aren

لماذا يجري تغييب السؤال الحضاري في أفغانستان؟ \\ كتابة : جهاد الزين
السبت - 4 - سبتمبر - 2021

تتصارع في شبه القارة الهندية ثلاثة إسلامات كلها “صناعة” بريطانية أو  أميركية بمعنى أنها انطلقت بتشجيع بريطاني أو  أميركي. أعني بالصناعة الصناعة السياسية.

1- دولة باكستان كمؤسسة سمح الاحتلال البريطاني للهند بقيامها ولو كان مستندا إلى غليان هندي داخلي هندوسي مسلم..

2- “الإسلام الإخواني” الأفغاني الذي قاتل الاتحاد السوفياتي ورعته وشجّعته الولايات المتحدة الأميركية وأدخل تصريحُ الرئيس رونالد ريغان خلال استقباله في البيت الأبيض عام 1983 قادةَ المقاتلين الإسلاميين الأفغان بأثوابهم وعمائمهم كلمة “المجاهدين” إلى قواميس اللغة الإنكليزية.

3- حركة “طالبان” التي أسّستها المخابرات العسكرية الباكستانية وأبقت على رعايتها لها حتى في عهود حكومات ليبرالية كحكومات بنازير بوتو و آصف زرداري. مع العلم أن بنازير بوتو اغتالتها منظمة تكفيرية باكستانية متطرفة. كانت السيدة بوتو تسمّي التكفيريين “البطاطا الساخنة” ، وهو تعبير يُطلق بالإنكليزية على الأشخاص حاملي الأفكار التي يصعب التعامل معها ومعهم. وذهبت بوتو بالنتيجة ضحيّتهم أي ضحية رؤيتها الليبرالية للسياسة الباكستانية.

أين هو الإسلام السياسي الأصولي غير الغربي أو الذي لا جذور معاصرة غربية له؟

غير موجود. حتى الإسلام الإيراني الأصولي الشيعي نما وترعرع في جزء أساسي منه، بين الجاليات الإيرانية في ألمانيا وغرب أوروبا.

كتب باحث أميركي بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان أن أحد أهم مظاهر تراجع تنظيم “القاعدة” هو كونه اسْتُوْعِب من الوطنية الأفغانية. الإسلام الشيعي هو بشكل تلقائي إسلام الدولة القومية الإيرانية التي نجحت على يد رجال الدين الخمينيين في تحويل معظم الجماعات الشيعية في العالم العربي إلى قوة ضاربة منظّمة لصالح أهداف الدولة الوطنية الإيرانية وأبرز بل أفعل مثال صارخ عليها هو “حزب الله” اللبناني.

خلافا للتوقعات هناك اعتقاد يستحق التوقف عنده هو أن سيطرة “طالبان” مرةً ثانية على أفغانستان ورغم ما سيعانيه هذا البلد من ظلامية وقمع في السنوات القليلة الآتية سيساهم في إطلاق موجة بادئة أصلاً هي أفول الإسلام الأصولي وليس العكس. مصر، السودان، تونس، الجزائر، سوريا، المملكة العربية السعودية، البحرين، كلها بلدان ضربت وتضرب الأصولية الإسلامية بأشكال مختلفة حتى لو كانت على أيدي المؤسسات العسكرية الرسمية في بعضها.

لننتظر كيف ستؤول العلاقات بين النظامين الدينيّين في إيران وأفغانستان وكيف ستتصرف المخابرات العسكرية الباكستانية حيال أي توتّر أفغاني سني وإيراني شيعي وهل سترغب أو ستتمكّن من ضبط نزوعات “طالبان” الضد إيرانية خصوصا أن الوطنية الأفغانية (وعصبها الباشتوني) تحمل في مخيّلها التاريخي، كذلك الوطنية الإيرانية، الكثير من السرديات العدائية المتبادلة مع أن المدى الأفغاني متأثّر بقوة بالإرث الثقافي الفارسي.

لعبة جيوسياسية جديدة في تلك المنطقة ليس بالضرورة أن تستمر فيها موازين القوى الحالية ذاتها؟ فتفجير كابول قد يطرح أسئلة عن مدى قدرة “طالبان” على ضبط الوضع الأفغاني والوفاء بتعهدها الدولي بمنع تحويل أفغانستان إلى قاعدة للإرهاب ضد الغرب الأوروبي والأميركي؟

لكن من سيضمن، إذا كانت “طالبان” راغبة، في منع العمليات التفجيرية ضد الصين وإيران وحتى ضد باكستان نفسها؟ “طالبان” استنكرت التفجير في بيان يحمل نفَس الاعتراض عليه باعتباره أذى مواطنين أفغانا. ولكن من يمكن أن ينسى التاريخ الطويل وغير البعيد للعمليات الانتحارية الطالبانية!!

أمْن الغرب شيء وأمْن الإقليم المحيط بأفغانستان شيء آخر؟

في هذا الوقت يستمر اللعب بصورة الإسلام بعدما قتل النصفُ الثاني من القرن العشرين صورةَ إسلام طبيعي ليبرالي لا مشكلة له مع الحداثة ولا مع “حقائق العصر” لصالح إسلام عنيف مؤدلج ومعسكر الأهواء وإرهابي. وسيموت الإسلام الديموقراطي الرائد في تركيا  التي كانت تحمل وحدها إمكان هذا الإسلام العقلاني في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين وها هي أفغانستان المسرح المتجدد لإساءة بعض المسلمين لصورة الإسلام ولهروب جَماعي للكثير من مسلميها من بلدان لم تعد صالحة للسكن. لكنها بلدان كانت مستعمَرَة ولم يعد ممكنا في مرحلة ما بعد الاستعمار أن يقبل أحدٌ باستعمارها وتحمُّلِ مسؤوليتها من داخلها. كأنما تُرك المتخلِّفون حضاريا ليمعنوا في تخلّفهم وفي مقدمه التنكيل بالنخب الشبابية والنسائية الحاملة لمشاعل التحديث المُطْفَأَة بعد قرن ونصف القرن من المجهودات شبه الضائعة.

الآن تتركز الأنظار على ما يظهر أنه “الجيل الجديد” من “طالبان” حسب توصيف الباحثة فاطمة أمان المختصة في مركز الشرق الأوسط في واشنطن في الشؤون الأفغانية والإيرانية في حوار مايكل يونغ معها في العدد الأخير من نشرة كارنيغي. وهو توصيف يمكن أن يكون مُقْنِعاً إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود فارق عشرين عاما عن تجربة “طالبان” الأولى واحتمال أن تكون باكستان ساهمت في تهيئة هذا “الجيل الجديد” من خلال ما ظهر أيضا من التجربة التفاوضية الطويلة ل”طالبان” مع الأميركيين ونوع البراغماتية المحتمَلَة التي تنضح من تعهدات قيادة “طالبان” سواء حيال واشنطن أو بعض دول الجوار.

لكن السؤال الجوهري ما هو مستقبل دول الإسلام السياسي الأصولي في عالم اليوم؟

السؤال ليس سياسياً فقط وإلا غرقنا في خطر معايير نجاح وفشل خادعة. السؤال حضاري. نعم السؤال حضاري. وعلينا أمام تفاقم ظاهرة “فشل الدول” التي تطبع تجربة العديد من دول العالم المسلم (و العديد غيرها) أن نعيد تقييم معنَيَيْ الهزيمة والانتصار بعد سيطرة حركات الإسلام السياسي الأصولية على واجهة الصراع مع الغرب في العالم المسلم. وأقول الواجهة تحفظاً على كون اللعبة السياسية والجيوسياسية شديدة التعقيد؟؟ فكيف بالمقاربات الفكرية؟

ما نحتاجه هو استعادة الألق الثقافي لإسلام ليبرالي بدا مشعّا وقابلاً للتطبيق السياسي كما جسّده وقاده مصلحو النصف الأول من القرن العشرين وانتقال الفكر السياسي الإصلاحي إلى بيئات النخب الدياسبورية.

ما تختصره أحيانا ردود فعلنا “الانتصارية” هو نوع من الشعور بالرضى السياسي كأننا نتعايش مع تخلّفنا. يجب أن نكف عن هذا ال……

“النهار”اللبنانية