aren

يتحدث أول مرة عن عالم كورونا: فرانسيس فوكوياما \سنعود لحقبة الليبرالية ما بين 1950-1960\
الخميس - 23 - أبريل - 2020

(خاص) ترجمة التجدد الاخباري

يستقر “فرانسيس فوكوياما”، حاليا، بولاية كاليفورنيا الأمريكية، والتي أعلنت عن نفسها بلسان عمدة الولاية، اعتمادها لآلية (الحجر الصحي)، كأول ولاية أمريكية، تعتمد الإجراء منذ ما يقرب من أسبوعين من الآن. وعلى غرار الولاية الأمريكية، تجندت جميع المنشات والمؤسسات، القابعة في نطاقها بتطبيق إجراء (الحجر الصحي)، على غرار جامعة “ستانفورد”، التي يدرس بها، ليضطر فرانسيس ، ذو (68 عاما) ، إلى توفير محاضراته بشكل رقمي، وتقديمها إلى طلبته مباشرة عبر الانترنت، في دروس تتمحور حول “العلوم السياسية”.

تزايدت شعبية فرانسيس فوكوياما، خصيصا بعد طرحه لروايته الشهيرة (نهاية التاريخ وآخر رجل-1992)، متجاوزة قربه من حكومة الرئيس _ريغان)، إذ استلهمت من أحد مقالاته المنشورة، في اليوم الموالي لسقوط الجدار ، و اختفاء الشيوعية.

فوكوياما

“فرانسيس فوكوياما”

خضعت الرواية لمناقشات و تبسيطات عديدة، لعل أبرزها ما كتبه “صامويل هنتنغتون”، في رده المعارض لها بمقال صراع الحضارات؟-1993»، باعتباره (نصا) ، يقدم نظرة إستباقية ذات بعد ثقافي عن التاريخ، فلم يعرف نص هنتنغتون بمستقبل ثابت و جامدا ، كما فهم منه، بل سانده فوكوياما فيه، معتبرا إن نموذج الديمقراطيات الليبرالية ، سيكون أفقا من الصعب التغلب عليه.

في هذه المقابلة، سيطلعنا فوكوياما عن شيء من شخصيته، وسترى انه من المتابعين المحايدين، فلا هو متفائل بالأداء الصيني ، أو كاره للصعود الصيني العالمي. ناقش فوكوياما، خلال مؤلفه الأخير (بداية التاريخ)، أصول السياسة منذ نشأتها و إلى غاية اليوم (سانت سيمون)، مصرا على الحديث عن الدولة التقدمية للأمم، التي تمثل شيئا من عقيدته، التي أكدتها أزمة جائحة كورونا الحالية، على شكل رؤيا سياسية يرافقها رفض الليبرالية الجديدة لوالدها «ميلتون فريدمان». ففي حالة ما إن كان يتصور بداية قصة أخرى، فستكون بمثابة توازن جديد في الساحة، قد يسهل من تجاوز هذه الأزمة.

Francis Fukuyama : Cette pandémie révèle le besoin d’un État fort

قوة الدولة تمثل النقطة الأساسية في مواجهة هذه الأزمة، وقوتها تظهر ضعف الوباء

اجرى هذا الحوار ، الصحفي الفرنسي “فرانسوا غيوم لورين”

\هنا النص\

فرانسوا غيوم لورين

لقد قدمتم سابقا، تحليلا للأسباب المؤدية لهيمنة الديمقراطيات الليبرالية، تحديدا بعد سقوط الجدار. فما الذي منع هذه الديمقراطيات من التصدي بشكل فعال لهذا الفيروس؟

لا اعتقد بان للأمر علاقة ما بين نوعية النظام، و جودة الأجوبة التي سيقدمها، بخصوص الفيروس و الحالة الوبائية عموما، إلا إنني أرى بان (الصين) ، الإستثناء الوحيد عالميا، وذلك لنجاعة الإجراءات الإحترازية، التي عملت عليها، خصيصا بعد إنتشار الفيروس على نطاق واسع، وذلك بالرغم من الشكوك القائمة، حول صحة المعطيات الطبية التي وفرتها، إضافة إلى تأخرها في الحد من إنتشار الفيروس على مدى حدودها مع الدول المجاورة. هنالك على المستوى الدولي، العديد من الأنظمة الديمقراطية الناجحة، على غرار كوريا الجنوبية وألمانيا والدول الإسكندنافية، وبعضها اقل نجاحا كإيطاليا وإسبانيا و فرنسا.

إن أردنا البحث عن الارتباطات، فعلينا أن ندير الدفة نحو البلدان الشعبوية، التي يحكمه قادة شعبويون كـ”دونالد ترامب في أمريكا”، و”بولسورانو في البرازيل”، “لوبيز اوبرادور في المكسيك”، ثم “اوربان في هنغاريا”، الذين يعانون الأمرين بسبب نكرانهم لخطورة الجائحة، والتصغير من خطورتها للحفاظ على شعبية حكوماتهم. هذا الطيش الرئاسي، سيؤدي ببلدانهم للوقوع فيما لا تحمد عقباه، بسبب رفضهم للعمل بالإجراءات الصحية المواتية، نفس الشيء ينطبق على الأنظمة السلطوية في “بيلاروسيا” و”روسيا”، التي ستتلقى ضربات موجعة بسبب سياستها الحالية.

هل تفاجئتم أثناء معرفتكم، بان الشرق الأقصى يعاني كثيرا بسبب فيروس من عائلة «الانفلونزا»؟

لا أرى في هذا مفاجئة كبيرة، فالأمر برمته يتعلق بالأحداث التي تقع دون تحذير مسبق، لكننا استبقنا حدوثها تحت طائلة الكوارث الطبيعية، إذ يمكننا تشبيه الحالة الوبائية الدولية الحالية، بظاهرة الإحتباس الحراري أو التغير المناخي، بالرغم من أن وتيرة هذا الأخير تعتبر أبطا من إنتشار الوباء. نحن نعلم، بان لكل بلد من بلدان العالم، قدراته الخاصة لمواجهة الجائحة، و التي تتراوح بين الضعيفة إلى القوية جدا، لكننا على دراية أيضا بضرورة تقديم مساعدتنا لجميع بلدان العالم.

هل يمكن اعتبار «قوة» الدولة سمة أساسية في مواجهة الجائحة؟

في الواقع، فإن قوة الدولة ، تمثل النقطة الأساسية في مواجهة هذه الأزمة، بيد أن كل شيء مرتبط بمدى قدرة الدول، على توفير إجابات واضحة وشاملة، حول حالة القطاع الصحي العام و نظام الطوارئ، وفي القدرة على كسب ما تبقى من ثقة الشعوب في دول الإقامة، مستندة في ذلك على حكمة قائدها الأول. يتبادر الآن سؤال جوهري لدى الجميع: كيف تمكنت بعض الدول دون غيرها من احتواء الجائحة بنجاعة كبيرة؟، يكمن الجواب في قوة الروابط ما بين الدول، وفي سعيها لمشاركة المستجدات بشكل آني وفي قوة أنظمتها الصحية، عكس الدول الضعيفة المحرومة من هذه السياسة الوقائية.

بالرغم من الشكوك حول أجوبة ومعطيات الصين، أيمكننا القول بان الصين قد نجحت، في تقديم نفسها كنظام بديل للديمقراطيات الليبرالية؟

تتمثل الإجابة في كون الصين، النظام غير الديمقراطي، الأكثر نجاحا لحدود الساعة، فهو خليط ما بين القيادية و الرأسمالية التقريبية، فبالرغم من انه نظام لا يمت للديمقراطية بصلة، لكنه نظام يسعى بدوره لراحة شعبه و مواطنيه، وتقديم يد المساعدة إليهم بشكل متفاوت. لا يمكننا أن نتغاضى أيضا، عن تاريخ الدولة الصينية و تقاليدها الخاصة، والمختلفة عن جيرانها كاليابان أو كوريا الجنوبية مثلا، لكن تجدر الإشارة إلى أن النظام الصيني، لا يصلح للتطبيق في أسيا أو أمريكا اللاتينية، المحكومة بقوة من قبل قادتها الحكوميين.

إن النظام الصيني الديكتاتوري، لديه من القوة العسكرية ما يكفي لمواجهة أي حدث طارئ، على النقيض من كوريا الجنوبية، التي تمتلك قوة طبية مهمة، لكنها لا تمثل بأي شكل، هيمنة النظام الديكتاتوري الصيني، على الأنظمة الحكمية الأخرى. (تحتاج الدولة كيفما كانت، إلى الإستعانة بآراء الخبراء لكي تستمر، إضافة الى قادة منصتين و مهتمين، ليختاروا أفضل القرارات بالنسبة لها).

ما هي توقعاتكم المستقبلية بخصوص حالة «تقلص العولمة» الحالية؟

لقد بلغت العولمة، لحدود ظهور فيروس كورونا، أوج عطائها وحدودها التوسعية القصوى، معجلة بإيقاف زحفها الدولي عاجلا أو أجلا، بيد أن الجائحة المستجدة، ستوفر للدول إمكانية الرد والتفكير بسرعة، وستقدم العديد من الشركات على الحد من تعاملاتها الخارجية، لاسيما خدمات التزويد بالمواد الأولية والسلع، وذلك على المستويين المحلي والدولي، إذ سيكون من السخيف بمكان أن نقول بان الشركات العالمية، ستعاني من شح في الموارد الأساسية، سيجبرها لا محالة على التعويل على (الإكتفاء الذاتي) بغية الإستمرار في المنافسة الدولية. يتوقع أيضا، أن يتراجع الإنتاج الدولي، إلى مستواه منذ ما يقرب من 50 سنة مضت، أما بخصوص حدوث (تقلص للعولمة) فمن الوارد أن يكون، لكن أثره لن يمس عمق العلاقات الدولية.

نشر جوزيف ستيغليتز مؤخرا، مقالا بالولايات المتحدة تحت عنوان «نهاية الليبرالية الجديدة و إعادة إحياء التاريخ»، هل تؤمنون كذلك بأن نهاية هذا النظام باتت وشيكة؟

في هذا المقال، أدركت أن ستيغليتز قصد مهاجمتي شخصيا، وأراد أن يظهرني كواحد الليبراليين المتجددين، الذين يعرفهم وذلك بسبب ما جاء في كتابي (نهاية التاريخ والرجل الأخير). ليس لأنني اكتب حول هيمنة النظام — كناية عن هؤلاء الليبراليين وعداوتهم للدولة– دولة نتشارك معها نفس القيم. على العكس من ذلك، إننا نرى اليوم بوضوح، نهاية مذنب الليبرالية الجديدة، التي قد تعيش أيامها الأخيرة، وعودتنا إلى الليبرالية في سنوات 1950 إلى 1960، حقبة امتازت بالتعايش ما بين (إقتصاد السوق) و(احترام الملكيات الخاصة)، تحت قيادة دولة فعالة تعمل على الحد، من الفوارق الاجتماعية و الإقتصادية. اذكر مرة أخرى، أن قوة الدولة تظهر ضعف الوباء.

في عنوان كتابك، يشير «الرجل الأخير» إلى نيتشه، الرجل العدمي، غير القادر على «إرادة السلطة»، الذي يغرق في الملل والرفاه الأمني. هل نعيش في هذا العالم؟

ينطبق ما ذكرته في سؤالك، على مجتمعات أوروبا و أمريكا، حيث نرى الخروج من الأنظمة أو الإغراءات الشعبوية. إضافة إلى ذلك، فهم يعدون الشعوب بوضع طبيعي، دون الإهتمام فعلا شواغلهم الرئيسية، وكفاحهم من أجل الحصول على المراتب والاعتراف. في رأيي، هذه الشعبوية هي دليل آخر، على أننا نعيش في (نهاية التاريخ)، لأنها تعيد تدوير الأفكار، في شكل أقل من الليبرالية، القومية و الفاشية. لكن إعادة التدوير هذه، تنطبق أيضاً على الديمقراطية الاجتماعية…

تعرف فرنسا حاليا، نقاشا مثيرا حول الأقنعة الواقية، تحديدا بعد تصريحات منظمة التجارة العالمية، التي أهملنا على إثرها سياستنا في المجال. ماذا عن الولايات المتحدة؟

لقد وقعنا في نفس المشكل، والظاهر أننا نعيش تداعيات أكثر عمقا، و خطورة مما تعيشه فرنسا. إن النقص على مستوى الأقنعة وآلات التنفس الإصطناعي، قد تمت الإشارة إليه نهاية شهر يناير الماضي، لكن السلطات لم تعلن عن أية إجراءات، من شأنها إعادة أنتاج هذه الأدوات المهمة حاليا. إن ما تعيشه الولايات المتحدة حاليا، لدليل على أهمية الخبراء و المهتمين في حياة الدول حول العالم، علاوة على القادة العاملين بآرائهم، المنصتين والمستشيرين لهم، ليس كرئيسنا الذي قضى شهرين من حياته، وهو يعيد نفس الجملة (هذه الجائحة لا تعنينا ونحن غير مهتمين بها).

ما الدرس المستخلص من الأحداث الحالية؟

سيكون الدرس سياسيا في المقام الأول. باعتباري مواطنا أمريكيا، أصر على أننا لا نستطيع الوثوق، في الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب. فقبل إن يشرع في مهامه الرئيسي، انتابنا قلق عارم بسبب تحركات وأفكار، هذا البهلوان النرجسي والجاهل، الذي لا يهتم بالحقائق و الأدلة، إلا أن الإختبار الحقيقي للقادة المشابهين للرئيس الأمريكي، يتمثل في الأزمة الحالية التي نعيشها، التي جمدت قدرته على تكوين خط تضامني دفاعي ومجتمعي، يحتاج إليه شعبنا حاليا. وفي حالة ما تم انتخابه مجددا، فسيكون على الأمريكيين مواجهة مشكلة عويصة، قد يصعب حلها فيما بعد، أما في حالة ما اختير شخصا أخر مكانه، فسنستفيد من درس سياسي و تاريخي مهم.

https://www.lepoint.fr/editos-du-point/sebastien-le-fol/francis-fukuyama-nous-allons-revenir-a-un-liberalisme-des-annees-1950-1960–09-04-2020-2370809_1913.php