فيما تتواصل احتجاجات حركة «السترات الصفر», ويتكرّس تأثيرها في المشهد الفرنسي, الى درجة يجد فيه الرئيس الفرنسي الأقلّ شعبية، في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة التي اقامها الجنرال ديغول قبل ستة عقود,يجد نفسه غير قادر على المشاركة في القمة الاوروبية العربية التي التأمت يوم امس في منتجع شرم الشيخ المصري. مُعلِّلاً ذلك بأسباب «داخلية»، فإن «الوعد» الذي قطعه ماكرون لِمُمثلين عن المؤسسات اليهودية في باريس: بأن «فرنسا ستُطبق تعريفا لمعاداة السامية, تبنّاه التحالف الدولي لذكرى المحرقة ليشمل مُعاداة الصهيونية». أي ووِفق تفسيره»..
ستكون مُعاداة الصهيونية هي شكل من الأشكال الحديثة لمعاداة السامِيّة». ما يعني إضفاء هذا الرئيس, الذي لمع نجمه فجأة في فضاء المشهد الفرنسي لكن ما لبث ان خبا واقترب من الانطفاء, بعد ان «اكتشف» الفرنسيون انه مجرد «مَندوب» للإحتكارات المالِية وقوى النيوليبرالية الجديدة يجلس في قصر الإليزيه, لإضفاء القداسة على حركة سياسية ذات اهداف عنصرية وفاشية واضحة, تنهض على مشروع استيطاني كولونيالي بشع, يرى جمهور لا بأس به من اليهود انفسهم, انها تعرِّض اليهود للخطر وانها لا تتردّد في «تصفية» من يقِف في وجهها سياسياً ومالياً, وتشويه سمعته إعلامياً واذا اقتضى الامر(وكثيرا ما اقتضى في عرفها) تقوم بتصفيته جَسدِياًّ, وبطرق لا تقل بشاعة عن نهج المافيا وفرق الموت وأجهزة الاستخبارات التابِعة للأنظمة الإستبدادية في العالم.
ماكرون…الذي لا يتردّد في وصف ارتكابات واقترافات الحركات الجهاد التكفيرية الإسلاموية بـ”الإرهاب الاسلامي» دون ان توَخّي الدِقة والموضوعية في نقده لهذه الحركات الارهابية, التي تفتك بالمسلمين قبل غيرهم، يريد الان نِفاقاً وتملّقاً تقديم أوراق اعتماده لأساطين ودهاقنة الحركة الصهيونية, كي «يُنقِذوا» مركَبه الموشِك على الغرق، يُريد إضفاء الشرعية على احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية, وقوننة استيطان قطعان المستوطنين في الاراضي المحتلة عام 967.بل وايضا إعتبار اي نقد لارتكاباتها العنصرية داخل الخط الاخضر ضد فلسطينيي الداخل, وبخاصة بعد إقرار قانون القومية اليهودية.بما هي ارتكابات مُستلّهَمة من تراث الحركة الصهيونية وإرث قادتها, بدءا من هرتسل وليس انتهاء بالكاهانِيّين الجدد، شكلا من أشكال معاداة السامية. ولهذا يضغط ممثلو المؤسسات اليهودية في فرنسا وغيرها من أجل إقرار هذا «القانون» العنصري الذي يُروّج له ماكرون, ويقولون: «انها مجرّد بداية طريق طويل تطبيق هذا المفهوم لمعاداة السامية، يجب أن تتبعه خطوات ملموسة لتحويله قانوناً وضمان تنفيذ ذلك».
ليس ثمة ما يثير غضب او انتقاد الرئيس الفرنسي في الهجمات المزرية والمنحطّة التي تطال الدين الإسلامي والمسيحيي بالتأكيد. ويرى كما غيره في ذلك”حُرية رأي وتعبير» حتى لو مسّت شخص المسيح عليه السلام او النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يُضيره لو أن «يهودياً» تجرّأ – وكثيراً ما يحدث – وأساء للنبي موسى او يعقوب او احد أبنائه, بل «ملك اسرائيل» داود. وإذا ما ارتكب «مسلم» عملا ارهابيا, فإن رُهاب الاسلام ينطلق من عقاله ولا يتوقّف عند الأُسطوانة التي تعتبِر «الإسلام» دينا يحضّ على العنف والقتل, بل يُنكِرونَه كـَ”دين سماوي”, ولا يعدو – في نظرهم – مُجرّد دين وَضعِي يقف خلفه «رجل» وليس «وحياً يوحى».
فهل ثمة فرصة لإقرار قانون كهذا؟ تقف خلفه دوافع سياسية لرئيس قد لا يُكمل ولايته, اذا ما نجَح حِراك السترات الصفر, في دفْعِه الى زاوية تضيق معها هوامش مناوراته الفاشِلة..حتى الآن؟.
اللافت ان حملة مُماثِلة – وإن اقل حِدة في جانبها المُتعلِّق بالصهيونية – تجري الآن في بريطانيا, المُنقسِمة على نفسها بفعل تداعيات بريكست، ضد جيرمي كوربن زعيم حزب العمال البريطاني, الذي وضع رئيسة الوزراء البريطاني تريزا ماي أمام مأزق كبير، حيث ازدادت حملة شيطنة وإضعاف كوربن شراسة, عبر تشويه سُمعة ومواقِف الزعيم العمالي الذي لا يخفي تعاطفه مع الحقوق الفلسطينية, وينتقِد تصرفات سلطات الاحتلال العنصرية.عندما استقال تسعة «عُماليين» (معظمهم من اليهود) مِن حِزبهم بذريعة”معاداة السامية» والمُعتقدات السياسية لِـ(القيادة). ويقصِدون كوربن بالذات.
إنها شرور الصهيونية وارتكاباتها الفاشية, والتي لن يُزيلها او يَطمِس عليها قانون مُنافِق او سياسات إنتهازية كتلك, التي يريد عمانويل ماكرون تعميمها وكتم الأفواه من خِلالها.
“الرأي ” الاردنية