هل من منقذ للدول العربية ، غير العروبة ، الروح الجامعة الباعثة للفعالية الحضارية في جسد الامة رغم تفرقها؟
على أرضية هذه الحقيقة الحية النابضة والمغيبة. اقترح تأمل بعض الافكار ، أو المواقف.
رئيس تحرير جريدة ناطقة باسم حزب قومي كبير ، كتب في ذكرى ولادة حزبه ، يسأل عن سبب عزوف الجيل الشاب عن العروبة ، ويجيب بسرعة وثقة ، بان وسائل التواصل الاجتماعي ، والتهاء هذا الجيل بالانترنت ، ومافيها من فيض معلومات والعاب وصور وافلام ، هذا الالتهاء الانترنتي ، شغل شبابنا عن العروبة ، وبذلك اكتفى رئيس تحرير الحزب الاكبر، المنادي بالعروبة ، ليقرر ان شبكة الانترنت ، الهت الشباب عن العروبة ، ولم تلهيهم (فقط)، بل أنستهم العروبة (الله يلعن أبو الانترنت خربت شبابنا ، وأبعدتهم عن العروبة).
حسب تشخيص الجريدة القومية ، فان هناك غياب للعروبة ، كمحرك لدى الشباب ، أي أن هذا الجيل لايلتفت الى العروبة ولا تحركه العروبة ، وهذا يعني انه (الجيل) يلتفت لامور أخرى ، غير العروبة ، وتحركه مسائل مفارقة للعروبة . واذا كانت هذه الامور المحركة ، منبعها وسائل التوصل والشبكة ، فعلى الاغلب ، هي مضادة للعروبة ، وهذا ما تلمح له الجريدة القومية.
اذن، نحن أمام جيل (بلا عروبة) ، والانكى أنه معرض للتأثير بكل ماهو (مضاد للعروبة) ، وهذا طبعا ، كارثة اجتماعية سياسية.
وسبب هذه الكارثة – حسب افتتاحية الجريدة القومية- كما قلنا ، هي شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ، واستغراق شبابنا فيها ، وربما ادمانه عليها ، والتأثير بماتحتويه ، ولكن لندقق الامر ، شبكة الانترنت ووسائل التواصل ، ماهي الا (وسائل لنقل محتوى اجتماعي أو ثقافي أو سياسي له بعد معرفي).هي وسيلة ، مثلها مثل ورق الكتاب ، الذي ينقل لنا المكتوب ، مثلها مثل شاشة التلفزيون ، التي تنقل لنا المصور ، لكنها وسائل ، أكثر انتشارا ، وأوسع وصولا ، وأعمق تأثيرا.
والسؤال الآن، لماذا لا نبادر كقوميين عروبيين الى استثمار هذه الوسائل بابتكار محتوى عربي يرسخ العروبة ، ولماذا لم نحمل الشبكة ووسائل التواصل مثل هذا المحتوى العربي الحضاري ، ليظل مؤثرا في شبابنا ، الذين أحبوا الشبكة ، وأدمنوا على التواصل عبرها.
اذن، ليست المشكلة في الوسيلة ، المشكلة في تقديرنا لاهمية هذه الوسيلة ، والمشكلة في تقاعسنا عن استثمارها في ابقاء العروبة ، حية نابضة ، والمشكلة الاكبر ، أهمالنا لها ولما تحمله من محتوى قد يغيب العروبة ، ويلهي شبابنا عنها.
المشكلة نحن ، حملة راية العروبة ، وأولنا أمثال هذه الجريدة القومية ، وحزبها العروبي.
ومايستحق النظر ، السؤال الذي يطال وسائل ومناهج التعليم ، أو سياسات الاعلام والثقافة ، وطبيعة الفنون . ألم تكن فاعلة في تربية الوجدان الشبابي على قيم العروبة ؟ ألم تقوم على شحن الضمير الشبابي بكل مايقوي مناعته العروبية ، تجاه كل غزو ثقافي ؟.
واذا كان الامر كذلك ، فلماذا استطاعات الشبكة ووسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من محتوى مضاد للعروبة ، ان تحتل الروح الشبابية في مجتمعنا ، وتأخذ شبابنا بعيدا عن العروبة ؟ انها أسئلة تشخص الاسباب الحقيقية لضعف العروبة عند الشباب ، وكلها أسباب ، تخطاها وسكت عنها ، كاتب الافتتاحية ، لان فيها اتهام للمقصر الاساسي ، الذي (هو نحن) ، دعاة العروبة ، وخاصة مؤسساتنا التعليمية ، الثقافية ، الفنية ، الاجتماعية ، والدينية.
ولتكون الصوة أوضح : فاذا كانت العروبة ، هي الروح الجامعة للدولة العربية ، فان الامم الاخرى ، انتجت كل منها، عاملا يجمعها ، فمثلا (قيم الجمهورية) ، تجمع الفرنسيين ، كما ان (الدستور والعلم) يجمع الامريكيين … وهكذا…
الآن ، وعند انتشار وسائل التواصل ، هل ابتعد الشباب الفرنسي عن التمسك بـ(قيم الجمهورية) ؟ وهل عزف الشباب الامريكي عن الايمان بـ(الدستور والعلم) ؟ الواضح ، ان وسائل التواصل والشبكة عند هذه الامم ، عمق وقوة للعامل الجامع لشعبها ، بينما نجد عندنا ان هذه الوسائل ، أضعفت الروح العربية الجامعة وغيبتها ، والسبب : اننا اهملنا المحتوى القومي العربي في تعليمنا ، ثقافتنا ، وفنوننا ، فوقع الشباب ، فريسة للشبكة ووسائل التواصل.
نحن المشكلة ، لاننا أهملنا التعليم والثقافة والفنون ، كمولد وضامن وراعي للعروبة ، وحافظ لها كروح تجمع الشعب وتوحده ، وتشحنه بطاقة الاستمرار والابداع.
افتتاحية الجريدة القومية ، افادتنا بفتح النقاش ، وماقصرت بايضاحه. حاولنا مقاربته بشكل يغني تشخيص المشكلة- الكارثة، ويفتح الباب للتفكير بعلاجها ، وكل ذلك طبعا ، دعوة للحوار والنقاش ، الذي يغيب مع غياب الجرأة ، وحضور الاستكانة لسلامة السكوت ، وننتظر من يكمل مابدأته الافتتاحية ، وماحاولنا مقاربته . خاصة ، وان الامر يتعلق بالروح الجامعة ، وبالهوية الوطنية الحضارية.
مع ملاحظة ان الصراخ الشعبوي ، لم يعد منتجا للعروبة ، أو حاميا لها ، بل اصبح شكلا من الاستعراض الفارغ ، المتوهم.