ترجمة خاصة
التجدد الاخباري
هل الجنرال “حسين طائب” رئيس المخابرات الحرس الثوري، اقيل من منصبه ، أو أنه نجا من محاولة اغتيال؟ في البداية نشرت بعض وسائل الاعلام في إيران أن (طائب) جرح في محاولة اغتيال ، وشوهد وهو ينقل الى المستشفى. في نفس الوقت، نشر أنه اقيل من منصبه، وخلال فترة قصيرة نشر اسم من حل محله – “محمد قازمي”. هذا حتى الان هي الحقيقة الرسمية.
أسباب اقالة الجنرال البالغ 60 عاما ، والذي شارك في الحرب الإيرانية – العراقية في الثمانينيات وتقدم في مسار مواز، ديني وعسكري، لم يتم الكشف عنها. بدلا منها انتشرت تكهنات في ارجاء الشبكة. بعضها قال بان الاقالة جاءت على خلفية فشل (طائب) في تنفيذ عمليات ضد إسرائيليين، واخرى قالت ان عدم نجاحه في منع المس بعلماء وقادة في الحرس الثوري ، هو الذي ادى الى اقالته.
رواية اخرى عزت القرار الى معلومات سرية طرحها وزير الخارجية الروسي (لافروف) في زيارة لمدة يومين في طهران _ والتي قدم فيها تفاصيل عن ثغرات في مخابرات الحرس الثوري. ربما أيضا أن مجرد كشف اسم (طائب) من قبل إسرائيل كمسؤول عن تخطيط عمليات في تركيا ضد مواطنين إسرائيليين ، ساهم ايضا في انهاء منصبه كرئيس للمخابرات. وفي هذا السياق اقتبست تهديدات رئيس الحكومة نفتالي بينت بالمس بـ “رأس الأخطبوط” وليس فقط بأذرعه. طائب يتطابق مع هذا التعريف ولكن يبدو ان أذرع الاخطبوط التي تحاول العمل في تركيا وفي دول اخرى ، أهم من رأسه القابل للاستبدال.
(طائب) عيّن في هذا المصب في أيار 2019 في إطار اعادة تنظيم للقيادة العليا في الحرس الثوري، والتي بدأت قبل شهر من ذلك بتعيين “حسين سلامي”، قائدا للحرس بدلا من “علي جعفري” – اليوم هو رئيس لمؤسسة “ثقافية” أساس عملها في ادارة “حرب ناعمة” ضد اعداء إيران. سلامي دمج سلطة المخابرات الاستراتيجية مع جهاز مخابرات الحرس ووضع على رأسه (طائب) وعين (حسن محاقق) ، نائبا له.
(طائب ومحاقق) ، هما صديقان ومخلصان لمجتبى خامنئي، ابن الزعيم الاعلى علي خامنئي، منذ خدمتهما في نفس الكتيبة في الحرب الإيرانية العراقية. لاحقا عين (طائب) بفضل هذه العلاقات قائد للباسيج – كتائب المتطوعين التابعة للحرس الثوري ومن شانها أن تضع تحت تصرفه حوالي مليون شخص. كتائب الباسيج جندوا جمعيهم في 2009 من اجل قمع المظاهرات الضخمة التي اندلعت في ارجاء إيران احتجاجا على التزويرات الكبيرة التي ادت الى انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا.
قبل عام ، ألقي على طائب مهمة معالجة “الملف العراقي”، أي ان يشغل الميليشيات الشيعية التي تعمل برعاية إيران وبتوجيهات قوة القدس. هذا على خلفية عدم رضا عن اداء اسماعيل (قائاني) قائد قوة القدس الحالي الذي حل محل قاسم (سليماني)، الذي صفي من قبل الامريكان في 2020. (طائب) عين الان كمستشار لقائد الحرس الثوري، وهو منصب يدلل على تخفيض مكانته، وسيواصل كونه جزء من دائرة المساعدين المقربين لخامنئي وابنه. (طائب) بالمناسبة حذر في نهاية 2019 من نوايا لتصفية سليماني – ولكنه قدر ان هذه العملية ستنفذ على الاراضي الإيرانية على يد عملاء اجانب سيقومون بتفجير عبوة متفجرة كبيرة.
بالتحديد من حل محله، كازمي، والذي كان يقف على راس “منظمة حماية المعلومات” والتي تعمل في إطار الحرس الثوري، كان من شانه ان يتلقى النار بسبب فشل منع المس الإسرائيلي بأهداف إيرانية. حيث انه، في منصبه السابق كان مسؤولا عن سلامة قادة الحرس وعن ديبلوماسيين إيرانيين. لقد وضعت في يديه صلاحيات واسعة للتوقيف والتحقيق ليس فقط مع مشبوهين بالتجسس او التخطيط لعمليات، بل ايضا منتقدين للنظام من الداخل. ان مجرد اقالة (طائب) ، قائد جهاز المخابرات من شانها ان تدلل على انه ليس فقط اخفاقات استخبارية او عملية محددة هي التي ادت الى التغييرات – بل ايضا هنالك ايضا اعتبارات سياسية داخلية وعداوات داخل الحرس الثوري. أحد التقديرات هو ان سلامي، قائد الحرس الذي عين تنآب، خاف من القوة الكبيرة التي جمعها في يديه، سواء على الصعيد العسكري او بسبب علاقاته المباشرة مع خامينئي.
انتقاد من الداخل
المعركة ضد العمليات المنسوبة لإسرائيل على الاراضي الإيرانية وتخطيط عمليات رد وثأر هي فقط جزء من المشاكل التي تقلق الحرس الثوري وخاصة جهاز مخابراتها. هذا الجهاز في حالة تأهب منذ ايار لمواجهة عصيان مدني، مظاهرات، ونشاطات سرية عدائية داخل إيران، ضد النظام. هذه المظاهرات تواصل الحدوث، في الواقع بدرجة اقل نسبيا، ولكن الخوف هو ان تتسع وتهدد استقرار الدولة. السبب المباشر للاحتجاج هو قرار الحكومة بان تقلص بصورة كبيرة الدعم الذي تمنحه لاستيراد السلع الاستهلاكية، بما في ذلك السلع الاساسية. هذا القرار ادى الى قفزة في اسعار زيت الطهي بـ 200% خلال شهر والى ارتفاع اسعار منتجات الالبان بحوالي 50%.
هذا الاسبوع نشر ان الحرس الثوري اعتقل مدراء قنوات تلغرام الذين يشغلونه نظرا لأنهم نشروا نقدا عن الوضع الاقتصادي، وكشفوا مواجهة لفظية حادة في قضية الاتفاق النووي والذي جرت في “مجلس تشخيص مصالح النظام”، وهو أحد الهيئات المهمة جدا في إيران. الطرفان الصقريان كانا رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني وسعيد جليلي الذي كان رئيسا لبعثة المفاوضات للاتفاق النووي.
في البرلمان سمع انتقاد شديد ضد الرئيس ابراهيم رئيسي ووزراء اقتصاده، لأنهم لم ينجحوا في وقف هبوط سعر الريال وكبح التضخم الذي وصل الى اكثر من 80%. حسب بيانات رسمية، فان متوسط اجرة الشقة في إيران قفز بحوالي 100% في العام وان شراء شقق أصبح في غير متناول ايدي معظم ابناء الطبقة الوسطى. “البيروقراطية في هذه الدولة بطيئة، ومتعبة، ومعقدة. وهي مليئة بالفساد وبمن يطلبون المنافع. الجهاز البيروقراطي يخنق الدولة… وسوف يبتلع مواردها ويؤدي الى الافلاس”، حذر عضو البرلمان علي أشقر انابستاني في مقال نشره هذا الاسبوع.
المحرر السابق لصحيفة الحكومية “كيان”، مهدي ناصيري، نشر في موقع “ديدبان – إيران” مقالا لاذعا ضد ما فسره كنية طهران لشن حرب. “يجب تذكير القادة في إيران وبدون علاقة بين حرب كهذه وبين المصالح القومية، فليس لهم الحق في ان يفرضوا حربا او مواجهة ما على المواطنين على اساس ايدولوجيا او تبرير ديني إذا لم يحصلوا على موافقة الجمهور، كتب ناصري. ولكن هذه لم تعد مجرد اصوات منفردة او اصوات تنتشر فقط على الشبكات الاجتماعية في حسابات لمعارضي النظام.
الملف السوري
بؤرة اخرى تشغل القيادة الإيرانية، وخاصة الحرس الثوري وقوة القدس، تتطور في سورية. إيران بدأت في تكثيف وجودها في المناطق التي انسحبت منها قوات روسية. يصعب تقدير كم من بين أكثر من 63 ألف مقاتل، مستشار، مدرب وطيار روسي جاؤوا الى سورية قد غادروها فعلا – من اجل مساعدة القوات المقاتلة في أوكرانيا – وكم منها وضعت في قواعدها وفي مواقع اخرى داخل سورية. لكن حسب ما نشر في سورية، فان إيران احتلت جزءاً من القواعد التي اخلاها الروس: مثل قاعدة ماهين الواقعة شرقي حمص، والذي يوجد فيها عشرات مخازن المعدات والذخيرة، وكذلك قواعد في منطقة مدينة دير الزور والتي كانت تحت السيطرة الروسية.
كما نشر، ان إيران عززت قواتها غربي مدينة (حلب) في منطقة عملت فيها الشرطة العسكرية الروسية، وايضا في منطقة درعا الواقعة جنوب هضبة الجولان السورية. في نيسان زار إيران رئيس المخابرات السورية “علي مملوك “من اجل تنسيق نشاط القوات في سورية. في ايار وصل الى طهران الرئيس السوري بشار الاسد، كما يبدو من اجل التأكد من ان إيران ستواصل مساعدة جيشه، في حالة قررت روسيا سحب جزء كبير من قواتها.
زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف هذا الاسبوع في إيران جاءت على خلفية تهديد تركيا بغزو مناطق اخرى في شمال سورية – وهي خطوة تعارضها بشدة طهران وموسكو. وحتى ان إيران اعترفت للمرة الاولى علنا بانه يوجد خلاف في القضية السورية بينها وبين تركيا، وان اقترابها المتسارع من إسرائيل تزيد ايضا قلقها وقلق روسيا ليس من المستبعد ان الحاجة لتوحيد الصفوف ضد تركيا وضد الولايات المتحدة – والرغبة لإقامة تحالف اقتصادي بين روسيا وإيران من اجل تجاوز العقوبات المفروضة عليها – سيؤدي الى تغيير سياسة روسيا تجاه الهجمات الإسرائيلية في سورية، بصورة من شانها ان تقيّد وربما حتى تمنع تنفيذها.
القرارات الاستراتيجية والسياسية الموضوعة الان امام إيران، في الساحة السورية او اليمنية، في العراق او امام الهجمات الإسرائيلية، وبالطبع في مسالة الاتفاق النووي لا تتخذ على مستوى رئيس المخابرات للحرس الثوري. هي تاتي مباشرة من مكتب خامنئي. المرشد الاعلى يعتمد على مشورات ومواقف سكرتير مجلس الامن القومي “علي شمخاني”، ونصائح مستشاره السياسي علي اكبر ولايتي وقائد الحرس الثوري سلامي. هذه ليست قرارات اعتباطية، وفي النقاشات يشارك عدد كبير من الخبراء والمستشارين الذين يعرضون التداعيات المحتملة لكل خطوة – سواء على الصعيد السياسي الداخلي او على منظومة العلاقات الخارجية لإيران.
للهزة التي تمر بها إيران حاليا مخابرات حرس الثورة لن يكون لها بناء على ذلك تأثير كبير على عمليات اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية. ولكن مثلما في كل تغيير في المناصب، فان التوق لتحقيق نجاح امام إسرائيل ولو نجاح رمزي، تضع تحديا صعبا بشكل خاص امام رئيس المخابرات الجديد، والذي حتى الان لم يظهر في وسائل الاعلام. هذا ازاء التوقعات العالية منه لتسوية الحساب الطويل امام إسرائيل. يوجد الان لتحذيرات السفر للإسرائيليين الذين يسافرون الى تركيا والذي يسكن بها أكثر من 100 ألف إيراني، عامل تهديدي جديد وطموح في طهران.
ملاحظة :
العنوان الأصلي لهذه المادة ، هو \أذرع الأخطبوط الإيراني أهم من رأسه\