشير الى ان صدام هو الذي استدعى غلاسبي ، وانه كان المتحدث ، وكانت هي المستمعة، كما ان اللقاء كان عابرا وسريعا بالنسبة لغلاسبي، اذ كان الطرف الآخر قد اعد افكاره»، وهناك أيضا دليل على ان غلاسبي لم تكن مستعدة لهذا النوع من اللقاءات، وهي الصورة التي نشرتها لها الصحف العراقية، اذ ان جلاسبي لم يسعفها الوقت حتى الى تعديل تسريحة شعرها ، او اصلاح زينتها. فإذا لم يكن لها ذلك ، فكيف لها ان ترتب كلمات تشجيع تحثه من خلالها على غزو الكويت، لقد نقلت في سيارة معتمة، ولم تكن تعرف من سيكون اللقاء معه».

الدكتورة الحبشي
وتتساءل الباحثة: هل يعقل ان صدام انتظر تشجيعا من غلاسبي او حتى مشاركتها الحوار والمناقشة بقرار كهذا القرار!، وتمضي الباحثة قائلة : ان «ما يؤكد ان غلاسبي لم تشجع صدام حسين على غزو الكويت ، هو ان صدام حسين لم يتطرق لموضوع غزو الكويت ولا على وجود نية عراقية للغزو، فكيف تحثه على شيء لم يتكلم هو فيه اصلا؟ وتضيف: صحيح ان صدام تكلم عن اشياء متعددة، لكنه لم يذكر ابدا نيته بغزو الكويت واحتلالها، وعمد الى الغياب لدقائق عن الاجتماع بحجة الرد على مكالمة الرئيس المصري حسني مبارك، ومن ثم اعلانه بعد عودته الى اللقاء انه اعطى وعدا للرئيس مبارك بأنه لن يهاجم الكويت، لقد كان هدفه ان تصل الرسالة الى غلاسبي كاملة، وهي تلك التي تؤكد ان لا نية لديه للغزو».
شهادة بعد التحرير
تقول د. الحبشي «لقد اراد صدام ان يحتفظ بقوة المفاجأة التي تجعل من فعلته وقعا مثيرا على متلقيها كالزلزال»،وتخلص الى ان «غلاسبي خدعت كالبقية».وتذكر الباحثة ان ابريل غلاسبي ، طلبت مقابلة وزير الخارجية الامريكي ، جيمس بيكر في آب\4 اغسطس 1990، ولم يستقبلها ابدا، بل نصح الرئيس بوش ، بأن يحذو حذوه. «كان وزير الخارجية الامريكي رجلا يكره الفشل، والذين يجرونه الى منحدره، وقد صنف ابريل غلاسبي من هذه الفئة».
وتتطرق د. الحبشي الى شهادة غلاسبي امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بعد حرب تحرير الكويت، حيث اخرجت تلك الجلسة غلاسبي عن صمتها ، المفروض عليها من وزارة الخارجية، او بتعبير آخر «الخارجية التي كممتها الى ان انتهت ازمة الخليج»، ووجهت اليها انتقادات حادة على اساس انها لم تسلم تحذيرا شديد اللهجة لصدام، وعندما اصرت على انها حذرت صدام حسين من استخدام القوة طالبها السيناتور “جو بايدن”، بأن تقدم الى اللجنة ، نسخة من البرقية المرسلة الى واشنطن بعد اللقاء مع صدام حسين، فأجابت «هذا من شأنه ان ينتهك تقاليد الدبلوماسية السرية» – وتلك اجابة ضعيفة-