التجدد – واشنطن
قبل شهور قليلة، نشرت “كيلي هاموند”، أستاذة مساعدة في تاريخ شرق آسيا في جامعة (أركنساس)، كتاب«مسلمو الصين وإمبراطورية اليابان». وتزامن الكتاب مع الأخبار العالمية الحالية عن المسلمين في “سيكيانغ” الواقع (غرب الصين). ومع الضغوط العالمية على حكومة الحزب الشيوعي في الصين لوقف قمعها لهم، وإغلاق معسكرات اعتقالهم، ووقف غسل عقولهم، وخاصة محاولات تحويلهم من الإسلام إلى الشيوعية.

اهتمت هاموند بالمسلمين الصينيين منذ سنوات دراستها الجامعية، ثم في شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة جورج تاون (في واشنطن العاصمة). لأن مؤلفة الكتاب قضت سنوات تهتم بالتاريخ الصيني والياباني، وبلغتي البلدين، كتبت عن مشكلة المسلمين الصينيين من زاوية مختلفة: الصراع التاريخي بين اليابان والصين للسيطرة عليهم.
ولم تواجه مؤلفة الكتاب فقط لغتي الدولتين المعقدتين، ولكنها واجهت، أيضًا، تراجم كل دولة للغة الدولة الأخرى. بالإضافة إلى تراجم المصادر الغربية والعربية والتركية للغتي البلدين.
مثلا، استخدم اليابانيون كلمة «بيكنغ»لعاصمة الصين، بينما استخدم الصينيون كلمة «بيبنغ». وفضلت مؤلفة الكتاب الكلمة الأولى. ثم نشرت، في نهاية الكتاب، معجما للكلمات التي استعملتها. وقالت إنها اعتمدت على مصادر من خمس لغات، من سبع دول.
وهذه بعض فصول الكتاب:
الإسلام وغزوات الإمبراطورية اليابانية. من إمبراطورية «ميجي»إلى إمبراطورية «مانشوكو». اهتمام اليابان بمسلمي الصين. حائط الخيزران: مسلمو الصين بين هذا وذاك. الاحتلال الياباني للصين. الصين واليابان تستغلان الإسلام. المنافسات الفاشية. الإرث الفاشي للحرب الباردة.
يحتوي الكتاب على صور تاريخية ، مثل: مسلمون صينيون في اليابان (عام 1935). فتيات المدرسة الإسلامية في طوكيو يصلون من أجل التحالف الياباني الألماني ضد روسيا الشيوعية (عام 1936). شعارات مناهضة للشيوعية باللغتين الصينية والعربية يرفعها مسلمو اليابان (عام 1939). طلاب مسلمون فلبينيون يدرسون في اليابان (عام 1941). ووفد الحج برعاية حكومة اليابان (عام 1938).
تقول المؤلفة في مقدمة الكتاب: «حتى الآن، لم تستكشف الأبحاث الغربية هذا البعد للإمبراطورية اليابانية. لكن، صار واضحا أن الإمبراطورية اليابانية بذلت جهودًا مركزة ومنسقة لكسب دعم المسلمين في الصين، وذلك بهدف تأسيس علاقات بعيدة المدى مع المسلمين، من دمشق إلى ديترويت».
يكشف الكتاب عن موضوع غير معروف: اهتمام اليابانيين بالإسلام أثناء احتلالهم للصين، ونجاحهم في هزيمة الصينيين وكسب قلوب وعقول «الأقلية الهامة»، أي مسلمي الصين.
يثير الاهتمام أن اليابانيين قدموا أنفسهم على أنهم حماة الإسلام، ولأكثر من هدف:
أولا: استغلال المسلمين لتوسيع إمبراطوريتهم.
ثانيًا: فتح أسواق استهلاكية إسلامية جديدة للمنتجات اليابانية.
ثالثًا: هزيمة الهيمنة العالمية للرأسمالية الغربية.
رابعًا: زعزعة استقرار الاتحاد السوفياتي بالتقرب من الجمهوريات المسلمة في آسيا الوسطى.
يربط الكتاب الماضي بالحاضر، ويوضح بالتفصيل كيف ساعدت جهود اليابان، رغم قصر المدة، في دعم الهوية العرقية والدينية للمسلمين الصينيين. وفي تقوية علاقاتهم بالعالم الخارجي، خاصة الدول الإسلامية.
كانت الحرب الصينية- اليابانية (1937-1945) جزءا من الحرب العالمية الثانية في آسيا، رغم أن الأولى بدأت عام 1931 عندما غزت اليابان منشوريا، واحتلتها. ومن المفارقات أن كلا من (روسيا وأمريكا) ، أرسلت مساعدات إلى الصينيين. ويعود ذلك إلى حروب سابقة بين روسيا واليابان. وإلى الهجوم الياباني على القاعدة العسكرية الأميركية في بيرل هاربور (في هاواي). وهو الهجوم الذي بدأ حملة عسكرية أميركية عملاقة، وحازمة، ضد اليابان، حتى استسلمت في عام 1945.
كانت الحرب الصينية اليابانية ، هي أكبر حرب آسيوية في القرن العشرين، حيث فقد أو مات خلالها بين 10 و25 مليون مدني صيني وأكثر من 4 ملايين من العسكريين الصينيين واليابانيين. لهذا، سماها بعض المؤرخين «المحرقة الآسيوية»، مقارنة بمحرقة اليهود في أوروبا.

توجد في الكتاب “وثيقة صينية” من عام 1940، فيها تحذير من «مؤامرة اليابان في الشرق الأوسط»لكسب دعم المسلمين في جميع أنحاء العالم. وقالت الوثيقة إن الدعايات اليابانية تقول إن «اليابان هي الشمس، وإن الإسلام هو القمر. وإن كليهما يبعث الضياء والتألق من شرق آسيا إلى جميع أنحاء العالم».
ومن التناقضات أنه بينما استخدمت اليابان المسلمين الصينيين لتقوية علاقاتها مع المسلمين الآخرين، خاصة في الشرق الأوسط، قامت اليابان بقمع واعتقال وقتل الآلاف من المسلمين الصينيين. واستخدمت ما يشار إليه بـ«سياسة القتل»، بالإضافة إلى تدمير ما قالت بعض المصادر إنه حوالي 220 مسجدًا.
هذا بالإضافة إلى «سياسة الإهانة»، مثلا: تلطيخ المساجد بدهن الخنزير، وإجبار الجزارين المسلمين على ذبح الخنازير لإطعام الجنود اليابانيين، واختيار الفتيات المسلمات لتدريبهن لمتعة «الغيشا»، بينما، في الحقيقة، لتلبية الرغبات الجنسية للجنود اليابانيين.
وأخيرا، يؤكد الكتاب ، أن المعاملة القاسية من قبل كل من الإمبراطورية اليابانية والصين الشيوعية لم تقدر على كسر إيمان وإرادة المسلمين الصينيين. وجاء في الكتاب أن المسلمين الصينيين، «الذين عاشوا في الصين منذ مئات السنين، نعم تأثروا بالثقافة الصينية، لكنهم ظلوا يحتفظون بممارسات دينية وثقافية متميزة، مع معتقداتهم الدينية الإسلامية القوية».