aren

كيف نواجه اجراءات “قيصر وشركائه” !! \\ بقلم : د. فؤاد شربجي
الإثنين - 8 - يونيو - 2020

يسود في الاعلام المعادي لسورية ، نغمة تتردد في كل الارجاء ، مفادها : ان (قانون قيصر سيجوع ويركع سورية) . الاعلام السوري ، رد منددا باجراءات قيصر ، كجريمة بحق القانون الدولي ، وأعلن ان السوريين بتضافر جهودهم ، وكما هزموا الارهاب ، فانهم بـ”اباء وكبرياء” ، سيهزمون قيصر.

و بينما اعتمد العدو ، مخاطبة السوريين والعمل بالمحسوس من حياتهم ، (سعر صرف الليرة ، وارتقاء الدولار ، واشتعال الاسعار الجنوني) ، رد الاعلام الوطني بالعزف على وتر المعجزات ، والانشاء الخطابي ، وهكذا يترك الرأي العام السوري في مهب الترويع الاعلامي للعدو الخبيث ، والمؤثر.

اختصارا ، اجراءات قيصر ، ستضر بالاقتصاد السوري ، وستعتدي على لقمة عيش المواطن ، ولكن قانون “قيصر\سيزر” ، لن يركع سورية ، ولن يهزمها. وبنفس الوقت ، فان العزف على أوتار الانشاء من (الاباء والكبرياء)، لن تشكل الضامن لابطال مفاعيل هذا القانون، واجراءاته العدوانية.

كل الامر، ان (قيصر ومايتضمنه من اجراءات)، ما هو الا عدوان اقتصادي همجي ، وما على الحكومة الا الاسراع والمبادرة الى وضع السياسات المناسبة ، والعملية لتجاوز تأثير اجراءات قيصر ،وطبعا، السياسات العملية ليس من جنس اناشيد المعجزات الانشائية ، وأغاني التصدي ، لان الانشاء ، ليس “بديلا” للسوق الواقعي.

بالتأكيد، أي اجراءات تعتمدها دول عظمى كأمريكا ، لابد ستؤثر ، وتسبب الضرر ، ولكن امريكا اليوم، ليس هي كل العالم ، وليس لها سيطرة على كل جهات الارض، وبذلك فان أمام الجكومة السورية، دول كثيرة بمكنها التعاون معها في اطار الاقتصاد، واستعادة دوران عجلة الانتاج ، خاصة وان مثل هذه الدول ، تعمل رغم العقوبات الامريكية ، مثل : (روسيا – ايران – الهند – البرازيل ….).

كما انه من المتاح التعاون السوري مع دول الـ”بريكس” . المهم ان يصار الى وضع خطط التعاون بشكل يفتح الباب لتجاوز مفاعيل قيصر ، سواء من حيث التعامل المالي بعيدا عن “الدولار” ، او من حيث الحصول على التقنيات والمواد اللازمة للانتاج ، كما الاتجاه نحو الاكتفاء الذاتي بتشجيع المشاريع الزراعية الصغيرة والمتوسطة ، كذلك بتشجيع المشاريع الصناعية والحرفية الصغيرة والمتوسطة ، ودعمها بشكل جدي وحقيقي ، وفتح الباب أمام ابتكار الوسائل ، والمعدات الممنوعة من الوصول الينا.

وهكذا ، تتكامل الخطط بين التعاون مع الدول الحليفة والصديقة والمتحررة من الهمينة الامريكية ، وبين دعم خطط الاكتفاء الذاتي الزراعي ، الصناعي ، التجاري ، والحرفي …الخ. وهذا التكامل سيساهم بشكل كبير ، بتجاوز مفاعيل اجراءات “قيصر” وأضراره ، أو (أقله) الحد منها.

ليس لعاقل ، الا ان يرى مدى خطورة التحدي ، الذي يشكله قيصر ، وما لمسه السوريون من ارتفاع الاسعار الجنوني ، وانخفاض سعر صرف الليرة ، ليس الا مؤشرا على خطورة هذا التحدي ، كذلك فان من شروط سياسات الحكومة لمعالجة هذا التحدي ، هو الجدية البالغة في اعتماد أجدى السياسات ، والجدية الاكبر في تنفيذها ، ومن شروط نجاح هذه السياسات ، مدى مناعتها تجاه (الفساد) و (الفشل).

اذا ابتدأنا بشرط المناعة تجاه الفساد ، نقول : انه لابد من توفير كل عوامل تحصين السياسات الحكومية ، كي لايجد الفساد بكل أشكاله من ثغرات للعبور اليها ، وتحويلها الى مزرعة جديدة للنهب باستثمار الكارثة ، وعلى حساب المواطن ، ولقمة عيشه.

كما لابد من ابتكار كل الاساليب للمراجعة والمتابعة والتدقيق ، كي نضمن الحصانة من الفساد ، الذي بات اخطبوطا ، وقادرا وصاحب سطوة ، الامر الذي يستلزم نزاهة حكومية حقيقية ، وشجاعة في مواجهة الفساد ، وقوة في حماية مصالح الشعب ، كي نحد من مفاعيل أي عدوان اقتصادي على الشعب – كما يفعل (قيصر)- فهل سيلمس الناس ، مثل هذه النزاهة والشجاعة ، والقوة في مواجهة الفساد ؟!

أما شرط المناعة تجاه الفشل ، فهو الاساس الاول لنجاح أي سياسة حكومية في مواجهة التحدي الاقتصادي ، لان الفاشلين في مفاصل المؤسسات ، ومراكز القرار الحكومي ، يحولون بفشلهم ، وانعدام كفاءتهم ، وغباء آدائهم ، يحولون أعظم السياسات العلاجية الى عوامل أمراض ، تعظم الخطر الذي تتعرض له ، بدل ان تعالجه ، وتقلل من أضراره.

من هنا ، فان الفشل ان لم يكن من أمهات الفساد ، فانه “توأمه وشريكه” ، مهما اتصف بالنزاهة ، لان الفشل ينتمي لعائلة الفساد من حيث تأثيره وخطورته ، وهو كالفساد نحتاج لمعالجته وعدم الوقوع فيه الى شجاعة وبصيرة وقوة ، قادرة على ابعاد الفاشلين ، مهما كانت قوتهم ، ومهما كان مصدر دعمهم ، فهل نبدأ بتوفير نجاح السياسات الحكومية ، بابعاد الفاشلين عنها ؟!

اجراءات قيصر ، تحدي خطير لحياة المواطن ، ولقمة عيش الشعب ، وبدأنا نرى آثارها في ارتفاع الاسعار ، وازدياد الفقر ، وهذا يستلزم من الحكومة، ان تضع السياسات العملية والواقعية والذكية والمرنة ، لمعالجة آثار هذه الاجراءات ، والحد من تأثيرها ، كما على الحكومة وعلينا جميعا ، توفير كل متسلزمات نجاح هذه السياسات برفع مناعتها تجاه الفساد ، وابعاد الفاشلين عن مفاصل اقرارها وتنفيذها ، فهل نملك البصيرة والشجاعة ، لمواجهة “قيصر” ؟!