aren

عن “روبرت فيسك وباتريك سيل” \\ بقلم : سامي مروان مبيّض
الإثنين - 2 - نوفمبر - 2020

قد تَختلف معهما كثيراً، تاريخيّاً ومنهجيّاً، ولكنّ أحداً لا يمكنه القول : ان الصحفيان البريطانيان الراحلان “باتريك سيل وروبرت فيسك”، لم يتركا بصمةً دامغةً في أدبيات الشرق الأوسط المُعاصر. فلم يُقدم أحداً من الكتّاب والباحثين على تناول تاريخ سورية ولبنان قبل العودة إلى كتبهم التي أصبحت اليوم من الكلاسيكيات التاريخية، ما زالت تباع في كبرى المكتبات بالرغم من مرور عقود على إصدارها.

“الصِراع على سوريّة” ، و”الصِراع على الشرق الأوسط” لباتريك سيل، وكتاب “ويلات وطن” لروبرت فيسك، الذي تحدّث فيه المؤلف عن حرب لبنان الأهليّة. توفي روبرت فيسك يوم أمس في مدينة (دبلن)، أما باتريك سيل، فقد .رحل قبله بسنوات، في نيسان 2014

أستطيع القول: أنه وبالرغم من فارق السنّ بيننا، فقد جَمعتني صداقة شخصيّة مع كليهما وزماله مهنيّة دامت لسنوات، تعلّمتُ منها الكثير الكثير. تعرّفت على باتريك في شباط 1998، وكان لقائنا الأول في بهو فندق الشام بدِمَشق…بطلب منه…، عندما أراد صاحب “الصراع على سوريّة” التعرّف على ذلك الفتى العشريني ، الذي كان قد بدأ يكتب عن تاريخ سوريّة الحديث باللغة الإنكليزية.

لا اُخفيكم ، انّها كانت فرصة كبيرة بالنسبة ليّ، وأنا كاتب ناشئ ومغمور، أن أجلس أمام رجل كانت كتبه مرجعاً عِلمياً بالنسبة لنا، يتم اختبارنا بها في الدراسة الجامعة، جنباً إلى جنب مع مؤلفات (البرت حوراني وفيليب حتي).

جلست أمامه ، أرتب أوراقي وأفكاري بإرتباك، وهو مُبتسم ويحتسي قهوته العربية.

“دكتور سيل” قلت له بتهذيب شديد، فقاطعني فوراً: “يُمكنك أن تناديني “باتريك.” كنّا نتحدث بالإنكليزي ولكنّه كثيراً ما كان يستخدم اللغة العربية التي تعلّمها في دِمَشق التي جاءها مع أبيه وهو طفلاً صغيراً في زمن الإنتداب الفرنسي.

كُنت يومها عائد من لقاء في لبنان مع الدكتور مُنير العجلاني، فضحك ، وسألني: “كيف حال منير بك؟ أعرِفه منذ ثلاثين سنة!” نعم، فقد حاور باتريك سيل عدداً كبيراً من قادة سورية، ولعله الوحيد بين الصحفيين الأجانب الذي جالس كلّ من الرئيس شكري القوتلي والرئيس حافظ الأسد، والتقى مطولاً مع شخصيات سياسيّة نافذة جداً، أبرزهم الرؤساء حسن الحكيم ورشدي الكيخيا وصبري العسلي، إضافة للعقيد عبد الحميد السرّاج وأكرم الحوراني وميشيل عفلق.

كما حاور الرئيس خالد العظم مطوّلاً، والتقى مع الرئيس فارس الخوري ، وهو على فراش المرض في مستشفى السادات بدِمَشق. أذكر أنّي سالته عن انطباعه عن الرئيس الخوري ، فقال: “كان ذلك في سنوات الوحدة مع مصر وكان مُتشائماً جداً. قال ليّ أننا (نحن السوريين) صنعنا الجمهورية العربية المُتحدة بلحظة طيش وتهوّر!”

أما عن روبرت فيسك ، فكان لقائنا الأول بعد سنوات، عندما زارني بمكتبي بحيّ سوق ساروجا. كنت يومها قد قطعت شوطاً في مسيرتي المهنية ولم أعد ذلك الفتى المُرتبك أمام هذا الكاتب العجوز القادم من خلف البحار. وكان ذلك بعد أن وضع مقالاً نقدياً مطولاً في “جريدة الإنديبيندت” عن كتابي الصادر في لندن “تحت الراية السوداء”.

تتالت اللقاءات والنقاشات الوديّة بيننا ، وكان آخرها في مقهى على الروشة ببيروت، تُلامسه برفق مياه المتوسط، تحدثنا خلاله عن لعنة التاريخ في مشرقنا العربي. يومها، أحضرت زوجته كاميرا لتصوير الحوار، معتبرة أنه تحوّل إلى مبارزة “بينغ بونغ”، لا غالب فيها ولا مغلوب. مع الأسف لا أملك نُسخة من هذا التسجيل ، وقد طلبته منها في رسائل العزاء ، التي سطرتها لها مساء أمس.

احتفظ بهذه الكتب التي تحمل إهداء وتوقيع هؤلاء الكتاب الكبار، وأفتخر بها كثيراً.

هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها