aren

قمة بطعم الشوكولا السويسرية! \\ بقلم : حسن نصر
الجمعة - 18 - يونيو - 2021

على عتبة قصر “لاغرانج” التاريخي – التوتر هو سيد الموقف، الجميع ينتظر لحظة مصافحة الرئيسين بوتين وبايدن. غير أن ذلك لم يحدث لأن الرئيس السويسري كان يتوسط الرجلين، وبدا لي للوهلة الأولى أنه سيرفع يد أحدهما معلنا النصر في نزال لم يبدأ بعد، لكنه لم يفعل واكتفى بإلقاء بضع كلمات:

“رئيس الاتحاد الروسي المحترم! رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المحترم! باسم الحكومة السويسرية اسمحا لي أن أرحب بكما في مدينة السلام جنيف… لقاؤكم اليوم شرف كبير لسويسرا. وانطلاقا من تقاليدنا بتقديم الخدمات التصالحية، نحن سعداء بحواركم والتفاهم المتبادل بينكم.  ينسحب بعد ذلك غي بارميلين ويفتح المجال أمام جو بايدن ليمد يده مصافحا بوتين، ولدعوته للدخول إلى قاعة المباحثات.

يد بايدن كانت مثقلة وهي ترتفع للمصافحة، في هذه اللحظة يبدو أن الرئيس الأمريكي تعالى على قيم بلاده المعلنة دائما عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ولا سيما أنه يصافح من أسماه قبل أيام بـ “القاتل”، وسيجلس معه للبحث في ملفات كثيرة يعرف أن للرئيس بوتين تأثيرا مباشرا فيها.

يدخل بوتين أولا، يجلس في المكتبة التاريخية، إلى يمينه الرئيس بايدن، وحسب البرتوكول المتعارف عليه دبلوماسيا، ما يعني أن صاحب البيت هو الرئيس الروسي. يبدأ الرئيس بوتين بكلمة الترحيب أولا، يسمع ضجيج يتعالى في الصالة، إنها أصوات الصحافيين، الذين يتدافعون للدخول إلى القاعة في مسعى لسماع ما سيقوله الرئيسان، وهو ما كان سببا لعدم سماع الكلمات القلية، التي قالها بايدن وسجلها وزير خارجيته بلينكن على دفتر صغير أعده مسبقا.

تنتهي القمة التي سميت بالتاريخية بعد أربع ساعات تقريبا، وهو زمن أقل مما كان متوقعا لها. بيد أن تاريخية الحدث تبقى مرهونة بقدرة البلدين على تخطي العقبات والتراكمات بينهما، وبصورة خاصة في ملفات الخلاف الكثيرة… من أوكرانيا إلى سوريا وليبيا وملف إيران النووي والتسوية الشرق أوسطية – جميعها يعرف بايدن أنه من دون مساعدة بوتين لا يمكن التوصل لحلول لها… تخرج القمة بوضوح بتوصل الرئيسين لتوافق على عودة السفراء لاستئناف عملهما في كل من واشنطن وموسكو… يصدر عن القمة إعلان تمسك أكبر قوتين نوويتين في العالم بالمبدأ القائل إن الحرب النووية لا يمكن أن يكون فيها منتصر، ويجب ألا يتم شنها أبدا… مع ضرورة إطلاق حوار ثنائي وشامل حول الاستقرار الاستراتيجي والرقابة على الأسلحة الهجومية.

في المؤتمرين الصحافيين المستقلين كان الرئيسان أكثر ارتياحا. بوتين ينوه بمهنية بايدن العالية، ويقول إنه يتقن الأصغاء. أما بايدن فيقول إن بوتين لا يريد العودة إلى زمن الحرب الباردة، لكن الرئيس الأمريكي ضمنيا يعرف بأن الأفضل هو رسم حدود جديدة للمصالح تتوافق عليها موسكو وواشنطن، خاصة فيما أصبح يشكل قلقا وتهديدا لروسيا، وهو اقتراب بنى الناتو من حدودها. ويعرف بايدن أن صبر القوات الروسية لن يكون من دون نهاية إذا ما استمرت القيادة الأوكرانية بأعمالها الاستفزازية. ومن هنا فإن أرادت واشنطن أن تبدي حسن نيتها، فعليها أن تستخدم ثقلها بالضغط على كييف وتنهي أحلامها بعضوية الناتو، والأفضل للجميع هو أن تصبح دولة حياد في المستقبل.

يرحل بوتين وبايدن عن جنيف بعد ضبط عقارب ساعتيهما ربما السويسريتين على موعد جديد… الأشهر الستة المقبلة هي المعيار في إعادة الثقة بين البلدين… تقلع الطائرات الرئاسية، وعلى متنها الهدايا الرمزية، التي تبادلها الرئيسان. ولعلها الشيء الوحيد، الذي عكسته القمة عن حسن نوايا الطرفين، فقد أهدى بايدن بوتين نظارة شمسية مصنوعة بطلب خاص من قبل شركة Randolph وتمثال “بيسون” من الكريستال، وهو عبارة عن جاموس منصوب على منصة خشبية، ويرمز إلى القوة والوحدة والمرونة.

أما الرئيس بوتين فقد حمل لنظيرة الأمريكي ، مجموعة موسكو من أدوات الكتابة المزخرفة بالرسوم الروسية التقليدية المعروفة بـ “خوخلوما”.

ضجيج القمة وما تلاها من تصريحات، هو الشيء الوحيد الذي عكر صفو مدينة جنيف. لكنها عادت لتنام بهدوء بعد مغادرة الطائرات الرئاسية ولتبقى مدينة سلام محايدة.

الأكثر حظا في هذه القمة ، كانت وسائل الإعلام التي أتت من كل حدب وصوب، فقد حظي الجميع بفرصة لتذوق طعم الشوكولا السويسرية، التي تمنح طاقة كبيرة للإنسان، ولعل الرئيس السويسري قدم منها الشيء الكثير للرئيسين بوتين وبايدن ، لتحقيق الانتصارات اللاحقة.

هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها