
في الفترة الأخيرة، ظهرت تفاصيل متناقضة. فمن ناحية شدّدت الولايات المتحدة الحصار على سورية ولبنان بقانون “قيصر”، وصعّد مسؤولوها ، الكلام العدائي ضد سورية. ومن ناحية أخرى خرج كلام عن عرض يتضمّن تجديد الاعتراف بحق سورية في “الجولان”، ورفع العقوبات الاقتصادية، وانسحاب القوات الأمريكية من شمال (شرق سوريا)، والضغط على تركيا لسحب قواتها ، والميليشيات التي تدعمها.
وفوق ذلك، تعترف واشنطن بتفعيل الدور السوري التقليدي في المنطقة العربية ، وبانتخابات رئاسية سورية في تموز 2021 ، تعيد الرئيس الاسد -إذ شاء – وباعتراف دولي. ولكن كل هذا ، مقابل تنازلات جمة من دمشق ، تحوّلها إلى وضع يشبه وضع (العراق) حتى بعد انسحاب أمريكا العلني منه عام 2012.
ردّاً على غصن السلام، قال الرئيس “بشار الاسد” في 8 تشرين الأول 2020 لوكالة (سبوتنيك) الروسية: إنّ سورية “يمكن ان تقيم علاقات طبيعية مع اسرائيل اذا استعدنا أراضينا المحتلة… موقفنا واضح جدًا ، منذ بداية محادثات السلام في تسعينيات القرن العشرين (1991)، أي قبل نحو ثلاثة عقودعندما قلنا : إنّ السلام بالنسبة لسورية يتعلق بالحقوق”.
وفي 18 تشرين الأول 2020 كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أنّ مسؤولين أمريكيين ، زاروا دمشق ، ومعهم رسالة من وزير الخارجية الأمريكية (مايك بومبيو)، تتضمن اقتراح حوار مباشر من الرئيس دونالد ترمب إلى الرئيس بشار الأسد.
وأنّ نائب مساعد الرئيس الأمريكي ، زار دمشق بهدف الإفراج عن مواطنين أمريكيين.غير أنّ صحيفة “الوطن” السورية ، أوضحت في 19 تشرين الأول ، أنّ الوفد الأمريكي ، اجتمع باللواء (علي مملوك)، رئيس مكتب الأمن الوطني ، وناقشا سلّة واسعة من المسائل.وأنّها “ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أمريكيين بهذا المستوى الرفيع”.
والأهم “إن دمشق أبلغت المسؤولَين الأمريكيين ، أن “لا نقاش ولا تعاون مع واشنطن قبل البحث بملف انسحاب القوات الأميركية المحتلة من شرقي سوريا”.
ثمّة عوامل جوهرية ، تحيط بأي مفاوضات مستقبلية بين “سورية واسرائيل”، وأبرز هذه العوامل:
• القانون الدولي: أي تطبيق قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 ، لقاء توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل، وفق المفهوم السوري للقرارين: (1) انسحاب كامل إلى خطوط 4 حزيران و(2) إعادة الحق الفلسطيني.
• قوّة سورية العسكرية: أثبتت سورية ، أهميتها المركزية كخصم عسكري جديّ لـ”اسرائيل” حتى بعد جمود جبهة مصر منذ عام 1973. إذ أنّ الجيش السوري ، قاتل جيّداً ، واستطاع مراراً ، انهاك الاسرائيليين في الجولان ولبنان، ولا تزال قواها الأساسية الرادعة في مكانها اليوم ، مدعومةً من حلفائها الإقليميين ومن (روسيا).
• لا سلام بدون سورية: سورية هي مفتاح الصراع العربي – الاسرائيلي ، وليس أي خطوات تطبيعية جانبية. وهي ملتزمة بمصالحها:
(1) حقّها بالجولان وصولاً إلى مياه بحيرة طبريا – كما أسلف شرحه.
(2) دعم القضية الفلسطينية.
(3) معالجة أربع ملفات هي: حق العودة للفلسطينيين وتوزيع المياه ومصادرها، والعلاقات الاقتصادية والملفات الأمنية المختلفة لمراقبة تطبيق الاتفاق.
وأخيراً (4) دعم حركات المقاومة في لبنان والعراق وحفظ العلاقة مع إيران.
وفي ما خص البند “الرابع”، يمكن احتساب الحرب على سورية منذ 2011 ، بأنّها جزء من لي الذراع، رغم أنّ الحرب أدّت إلى تدمير البلاد ، ومصرع مئات آلاف السوريين ، وتهجير أكثر من عشرة ملايين سوري من منازلهم ونهب ثروات سورية.
ولذلك فدروس الماضي ، تعني أنّ سورية لا تتخلى عن تحالفاتها ، مهما كانت الضغوط ، ولا تزال قادرة على منع أي مفاوضات حول (فلسطين ولبنان).
هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها