
تُظهر هذه الصورة التي تم نشرها في 4 آذار \مارس 2020 الرئيس الأمريكي دونالد ترمب (يسار) يتحدث إلى وسائل الإعلام قبل مغادرته البيت الأبيض في واشنطن (العاصمة) ، في 3 آذار\مارس 2020 ، كماويظهر المرشح الديمقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق “جو بايدن” في حفل مراقبة نيفادا Caucus في 22 شبا\فبراير 2020 ، في لاس فيجاس ، نيفادا ، خلال المؤتمرات الحزبية لولاية “نيفادا”.
إذا ما تم انتخاب جو بايدن رئيساً، ستكون الصين التحدي الأكبر الذي يواجهه في السياسة الخارجية، ولكنها ليست الصين التي تعامل معها في عهد باراك أوباما. بل ستكون صيناً أكثر عدوانية بكثير، صيناً تتطلع إلى أن تحل محل الولايات المتحدة في الهيمنة التكنولوجية على العالم، وخنق الديموقراطية في هونغ كونغ، وسرقة بياناتك الشخصية عبر الإنترنت.
إن التصدي لهذه الصين، دون تفجير نظام التجارة العالمي، سيتطلب إصلاح أحد أكبر أخطاء دونالد ترامب، المتمثل في فشله في بناء شراكة مع ألمانيا، لمواجهة بكين. علينا أن نقرأ ذلك بشكل صحيح. لقد خضنا الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي وانتصرنا فيها ببرلين. والحرب الباردة التي تلوح في الأفق مع الصين، على التجارة والتكنولوجيا والنفوذ العالمي، ستدور رحاها وتُحسَم في برلين. وأينما تذهب برلين، تذهب ألمانيا، وأينما تذهب ألمانيا، يذهب الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر أكبر سوق منفرد في العالم. وأي دولة – الولايات المتحدة أو الصين – قادرة على كسب الاتحاد الأوروبي إلى جانبها في تحديد من الذي ستسود معاييره التكنولوجية وقواعده التجارية والتكنولوجية، هي التي ستضع قواعد التجارة الرقمية العالمية في القرن الحادي والعشرين.
يقول مايكل ماندلباوم، مؤلف كتاب «صعود السلام على الأرض وأفوله» إن «السبب في أن الولايات المتحدة كانت على الجانب المنتصر في الصراعات الثلاثة الكبرى في القرن العشرين – الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والحرب الباردة – هو أننا كنا جزءاً من أقوى تحالف. وينبغي أن يكون هذا هو النموذج في تعاملنا مع الصين». أما إذا جعلنا هذه المسألة محصورة بين قصة أميركا والصين وحدهما، بهدف جعل أميركا، وأميركا فقط، عظيمة مرة أخرى، فإننا سنخسر المعركة. إذا جعلنا هذه قصة العالم في مواجهة الصين حول القواعد الصحيحة العادلة للتجارة في القرن الحادي والعشرين، يمكننا أن نحمل بكين على التصرف على طريقتنا.
اضطر ترامب إلى فرض ضرائب بمليارات الدولارات على الواردات الأميركية من الصين، وأجبر المزارعين الأميركيين على التعايش مع انتقام الصين من خلال تقييد شراء المنتجات الزراعية الأميركية فقط لإجبار الصين على التعهد بشراء المزيد من السلع الأميركية. لكنه لم يضمن حتى اللحظة انفتاحا مستداما للاقتصاد الصيني من أجل تبادل تجاري متكافئ حقا. أوردت هذه الصحيفة- الـ(نيويورك تايمز)- الثلاثاء، أنه «منذ توقيع الصفقة، اتخذت الصين خطوات لفتح أسواقها أمام البنوك والمزارعين الأميركيين، لكن مشترياتها من المنتجات الأميركية أقل بكثير- نحو %50 – ووعدت بمشتريات إضافية تزيد على 200 مليار دولار مع نهاية العام المقبل».
لقد كان ترامب أكثر تشددا مع الصين من أي رئيس أميركي آخر، وأعتقد أنه محق في ذلك. وكما قال لي صديق يتعامل تجارياً مع الصين «ترامب ليس الرئيس الأميركي الذي تستحقه أميركا، لكنه الرئيس الأميركي الذي تستحقه الصين». لكنني أفضّل عدم استخدام مصطلح «الصين». أفضّل «1.3 مليار شخص يتحدثون الصينية». لأن سلوك 1.3 مليار متحدث صيني، الذين ينمو اقتصادهم بشكل ديناميكي للغاية، لا يمكن تعديله بسهولة بواسطة 328 مليون أميركي يحاولون تنفيذ إستراتيجية ترامب «أميركا وحدها أولاً». لهذا السبب أعتقد أنه كان خطأ فادحاً أن يقوم ترامب في الوقت نفسه بتوجيه الضربات للصين وألمانيا بسبب رسوم الاتحاد الأوروبي على السيارات والإنفاق العسكري المتباطئ لبرلين. كان ينبغي على ترامب إعطاء الأولوية للشراكة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل – المعروفة أيضًا باسم مستشارة أوروبا – التي تشعرمثلنا بالقلق من تنمّر الصين.
تمتلك ألمانيا جيشا صغيرا، سيكون عديم الفائدة في حرب شرسة ضد روسيا، لكنها قوة تصنيعية عظمى، من شأنها أن تكون حليفا حاسما في حرب تجارية ضد الصين. مهمة العصر سألني دبلوماسي ألماني مخضرم «نشارككم الشكوى نفسها من الصين، ولكن لماذا لم يحاول ترامب أبدا معالجتها مع الحلفاء الأوروبيين؟». الآن يعاقب ترامب أيضا ألمانيا من خلال سحب بعض قواتنا. وأورد مركز Pew للدراسات في آيار\مايو الماضي أنه عام 2019 أعطى الألمان الأولوية لعلاقة بلادهم مع الولايات المتحدة على العلاقة مع الصين، بنسبة %50 إلى %24. اليوم، يعطي %37 من الألمان الأولوية لعلاقة بلادهم مع الولايات المتحدة و%36 يعطون الأولوية للعلاقات مع الصين. إذاً لنحسبها. عند توليه منصبه، مزّق ترامب اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي حددت قواعد التجارة الحرة في القرن الحادي والعشرين بما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة وكانت مدعومة من أكبر 12 اقتصاداً في المحيط الهادئ، باستثناء الصين. وها هو الآن يضعف العلاقات مع ألمانيا. وفي خضم كل هذا، ألقى وزير خارجية ترامب مايك بومبيو ، خطابا أعلن فيه أن «تأمين حرياتنا من الحزب الشيوعي الصيني هو مهمة العصر»، وبالتالي فقد حان الوقت أيضا «لتجمع جديد من الدول ذات التفكير المماثل، تحالف جديد من الدول الديموقراطية لردع الصين». وتابع بومبيو «إذا لم يتغير العالم الحر، فإن الصين الشيوعية ستغيرنا بالتأكيد».
تركني هذا الخطاب عاجزًا عن الكلام. من الصعب أن يكون لديك تحالف من دون حلفاء. صقور ترامب إذا كان التعامل مع الصين الشيوعية هو «مهمة العصر»، أليس من الأولى وقف المناكفات مع ألمانيا بشأن إنفاقها الدفاعي من أجل حشد الاتحاد الأوروبي بأكمله إلى جانبنا؟ صحيح أن دول الاتحاد الأوروبي تشعر بالقلق من الوقوع في مرمى النيران بين واشنطن وبكين، أو الاضطرار إلى الاختيار بين نظام بيئي تكنولوجي أميركي أو صيني.
وصف الاتحاد الأوروبي في العام الماضي، الصين بأنها «منافسة منهجية» الأمر الذي أثار استياء الصينيين الذين يحاولون حاليا تقسيم أوروبا الشرقية وشراءها من الأشقاء الغربيين. أكثر ما تخشاه الصين هو الشيء الوحيد الذي رفض ترامب بناءه، أي تحالف موحد يضم الشراكة عبر المحيط الهادئ والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي تم بناؤه حول واشنطن وبرلين. واعتبر الخبير الاقتصادي تايلر كوين في برنامج بلومبيرغ فيو قبل أيام أن صقور ترامب في ما يتعلق بالتعامل مع الصين «كانوا على حق في كل شيء، باستثناء كيفية التعامل مع الصين». لقد اعتمدت إستراتيجية الشطرنج الكبرى في السبعينات، التي بناها ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر على تحالف بين الصين وأميركا لاحتواء الاتحاد السوفيتي. أما استراتيجية الشطرنج الكبرى اليوم فهي بناء تحالف بين الولايات المتحدة وألمانيا لمواجهة ثقل الصين.
“القبس”الكويتية