aren

«قناة اسطنبول»..جدل الاقتصاد والرِهانات الجيوسياسية \\ كتابة : د. محمد خروب
الإثنين - 5 - يوليو - 2021

ارتفع منسوب الجدل الداخلي التركي, بعد تدشين الرئيس اردوغان مؤخراً «الجسر الأول» في مشروع قناة اسطنبول, الذي يتبنّاه بحماسة ويرى فيه مشروعاً شخصياً قد يفتح الطريق له لاستنقاذ نفسه وحزبه من هزيمة تلوح في الأفق, باقتراب موعد الانتخابات عام 2023 والتي أكّد خلال تدشينه المشروع أنها «ستجري في موعدها», رافضاً دعوات أحزاب المعارضة الى تبكيرها, كون البلاد تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة واحتقاناً سياسياً كبيراً, تستوجب الذهاب الى صناديق الاقتراع لمعرفة رأي الجمهور التركي في المرحلة الراهنة. وما إذا كانت قرارات الحكومة التي يقودها أردوغان في نظام رئاسي (بعد إلغائه النظام البرلماني, وتحالفه مع حزب الحركة القومية اليميني بزعامة دولت بهجلي, قد اقنع الذين لديهم حسابات مغايرة, تعتقد المعارضة أنها تصب لصالح تحجيم حزب العدالة والتنمية وإرساله الى مقاعد المعارضة.(وفق استطلاعات الرأي التي تُقلق أردوغان وتدفعه الى عدم التجاوب مع دعوات تبكير الانتخابات).

 ما علينا..

 مشروع قناة اسطنبول الذي سيربط بحر مرمرة بالبحر الأسود، يواجه مُعارضة شرسة من أحزاب المعارضة, كما أنصار البيئة وخصوصاً جنرالات البحرية المتقاعدين الذي نشروا عريضة وقّعها أكثر من مئة جنرال, أعلنوا رفضهم/معارضتهم المشروع الذي في رأيهم يتعارض مع معاهدة «مونترو» التي تنص على حرية الملاحة في مضيق البسفور, وتضع ضوابط على حجم ونوعية السفن الحربية التي تدخل الى البحر الأسود ومدة المكوث فيه, فضلاً عن أن لا يحق لتركيا فرض رسوم مرور على القطع البحرية المدنية/العسكرية التي تدخل المضيق أو تخرج منه، ما عرّض هؤلاء الجنرالات الى مضايقة السلطات والتحقيق مع بعضهم والزجّ في المعتقلات لبعضهم الآخر. وهناك من اتهم أردوغان بأنه يريد للمشروع أن يكون «منصة» للفوز في انتخابات 2023. واصفاً المشروع بأنه «جنوني وكارثي» وهو ما دأب عليه رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول (المرشّح الأقوى في المعارضة (حتى الآن) لمنافسة أردوغان على منصب الرئاسة.

 الجدل الداخلي حول قناة اسطنبول، لا يلغي أو يحجب البعد الجيوسياسي للمشروع, والذي يندرج – ضمن أمور أخرى – في مخطط أردوغان الطموح لإحياء الأمجاد العثمانية, المحمول على «انتقام/تصفية حساب» دفين لديه مع القوى الدولية/الإقليمية, التي أسهمت في انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى وفي مقدمتها روسيا. التي ستكون الأكثر تضرّراً من مشروع القناة (إن قُيّض للأخيرة أن تُبصر النور بعد ست سنوات من الآن وفق المخطّطات التي تم الإنتهاء منها, وبدأ استدراج عروض للشركات المتخصصة، وثمة تسريبات عن شركات صينية تمتلك خبرات واسعة في هذا المجال).

 روسيا وعلى لسان الرئيس بوتين وفي شكل يستبطن الكثير تحدثت عن أهمية «الحفاظ على اتفاقية مونترو, ومن أجل الاستقرار والأمن الإقليميين». فيما مصدر «رئاسي» في الكرملين اشار إلى «أن مشروع القناة قد يُقوّض دعم روسيا لحلفائها في المنطقة, ويهدّد السياسة الخارجية الروسية».

 صحيح أن العائد المادي لرسوم المرور التي ستحصلها أنقرة من السفن المارة في القناة الجديدة.. مُغر ومطلوب (يصل الى ثمانية مليارات دولار في العام) إلاّ أنه صحيح أيضاً أنه «يُحرّر» أنقرة من التزام نصوص اتفاقية مونترو, التي حظرت دخول سفن حربية «ثقيلة» كحاملات الطائرات، فيما ستكون «حرّة» في السماح لحاملات طائرات أميركية/بريطانية/فرنسية بالمرور الى البحر الأسود, كونها تُطبّق «قانونها الداخلي الخاص» وليس نصوص «مونترو», ما سيُحوّل البحر الأسود الى صراع مفتوح, كون معظم الدول المشاطئة له, متحالفة/أو عضو في «الناتو» مثل: رومانيا وبلغاريا (وربما لاحقاً أوكرانيا, رغم مُعارضة موسكو وتحذيراتها).

 احتمالات الشروع المباشر في شق قناة اسطنبول, ستأخذ بُعداً مختلفاً وجديّاً بعد معرفة نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية العام 2023, والتي من الصعب التكهّن بنتائجها قبل عام تقريباً من إجرائها, ناهيك عمَّا يمكن أن تحمله الفترة الحرجة هذه من تغييرات, أو ما قد تشهده من اضطرابات واختلالات في موازين القوى ومعادلة التحالفات الإقليمية/الدولية التي ستفرض استحقاقاتها وأكلافها الباهظة على المنطقة.. دولها والشعوب.

“الرأي”الأردنية