
الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” يتحدث عبر الهاتف ( سان بيترسبرغ ، روسيا – 15 كانون أول \ ديسمبر ، 2018)
بدأت القصة ، باقتراح تعديل الدستور الروسي ، ثم جاءت استقالة حكومة ميدفيديف ، لتثار الاسئلة حول حقيقة مايجري في روسيا ، هل هي (اعادة تشكيل النظام العام) ، أم فتح الطريق لاستمرار “بوتين” في الرئاسة لولاية أخرى ، أو أكثر !!!
في مؤتمره الصحفي السنوي الأخير ، أكد بوتين أنه ضد تعديل الفقرة المتعلقة بالرئاسة في الدستور ، مايعني أنه لايسعى لتغيير مايحدد البقاء في كرسي الرئاسة ، لأكثر من ولايتين، ثم ألم يقل بوتين لـ”مراسل صحفي”: انه سيجري انتخاب رئيس جديد لروسيا …و توجه بوتين الى الصحفي نفسه بالقول : “يمكن أن تكون أنت هذا الرئيس” . وهذا ما أوضح بشكل جلي ، أن بوتين لايريد تعديل الدستور ، للبقاء في الرئاسة.
متابعون لفلسفة بوتين في الحكم ، يذكرون أنه ، ومنذ تسلمه مقاليد روسيا ، ليلة رأس السنة في العام 2000 ، وهو يعمل لاستعادة (الكرامة القومية ) لروسيا ، التي هدرت على يد رئيس أحمق كـ”غورباتشوف” ، الدي بدلا من قيامه بمعالجة مواطن الخلل في الاتحاد السوفيتي ، قام بكشفها باستعراضية ، جعلت العفن يستشري تحت الاضواء ، ويتسبب بالانهيار تحت أضواء الديمقراطية الاستعراضية لغورباتشوف ، وهذا ماجعل بوتين ، يصفه بـ”الاحمق” ، الذي تسبب بكارثة انهيار البلاد ، والذي هدد كرامة روسيا بجعلها دولة ضعيفة ، وتابعة.
منذ تسلمه الحكم ، عمد بوتين لاستعادة (الكرامة القومية ) عبر بناء (الدولة القوية)، لانه رأى أن ترسيخ القوة في مفاصل الدولة ، يعيد لها هيبتها ، ويستعيد دورها ، وبالتالي يحيي كرامتها القومية ، والفعل استطاع بوتين عبر عشرين عاما (فحسب) ، بناء القوة الكافية ، لجعل روسيا دولة عظمى من جديد.
اليوم ، وهو على طريق ترك كرسي الرئاسة في العام 2024 ، يحضر كل الظروف والمقومات ، التي تحفظ استمرارية بناء القوة الروسية، والتي تصون تطور روسيا في انتاج وتملك كل أشكال القوة ، بحيث تتقدم الى مستويات أعلى من مشاركة الفرد والشعب في الثروة ، والعلم ، والحياة السياسية ، بشكل يخلق ديمقراطية روسية ، راسخة ومبنية على أساس الدولة القوية.
انها الـ”بوتينية”، القائمة على بناء قوة الدولة ، كعامل جامع للشعب ، وكروح تبعث (الكرامة القومية) عند الافراد ، فتشكل الاساس المتين لديمقراطية ، تنشر المساواة ، العدل ، والمشاركة.
انها الـ”بوتينية”، التي تشكل نموذجا للانتقال الى الديمقراطية ، عبر بناء وترسيخ كل مايضمن استمرارها ، كنظام عدالة اجتماعية ، يفعل عوامل انتاج القوة باستمرار.
وبناء على هذه الفلسفة . ينظر لمايجري في روسيا . وبناء على هذه الـ”بوتينية”. تقرأ المقترحات الدستورية ، التي يجري البحث فيها للمرحلة القادمة من تاريخ الاتحاد الروسي.
من يدقق في فترة العشرين سنة الماضية من تاريخ روسيا ، يجد ان الـ”بوتينية” ، هي الفلسفة السياسية ، التي بنت قوة روسيا ، وأعادت اليها دورها العالمي ، وكرامتها القومية -كما قلنا-
فان الـ”بوتينية” ، تقوم على مراكمة القوة ، واعتماد الكفاءات المجربة في مفاصل الدولة ، وكان عنصر التفاعل ، هو المحرك لكل ذلك، والذي شكل الروح لهذا النظام (الرئيس بوتين) ، لا كشخص فقط ، بل كادارة ، ومتابعة ، وتنسيق ، ورؤية ، أي كنظام ، وفلسفة حكم.
وان كانت المقترحات الدستورية ، تهدف للحفاظ على تطور انتاج قوة الدولة ، وصيانة فعاليتها ، ودورها ، وحفظ كرامتها القومية ، وتقدمها في المسار الديمقراطي الخاص بها.ان كان هدف المقترحات الدستورية ،كل ذلك، لابد لها ، ان تحفظ تطور الـ”بوتينية” ، وقبل ذلك ، فانه من الضروري لنجاحها ، التمسك بـ”عنصر التفاعل المحرك” ، الذي يشكل (الروح لهذا النظام)، وهو بوتين ، فكيف يمكن الحفاظ عليه ، وولايته تنتهي في العام 2024 ؟!.
وهل تجيب المقترحات الدستورية عن هذا السؤال ؟!!.
في آخر اجتماع لميدفيديف ووزارته بحضور الرئيس ، ربط ميدفيديف بين رحيله من رئاسة الوزراء، وبين الاصلاح الدستوري المقترح ، وقال ان ذلك (سيغير جوهريا ليس فقط العديد من مواد الدستور ، ولكن أيضا ميزان القوى التنفيذي ، التشريعي ، والقضائي) ، وهذا (التغيير الجوهري) ، ينجزه بوتين ببطء (معه أربع سنوات) بشكل لا يسبب أي ردود فعل ، وهو التغيير ، الذي يضمن بقاء بوتين ، روحا محركة ، وعنصرا للتفاعل في الدولة ، حتى ولو لم يكن في موقع الرئاسة.
وقد ألمح بوتين ، الى القليل من التفاصيل ، حول امكانية حدوث خطوة دستورية ، تعطي لـ(مجلس الدولة) ، وهو حاليا هيئة استشارية ، تتألف من حكام المناطق (دور و مركز) ، مثبتان في الدستور ، واذا كان بوتين على رأسه ، ضمنت روسيا ، العنصر الفعال ، والروح المحركة لتطور قوة الدولة ، والارتقاء بدروها العالمي ، وتحقيق كل مستلزمات العدالة الاجتماعية ، والمشاركة السياسية ، وصولا للديمقراطية الروسية على اسس قوية.
ان مايجري في روسيا من اصلاح دستوري ، ماهو الا اعادة تشكيل النظام ، استعدادا لمرحلة أكثر تطورا في مسار للانتقال الديمقراطي، واستعادة الدور ، والكرامة القومية ، وبالفعل تشكل الـ”بوتينية” ، تجربة سياسية ، بناء على فلسفة مستمدة من ظروف البلد الخاصة ، بعيدا عن الاستعراض ، أو الخضوع للاجندات ، مسبقة الصنع .
ألم يقولوا : ” ان السياسة الناجحة ، تستمد فلسفتها من ضرورات بلدها ؟ “.