aren

عيب أن نجد طريقة للتفاوض مع إسرائيل ولا نجدها مع سوريا\\ كتابة : جهاد الزين
الإثنين - 12 - أكتوبر - 2020

تحت شعار المصلحة اللبنانية، وهي مصلحة ضخمة وحقيقية في إنتاج ثروة من الغاز البحري، وجد اللبنانيون، في توقيت رضى إقليمي إيراني مناسب، طريقة للتفاوض مع إسرائيل، المعلَنة عدواً، ولم يجدوا حتى الآن بل لم يجرؤوا حتى الآن على إيجاد طريقة للتفاوض مع الدولة السورية الشقيقة، ومصلحتنا الترانزيتية وحدها معها أوضح من مصلحتنا الغازية مع إسرائيل وهي مصلحة لا تزال نظرية قبل تأكيد اكتشاف الغاز وقبل استثماره وقبل انتهاء التفاوض عليه.

هذا في الكلام الخدماتي الصرف فكيف بما هو أعمق وأعقد في الديموغرافيا والثقافة. سوريا رئتنا البرية الكاملة إلى كل الشرق والداخل العربيين، ومرفأ عاصمتها دمشق الحقيقي تاريخيا وراهنا هو مرفأبيروت وهي سوق منتجاتنا الخدماتية المباشر في التعليم والسياحة والاستشفاء.

لماذا تُمنع طرابلس من استنشاق الأوكسيجين الترانزيتي عن محيطها الشمالْ سوري ويجري فصل أزمتها المعيشية الخانقة التي بدأت منذ سنوات تمتد تعبيراتها المأساوية إلى مياه البحر الأبيض المتوسط وتمس بقع الدم الطرابلسي التائه شواطئ أوروبا؟نعرف ويعرفون أننا نعرف أن الشعب اللبناني بكل مكوناته راضٍ بالتفاوض مع إسرائيل طالما هو يلبي شروط الاحترام الوطني وهو (بلا تجليط) تفاوض مباشر، وفي المقدمة أهل جنوب لبنان لأن ذلك في وعي جميع اللبنانيين، إضافةً إلى إمكان تأمين مصالحنا في استخراج واستثمار وبيع الغاز، هو محاولة لكف شر هذه الجارة الطامعة بمياهنا وهي تحصل منذ عقود بسهولة على كل الماء المتدفق من أراضينا إلى داخلها دون أن يجرؤ أي ممانع على ممانعة ذلك علنا والطامعة بغازنا والطامعة بأشياء كثيرة فينا وعندنا.

الرضى ينبع من إمكان هذا التفاوض، كعملية جس نبض إيجابية أميركية إيرانية، على أن يصبح نقطة تحول إيجابية في الوضع اللبناني، و لكن ما هو أهم هو اختبار استقرار دائم إيراني – إسرائيلي ينهي السلام الديفاكتو الحالي والمتين القائم منذ 2006 بينهما في لبنان ويلبي طموح اللبنانيين المُتعَبين إلى نوع من الاستقرار بعد عقود من استخدامهم الحربي في عمليات لا تُنتج إلا “سلامات” عربية و المزيد من السلام. سقف الموقف اللبناني والعربي تاريخيا هو قبول الفلسطينيين السلام العادل بحقهم مع إسرائيل.

العرب في عالم اليوم يواصلون دعم الحقوق الفلسطينية والضغط سياسيا على إسرائيل مهما اختلفوا في المواقع. وصارت إسرائيل بالخبرة التاريخية تعرف أنه من دون حل يعتبره الشعب الفلسطيني عادلاً لن تكون هناك إمكانية لعلاقات طبيعية مع الشعوب العربية. هذا ما تقوله التجربتان المصرية والأردنية. لا يمكن تحميل مفاوضات الناقورة الآتية مضمونا تطبيعيا بالمفهوم المعروف للتطبيع. هذا صحيح. لا تطبيع في الناقورة مع إسرائيل. بالتأكيد ما سيحصل بعد أسبوع ليس تطبيعا ولكنه تفاوض على مصالح يكسر للمرة الأولى الكلام الفارغ الإطلاقي حول الصراع. ليس تطبيعاً. ولكنه بداية شيء مختلف. الشيء المختلف يولّده السياق المختلف.. المهم الآن هو أن ينجح المفاوض اللبناني في الحصول على مكاسب.

أين التنسيق مع مصر صاحبة الخبرة الفنية والقانونية حصرا في مفاوضات طابا الشهيرة التي انتهت بانتصار مصري استعاد نقطة طابا. أن يأتي الإيراني نحو احترام مصالحنا البحرية والبرية الوطنية خير من أن لا يأتي أبدًا. هذا ما يفعله الآن في الناقورة مهما كانت نواياه. وهو في بازار مفتوح مع أميركا. لا يهم الآن القول أنه أُرغِم على ذلك لحساباته. المهم أنها لحظة احترام لمصالحنا الوطنية اللبنانية تكسر عنده وفيه وفي جماعته المحلية تابووات أو محرّمات لن يكون باستطاعته العودة السهلة إلى اللعب بها.

الآن احترام النفس اللبناني يتطلب فتح حوار مع سوريا، مع الدولة السورية. يجب أن تنقص حمولة المزايدات عن ظهر اللبناني ولكن أيضا يجب أن يُظهِر اللبنانيون قابليتهم لإنقاص حمولة التبعية ( المْكاريّة السياسية )عن أنفسهم. في سوريا صراع داخلي وخارجي ضارٍ ولكن من المعيب القيام بأي تفاوض مع إسرائيل وتحريم أي تفاوض مع الدولة السورية. بعد مفاوضات الناقورة صار جدول التفاوض الزراعي والتجاري والمرافئي والتهريبي مع الدولة السورية ضرورة لإثبات كفاءة اللبنانيين على التلقّي المسؤول لفرص الانفتاح الإقليمي حتى لا يسبقنا الزمن من كل الاتجاهات.

بعد انفجار أو تفجير مرفأ بيروت انفجر الزمن اللبناني الانتظاري والاتهامي والاستخفافي ، ف”اللعبة” بسبب كثافة مأساوية الانهيارات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية تتجه لتصبح جديةً جدا يتهيّبها حتى من يساهم فيها كما يحصل وسيحصل في الناقورة.ما سيحصل في الناقورة مدعاة لتهذيب العديد من القوى السياسية اللبنانية لألسنتها في اتجاهات متعددة. العداء لإسرائيل كما الصداقة مع سوريا هما بعد الآن حِمْل مسؤولية إعادة اعتبار لفكرة أولوية المصالح اللبنانية وإدارتها العقلانية.

“النهار”اللبنانية