
بعد مرور نصف عام على وجود إدارته فى البيت الأبيض، لم يتوصل الرئيس الأمريكى جو بايدن بعد إلى استراتيجية جديدة للاستجابة للصراع المروع فى سوريا، الذى دخل عامه الحادى عشر، ففى الوقت الذى تتأرجح فيه الحكومة الأمريكية، فإن الوضع على الأرض قد بات يتدهور وهو ما تستغله موسكو وطهران ونظام الرئيس السورى بشار الأسد.
ولكى نكون مُنصفين، فإن إدارة بايدن لم تتجاهل سوريا بشكل كامل، إذ إنه خلال الشهر الماضى، عمل الرئيس بنفسه على منع روسيا من قطع طريق المساعدات الإنسانية الأخير إلى إدلب، التى كان بها أكثر من 3 ملايين نازح داخلياً سيتضورون جوعاً لولا وصول هذه المساعدات، فى هذا الأسبوع، أعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين فرض عقوبات جديدة على ثمانية من سجون الأسد سيئة السمعة، والتى يقوم النظام فيها منذ ما يصل إلى عقد من الزمان بتعذيب عشرات الآلاف من المدنيين المحتجزين.
ولكن بالنسبة للسوريين الذين شجعتهم وعود بايدن وبلينكين بقيادة جهد دولى جديد لحماية المدنيين وتقديم حل سياسى حقيقى للصراع، فإن هذه التحركات الأخيرة تبدو خاصة بأشياء معينة وغير كافية على الإطلاق، كما أنهم بالكاد يشعرون بالوجود الأمريكى على الأرض فى بلادهم.
وقد أخبرنى رئيس الدفاع المدنى السورى المعروف باسم «الخوذ البيضاء» رائد الصالح، خلال مقابلة، أنه منذ حل قضية المساعدات الإنسانية فى مجلس الأمن الدولى، سارع الجيشان السورى والروسى إلى تسريع أعمال العنف والعدوان ضد المدنيين فى إدلب.
وقال الصالح: «لقد قدمت الإدارة الأمريكية الأمر على أنه انتصار، ولكن لا أحد يركز على التصعيد الذى يقوم به نظام الأسد وروسيا الآن، ولا نعرف ما هى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لسوريا، كما أننا لا نعتقد أن دمشق على قائمة أولوياتهم».
وأشار الصالح إلى أن الغارات الجوية التى تشنها روسيا ونظام الأسد قد قتلت ما لا يقل عن 21 طفلاً فى جنوب إدلب خلال الأسبوعين الماضيين، كما قُتل عضوان من «الخوذ البيضاء» فى الضربات التى استهدفت المسعفين، وفى غضون ذلك، فقد فرض الأسد حصارًا شديدًا لتجويع مدينة درعا جنوب سوريا، بعد أن كان الأهالى قد وافقوا على اتفاق هدنة مقابل ضمانات الحماية الروسية، ولكن موسكو تراجعت.
كما أخبرنى العديد من أعضاء فريق بايدن أن الإدارة تركز على الوضع الإنسانى فى سوريا وترى أن مستويات العنف المنخفضة نسبيًا تستحق محاولة الحفاظ عليها، كما يشعر فريقه بالتفاؤل الحذر بوجود فرصة لمزيد من المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن دمشق، ولكن هؤلاء المسؤولين يعترفون بأنه لم يتم تحديد استراتيجيتهم الدبلوماسية بعد، وأنهم ينتظرون نتائج المراجعة السياسية الداخلية التى لاتزال جارية.
وقال لى مسؤول كبير فى الإدارة الأمريكية إن «سياستنا تجاه نظام الأسد لم تتغير، فلدينا نفس المخاوف بشأن افتقاره إلى الشرعية هناك، ولكن شعرنا أنه يتعين علينا التركيز أولاً على تخفيف المعاناة الإنسانية ثم العمل مع الشركاء والأمم المتحدة لمحاولة التوصل إلى حل سياسى، ولدينا مراجعة مستمرة للسياسة حول كيفية توافق كل هذه الأجزاء معًا».
ولم يعين بلينكن مبعوثًا خاصًا لسوريا بعد، وهو ما رآه معاذ مصطفى، المدير التنفيذى لقوة الطوارئ السورية، وهى منظمة أمريكية غير حكومية تدعم المعارضة السورية، يرسل إشارة واضحة إلى أن سوريا ليست أولوية للإدارة.
وقال مصطفى إنه إذا نجح النظام فى استعادة إدلب من خلال ارتكاب جرائم حرب، فسيكون ذلك مدمرًا ليس فقط لهؤلاء المدنيين ولكن أيضًا للمساعى الأمريكية لإيجاد أى حل سياسى على الإطلاق، ففى حال سقطت إدلب، فلن يكون لدى الأسد أى سبب للتفاوض، وهذا يعنى ارتكاب المزيد من الفظائع، والمزيد من التطرف، والمزيد من اللاجئين، والمزيد من عدم الاستقرار، والصراع الذى لا نهاية له. وأضاف: «إدلب هى العقبة الأخيرة أمام تأمين سوريا وإيران وروسيا للنصر العسكرى الذى يرغبون فيه، وإذا أعلنوا النصر هناك، فإن ذلك سيؤدى لترسيخ سوريا باعتبارها كوريا الشمالية جديد فى الشرق الأوسط.
ويواجه فريق بايدن نفس السؤال الذى واجهه أسلاف الرئيس: ما هى الخيارات، بعيدًا عن التدخل العسكرى، التى يمكن أن تغير حسابات موسكو والأسد؟ ففرض المزيد من العقوبات، التى تستهدف جميع السوريين المتورطين فى جرائم الحرب والكيانات التى تساعدهم، سيكون مفيدًا ولكنه لن يكون كافيًا، إذ يجب على بايدن أن يوضح أن الأسد لن يمكنه العودة إلى وضعه السابق فى المجتمع الدولى فى فترة ما قبل الأزمة السورية.
وقال السفير المتجول الأمريكى السابق لشوؤن «العدالة الجنائية الدولية»، ستيفن راب: «من الضرورى ألا يكون هناك تطبيع للعلاقات مع الأسد، ويجب أن نثنى الدول الأخرى عن فعل ذلك أيضًا، فالأسد لا يمكن أن ينعم بثمار النصر، وهذا يجب أن يكون موقفنا الثابت».
وبالتأكيد هناك تكاليف ومخاطر للعمل فى سوريا تدرسها إدارة بايدن، بينما تمضى قدمًا فى مراجعة سياساتها التى تبدو بلا نهاية، ولكن التقاعس عن العمل هو أيضًا قرار يأتى مصحوبًا بتكاليف ومخاطر خاصة به، كما أن الأمل فى ألا يزداد الوضع سوءًا ليس استراتيجية.
“المصري اليوم”