
أرسل لي صديق من بيروت ،مقالا ، بقلم الإعلامي التلفزيوني المصري (عماد) الدين أديب ، وموضوعه عن تقسيم لبنان. ويا ليتني لم أقرأه لكثرة الأخطاء التاريخية والجغرافية والمعرفية التي في مقال عماد الدين أديب. (رابط مقال أديب في آخر هذا النص).
أنا لا أتابع عماد الدين( أديب) في برامجه التلفزيونية ولا أقرأ مقالاته ، ولكن احتراماً لصديقي في بيروت قرأت المقال الذي إذا كان مؤشراً عن مستوى كتابة عماد الدين (أديب)، فالأكيد أنّ عميد الصحافة العربية الاستاذ “محمد حسنين هيكل”، يتقلّب في قبره ، غضباً على ابن بلده ، الذي يكتب توافه الأمور.
يزعم عماد الدين (أديب) في مقاله الطويل أنّ لبنان مقبل على تقسيم. وهذا الزعم أثار اهتمامي. ولكني لم أعثر في المقال على أي معلومة أو تحليل يقود إلى هذا التنبوء: متى سيحصل هذا التقسيم وكيف ومَن هم أبطاله؟ لا إشارة بل شرح طويل يدور ويدور.
ثم أنّ ثمّة جهل فاضح في المقال عن جغرافية وتاريخ لبنان. وعلى سبيل المثال يقول عماد الدين أديب: “إنّ محافظة جبل لبنان هي ستّة أقضية: جبيل وكسروان وزغرتا الزاوية وبشري والبترون والكورة والمنية”.
وهو هنا ، يجهل تماماً أنّ محافظة “جبل لبنان”، تضم (المتن وبعبدا عاليه والشوف)، في حين (كسروان وجبيل)، هما محافظة واحدة، والباقي جزء من محافظة الشمال التي تضم عدّة أقضية أخرى.
ثم هو يسأل: هل تعايش اللبنانيون خلال الحرب الأهلية التي استمرّت 17 عاماً، وفي حرب الجبل؟
وهنا ارتكب خطآين: أولاً أن الحرب اللبنانية استمرت 15 عاماً وليس 17، أي من 1975 إلى 1990، وأنّ حرب الجبل عام 1983 هي جزء من الحرب اللبنانية التي هي مسمى واسع يشمل عدداً كبيراً من الحروب الصغيرة (حرب المخيمات، حرب السنتين، حرب الفنادق، حرب الأسواق، حرب الإلغاء…).
ثم يبدو أنّ أحدهم ، وليس عماد الدين (أديب) قد كتب بعض فقرات هذه المقالة لأنّ المفردات المحلية اللبنانية غلبت عليها ، ولا يعقل أن يستعملها كاتب ليس لبنانياً مثل عماد الدين أديب. فخرجت المقالة كلها ، وكأنّها مجيّرة لطرف ضد طرف في لبنان، يمكن ضمّها إلى آلاف المقالات ضمن الحرب الإعلامية داخل لبنان.
وأسوأ ما في المقال هو محاولة عماد الدين (أديب)، تحليل وضع لبنان، وكأنه يطير من فوق السطوح، ولا يقف على الأرض. مثلاً كلامه عن الطوائف غريب وكأنّها صخور أبدية أو كتل متجمدة، دون الالتفات إلى دينامية تاريخ لبنان المعاصر.
في المقال أيضاً هذه الجملة: لبنان اليوم ليس كما أراده الفرنسي عام 1943، وليس كما أراده السعودي في الطائف، وليس كما أراده الأميركي عند دخول المارينز…”. وهي جملة إنشائية لا قيمة لها. ذلك أنّ عماد الدين أديب لا يعرف أنّ لبنان طرد فرنسا عام 1943 في حين كانت حكومة ديغول تريد إبقاء الاستعمار. وهو لا يعرف أنّ اتفاق الطائف هو اتفاق سوري – سعودي – أمريكي – فاتيكاني – فرنسي، وليس سعودياً. ثم هو لم يقرأ عشرات الكتب عن الأعوام 1982-1984 ودخول المارينز والأحداث التي تلت من انتخاب بشير الجدميل إلى حركة 6 شباط 1984 ومؤتمر لوزان.
https://www.asasmedia.com/news/389842…
وفي المقال ، الكثير من الإبهار المصطنع كهذه الجملة: “بناءً على مصدر عربي موثوق التقى وزير الخارجية السابق (مايك) بومبيو في أوروبا ربيع 2019، حذّر الوزير الأمريكي من سقوط الدولة والنظام ، وحدوث انهيار كامل للبنان”.
فمَن هو هذا المصدر العربي الموثوق ، ولماذا لا تكتب اسمه استاذ عماد حتى يثق بك القارىء؟ وما أهمية قول بومبيو لمصدرك الموثوق عام 2019 ، وقد قال بومبيو مثله عشرات المرات في الإعلام؟
يشارف مقال عماد الدين (أديب) ، حدود التلفيق ، كما في هذه الجملة: “تؤكّد المعلومات أنّ هناك مشروع دراسة يجري تداوله بين باريس وبروكسل حول إمكان تقسيم لبنان إلى أربع محافظات، مثل أربع دويلات: واحدة للسُنّة، وأخرى للشيعة، وثالثة للمسيحيين، ورابعة للدروز”.
وهنا من المعيب ، أن يذكر عماد الدين (أديب)، أنّ ثمة مشروع دراسة ، ولا يقول لنا ما هي هذه الدراسة ، ومَن هو مؤلفها وما هي المعلومات ، التي تؤكدها هذه الدراسة المزعومة، ولماذا تكون هناك أربع دويلات وعلى أي أساس؟
نكتفي بهذا القدر من الملاحظات عن المستوى الهابط للمقالات، التي تُنشر ،ويتم تداولها هذه الأيام في الإعلام اللبناني والعربي عامة، والمؤسف أن تتناقلها مواقع ويحكي فيها معجبون بأشخاص من طراز (عماد الدين أديب).
أعذره يا استاذ هيكل.
هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها