كم أصبح المواطن العربي ، مستضعفا ، محاصرا ، ومخنوقا ، لدرجة انه بات لا يجد مخرجا لبؤسه ، الا بالسقوط في أوهام نفسية تعويضية لو عاينها طبيب نفسي ، لوجد لها تصنيفا مرضيا (تعدد الهوية التصارعي – الفصام …) ، بينما الامر في أصله ومسبباته ، حالة اقتصادية اجتماعية سياسية ، هذه هويتها ، وهذا قيدها.

وهي هوية ، توازي هوية المواطن العربي ، وقيد يماثل قيده العائلي ، وان أضاع المواطن ، هويته، وصار قيده مجهولا ، فان هوية وقيد النظام الذي يخنقه لا تضيع . انها فكرة ، ربما يصح ان ترد على ذهن مشاهد المسلسل السوري القصير “قيد مجهول” لمخرجه الشاب (السدير مسعود).
ولكن ، لوقلناها -هذه الفكرة امام صناع هذا العمل ، لابتسموا متمسكين بانهم قدموا حكاية رجل عادي ، عاش أكثر من صيغة لشخصيته ، ليخرج من الحصار الواقع في فخه ، ويتحرر من الفقر الاستبعاد ، والضعف.
مسلسل من سبع حلقات ، مصنوع على الطريقة السينمائية ، حريص على الصورة الجميلة مع تمسكه بجاذبية تشويق اكتشافية للمعاني ، مثلما هي توغلية في تقاطع الازمان.
والحكاية ، مبنية على شخصية لها وجودين : واقعي (سمير) ، ونفسي افتراضي (يزن) . ولعبة المعنى : ان ضعف (سمير) وانسحاقه يجعله ، يخلق (يزن) القوي الشرس ، ليعوضه ، ولو في الخيال او المرض او الوهم عن حالة هوانه.
وهذه الحالة تجعله (سمير) ، يرتكب أكثر من قتل بواسطة (يزن)، ويمارس مايفوق قدرته من أفعال : (لعب القمار – علاقة مع امرأة جميلة).
والمسلسل ، يقدم لنا شخصية (سمير) المحورية ، وهي عالقة في مجتمع ، يفرض عليها الاستمرار في الغرق بالفقر والمهانة والعوز ، وهو نفسه المجتمع المحكوم من شبكات فساد ، مافيا ، وسلطات تكرس فقر ومهانة (سمير) وتدفعه للتوهم اوالمرض ، ليقتل نفسه ، وهو منتقم ممن يضطهده ، او يحط من قدره.
الحكياة ، جذابة بشخصياتها وحدثها ، ومشوقة في سياقاتها التحقيقية ، التي هي نفسها سياقات كشف المعاني ، وهذا مايعطي العمل احقيته ، كرواية تشويقية اجتماعية، تشع معانيها العميقة دون اي مباشرة ، او تلقين . انه الاحترام الكامل لجنس الفن الابداعي .
طبعا ، كان الاداء العبقري للنجمين (عبد المنعم عمايري وباسل خياط ) ، قوة الجذب المركزية في العمل ، كما كان للتأليف المتمكن (محمد أبولبن – لواء يازجي) ، قوة شاحنة ، أتاحت للممثلين التألق ، ومكنت المخرج من انجاز عمل اجتماعي مشوق ، يقدم المتعة لفنية ، ويحرص على متعة التفكير بالمعاني بأسلوبية بصرية حديثة ، لاتقل عما تنتجه أكبر الشركات العالمية.
انه مسلسل “قيد مجهول”، ولكنه فن قوي الاجتهاد بهويته ونسبه . والانسان البسيط ، قضيته ، والحرية والكفاية ، بحثه.
كم نحتاج لسلوك مثل هذه الفن ، وهذه الثقافة ، وهذا الابداع ؟