aren

في احتفال أسطوري : “بيتهوفن” يعود الى مسقط رأسه
الخميس - 18 - أغسطس - 2022

التجدد

في ثوب طويل حاملا أوراقه وقلمه، وبخصلات شعر متناثرة، ونظرات حادة تحدق إلى الأفق، عاد تمثال الموسيقار العالمي – الألماني الأصل – لودفيج فان بيتهوفن أخيرا إلى موقعه في ميدان (مونسيتر) بقلب مسقط رأسه، مدينة “بون” الألمانية.

فبعد رحلة طويلة استغرقت 6 أشهر في ورش الترميم لإزالة الآثار التي خلفها الزمان على سطح التمثال، نجح المهندسون في إعادة التمثال البرونزي الأشهر في المدينة إلى كامل هيئته الأولى التي تشع بريقا وأناقة تماما كسيمفونيات صاحبها.

ومثلت عملية الترميم، التي تمت في ورشة بالقرب من ميدان مونسيتر، تم استئجارها خصيصا لذلك الغرض، تحديا هائلا أمام المهندسين. وكانت آخر عملية ترميم للتمثال، الذي يعود لعام 1845، تمت في الستينيات، وخلال تلك الحقبة الطويلة من الزمان تراكمت طبقات الأوساخ على سطحه وفي ثنياته، فيما أثرت الشمس والعوامل البيئية الأخرى على بنية التمثال نفسه، وتسببت في تآكل طبقاته الخارجية. ليس ذلك فحسب، بل إنه وبعد إنزال التمثال الشاهق من موقعه، حيث يصل ارتفاعه إلى قرابة ثلاثة أمتار ونصف المتر، ويزن أكثر من ثلاثة أطنان، تبين وجود آثار لشظايا طلقات نارية في هيكله، فضلا عن تشوية سطحه برشاشات الطلاء.

فكانت المعادلة الأصعب هو كيفية إزالة كل تلك الطبقات المتراكمة عبر الزمان، مع عدم تسرب المياه إلى داخله، أو إصابة برونزه المميز بأذى.

قاعدة التمثال أيضا، التي تعادل فى وزنها تقريبا نفس وزن ما تحمله، لم تكن استثناء من الضرر والتآكل وعوامل التعرية التى طالت التمثال، إن لم تكن أكثر تضررا. وعلى هذا، عمد المهندسون إلى دعمها بهيكل إضافى من الفولاذ الصلب المضاد للصدأ يزن 1٫2 طن، لمعاونتها على الصمود لسنوات أكثر مقبلة.

ولا تعد قصة حب بون وبيتهوفن مقصورة فقط على تمثاله القابع وسط أشهر ميادينها وأكثرها ارتيادا من قبل السائحين والزوار، بل احتفاء بون بابنها البار تجده ظاهرا وواضحا أينما توجهت في بون. فبعيدا عن أسماء الشوارع والمتنزهات والميادين التي تحمل اسم بيتهوفن، تجد في كل شارع بالمدينة، إن لم يكن في كل مقهى ومطعم ومتجر وصيدلية تمثالا له، بكل الأحجام والألوان والتصميمات المتخيلة. كما أن بيت الموسيقار، الذى ولد عام 1770، تحول بدوره إلى متحف شهير في المدينة، يحمل اسمه، ويضم أكبر مجموعة وثائق ومخطوطات وآلات موسيقية متعلقة ببيتهوفن، فضلا عن صور ورسائل ومنحوتات ونقود.

أيضا، تقيم المدينة سنويا مهرجانا موسيقيا ضخما يبدأ في كانون أول\ ديسمبر ويمتد لثلاثة أشهر متواصلة، إلى جوار تمثال بيتهوفن الشاهق في مونسيتر، وهو ما يستقبل سنويا آلاف السياح من كافة أنحاء العالم.

وعلى هذا، فإن قصة إعادة بون لتمثال بيتهوفن الأشهر إلى موقعه مرة أخرى، لن تنتهى بهذه البساطة، بل نظمت المدينة حفلا ضخما احتفاء بتلك المناسبة في منتصف آب\ أغسطس الحالي، يحاكي في ضخامته المرة الأولى التي تم فيها تنصيب التمثال في موقعه قبل 177 عاما، والذي حضره كبار ملوك وأمراء العالم حينها مثل الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا حينها، وزوجها الأمير ألبرت .

وخلال الحفل تم عزف أشهر سيمفونيات الموسيقار العبقري، كما حرص المنظمون على أن تمثل أجواء الحفل وحتى الأزياء الظاهرة به، تلك الحقبة الزمنية التي تم فيها تنصيب التمثال لأول مرة. كما تم تنصيب شاشات عملاقة في المكان، تروى حياة بيتهوفن وابداعه الموسيقى، باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية.

ومع هذا، لا تعد أعمال الترميم انتهت بالمكان، بل هي ممتدة حتى نهاية الشهر الحالي، حيث تبقت زراعة المنطقة المحيطة بالتمثال، وتنصيب الأضواء المنعكسه عليه، التي ستخفض بدورها استهلاك الطاقة فى المكان بنسبة 80%، مقارنة بسابقتها، بفضل تقنية «الليد». وارتفعت التكلفة المبدئية لعملية الترميم من 60 ألف يورو إلى 120 ألف يورو، بسبب المفاجآت الكثيرة غير السارة التي باغتت المهندسين خلال عملية الترميم، وما أعقبها من تغليف التمثال بطبقة من الشمع لحمايته مستقبلا من آثار المطر والثلوج.