
لوحة “التراجيديا” للفنان الايطالي “بابلو بيكاسو”
هل انتبهتم الى ان الاجتماعات بدأت في لبنان ، بـ(اليوم العالمي للفقراء) 17 تشرين الثاني ؟ ، وهل من قبيل المصادفة ، ان الاجتماعات الشعبية في لبنان ، كانت ضد الفقر ، والمتسببين فيه من الفاسدين الحاكمين ، أو من الفساد المستشري في الداوئر السياسية الطائفية؟
واذا الظاهر ، كان مجرد صدفة ، فان هذه الصدفة في الحقيقة ، ماهي الا النتيجة الطبيعية لتفاقم الفساد ، أي انها النتيجة الطبيعية ، والحتمية لمسار فاسد ، مايعني انها في الجوهر ، ليست الا القانون الذي يحتم وصول أمراء الحرب الفاشيين الى لحظة محاسبتهم من الشعب ، الذي أفقروه.
وهل انتبهنا الى أن البابا فرنسيس في كلمته بـ(اليوم العالمي للفقراء) ، استشهد بعبارة الاب (بريمو مازولاري \ Primo Mazzolari) ، التي تقول :” ان الفقير (برميل بارود) اذا اشعلته ، انفجر العالم” ؟!.
ان هذا الاستشهاد البابوي ، يحمل معاني مايحدث ، ويتضمن اشارات الحل ، ان دققنا فيه ، وفهمناه :
من معاني استشهاد البابا ، بديهية ، ان الفقير برميل بارود ، وعلى المتحكمين بفقره من الفاسدين، أن يعرفوا ، بان البارود ، قابل للانفجار ، كلما زاد الضغط على باروده.
كما ان الاستشهاد ، يشير الى أن برميل البارود ، يغري من يريد التفجير ، بأن يشعله ، وهكذا يتحول افقار الفاسدين للناس ، بمثابة انتحار جماعي للعالم.
وهذا مايفضح ان الجريمة الاول ، هي افقار الناس ، والمجرم الاول ، هو الفاسد السياسي ، والمجرم المكمل ، هو من لايسارع الى سحب الفتيل ، وتعطيل الانفجار بمعالجة الفقر ، أما الاعمق ، فهو استشهاد البابا بالاب بريمو مازولاري (1890-1959) – صديق الفقراء . كان اصلاحيا يدعو الى اعادة بناء المجتمع الايطالي بالكامل ، معنويا وثقافيا ، ودعا الى تجديد الكنيسة ، كي تستطيع الدفاع عن الفقراء ، وادانة الظلم الاجتماعي ، والحوار مع غير المؤمنين ، وتعزيز السلام أثناء الحرب الباردة .
لكل ذلك ، صار خصما للمتشددين الخاضعين للفاشية ، وحرم الوعظ والتبشير والكتابة ، ومنعت جريدته (آديسو) ، ولكن بعد سنوات من وفاته ، قال عنه البابا بولس السادس : “لقد سلك طريقا صعبة وكان من الصعب اللحاق به ، ونتيجة ذلك ، عانى وعانينا ، هذا مصير الانبياء”. وفي 20 حزيران 2017 ، حج البابا فرنسيس الى (بوزولو) في مقاطعة (ماتوا) ، حيث صلى على قبر الاب (مازولاري).
ترى ، كم تحمل الحراكات الشعبية من معاني ، تحتاج منا ، فهم سياقاتها ، كي تظل رافعة للنهوض ، وقوة للبلد ، وتخلصا من أمراء الفساد ، القادمين من الحرب الاهلية ؟ . لان محاربة الفساد ، واستعادة المال العام المنهوب ، والتخلص من النظام الطائفي ، يشكل طاقة متجددة للوطن، وقوة اضافية للمقاومة ، وشحنة كبيرة للاستقلال والسيادة ، وحصانة تجاه اي تدخل خارجي.
ترى ، هل قصر المعنيون بفهم حقيقة ، ان الحراك ، انطلق في اليوم العالمي للفقراء ، وان البابا حذر من برميل البارود ، كما حذر ممن يشعله؟ والأهم تكريس الاب المنتفض (مازولاري) ، نبيا ، لا يجوز منعه من المطالبة بالعدل ، وانصاف الفقراء ، ومحاسبة الظالمين الفاسدين.
ان للشعوب حكمة على الحاكمين فهمها ، والتسلح بقوتها ، لنشر العدل ، وتحقيق الارتقاء ، ومنع تدخل الخارج ، وتجنب الانفجار.
اسألوا الشارع اللبناني ، الذي ظل حريصا على المقاومة في اعلانه اسقاط نظام فساد امراء الحرب الاهلية ، انها حكمة : ” لا ترمي الصبي مع ماء حمامه” ، بل تسقط الفساد ، والماء الوسخ ، وتحافظ على (الابن) ، المتمثل بالمستقبل النظيف ، والعادل.