التجدد الاخباري – مكتب واشنطن
“بن لادن … والقرص الصلب”
قبل ساعات، عرضت قناة «ناشيونال جيوجرافيك» الأمريكية، فيلمًا وثائقيًّا بعنوان «بن لادن … القرص الصلب»، حول محتويات المخبأ (اكس)، التى عُثر عليها فى مجمع «أبوت آباد» ، التابع لتنظيم القاعدة فى باكستان، بعد قتل أسامة بن لادن، إذ صادرتها فرقة القوات الخاصة، التابعة للبحرية الأمريكية، فى العام 2011.
بالتزامن مع أحداث 11 سبتمبر، يسعى «بيتر بيرجن»، مقدم العرض، ومحلل الأمن القومى فى “سي ان ان” ، لفك شفرات شخصية «ذلك الزاهد الذي يعيش في كهف لأجل مهمة مقدسة» بحسب تعبيره، من خلال الصور والأفلام الإباحية، التي تم اكتشافها على الحاسوب الخاص بـ«بن لادن»، حيث شملت المجموعة 470 ألف ملف رقمي، و250 جيجا بايت من البيانات، وأكثر من 100 (يو اس بي) ناقل، وخمسة أجهزة كمبيوتر، بالإضافة لعدد من الهواتف المحمولة

«الجنون المنحرف» لزعيم القاعدة
ربما كان نقطة الانطلاق الحقيقية لبحث «بيرجن» حول شخصية «بن لادن» في العام 1997، حيث قابله كأول صحفي غربي في لقاء تليفزيوني، لتبدأ مرحلة جديدة من البحث حول «الجنون المنحرف» لزعيم القاعدة بعد اكتشاف محتويات القرص الصلب في العام 2011، إذ يقول محلل الأمن القومي في (سي ان ان) : «عبر استكشاف هذه الأقراص الصلبة، من الواضح أن المعلومات الرقمية يمكن أن تقول الكثير.. إن ملفات أسامة بن لادن تركت وراءها بصمة لرجل غامض مسؤول عن قتل آلاف الأشخاص.. لذك فإن فهمه أمر حيوي من أجل محاربة أشباه بن لادن المحتملين في المستقبل».

يحاول الوثائقي الذي أنتجته «ناشيونال جيوجرافيك» ، أن يفسر الحالة النفسية لـ«بن لادن»، وعلاقته بأسرته، ووجهة نظره حول الإيمان والدين، فضلا عن إرثه من العنف والدمار.
ويطرح الفيلم ، سلسلة متتالية من الفرضيات، طوال ساعة كاملة، عما إذا كان زعيم القاعدة قد استخدم تلك المواد الإباحية ، لتمرير رسائل مشفرة لأعضاء التنظيم من خلالها، خصوصًا أنه كان يخشى استخدام البريد الإلكتروني كوسيلة لإصدار تعليمات إلى عناصره، أو أن شخصية الرجل تحمل من المتناقضات، ما يجعله يشاهد تلك المواد الإباحية كأي شخص عادي، بغض النظر عن الصورة التي يقدمها عن نفسه كمدافع عن الإسلام؛ لكن الفيلم لم يقدم تصورًا كاملا عن أي من الفرضيات التي قدمها، لتصبح مجرد تصورات مبتسرة، إذ غابت الكثير من تفاصيل المراسلات المتبادلة بين «بن لادن» وأعضاء التنظيم، التي تسهم بشكل كبير في رسم صورة أكثر وضوحًا عن ذلك الرجل

رسائل المهمة المقدسة
تشكل الـ49 وثيقة التي كشفت عنها الحكومة الأمريكية، في يناير 2017، من وثائق بن لادن، جزءًا مهمًا من تفاصيل الصورة، ورغم عدم الإشارة لها في وثائقي «بيرجن»؛ فإنها تعطى تفاصيل أكثر دقة عن الطريقة ، التي كان يفكر فيها زعيم القاعدة.
«مسألة خاصة وسرية للغاية» كان عنوان إحدى الرسائل الموجهة من بن لادن إلى أيمن الظواهري، ويدور مضمون الرسالة حول عدم توافر زوجات لأعضاء القاعدة في باكستان مع بن لادن، ما يشكل عبئا نفسيًا عليهم نتيجة الكبت الجنسي، ويطلب من «الظواهري» ، فتوى لتجاوز تلك المشكلة.
وجاء رد الظواهري مكتوبًا «ليس لدينا مانع من التوضيح للإخوة بأنهم في مثل هذه الظروف يمكنهم ممارسة العادة السرية، لأن هذه حالة متطرفة، وافق الأجداد على هذا للمجتمع، ونصحوا الشبان فى وقت الفتح أن يفعلوا ذلك عند الحاجة، ولا شك في أن الإخوة في حالة حاجة ماسة».
يمكننا الآن فهم السياق الذي وجدت فيه الأفلام الإباحية في مجمع «أبوت آباد»، خصوصًا أن الرجل طلب بشكل صريح فتوى لإباحة العادة السرية، له ولمن يرافقونه في «المهمة المقدسة»، لكن عندما نتعامل مع شخصية مثل بن لادن، لا يمكن أن تشكل تلك الرسالة إجابة، إذ تولد الكثير من الأسئلة حول «الكبت الجنسي» في حياة الجهاديين بشكل عام، وعن تعريف «الحاجة الماسة» التي نصت عليها الرسالة.. فهل يمكن أن يكون كل هذا التطرف والعنف وليد تلك «الحاجة»؟!

الكبت الجنسي والجهاد
دائما ما تركز السرديات الدينية الخاصة بالعمل الجهادى على المقابل الجنسى فى الجنة، وكأنه الوسيلة الوحيدة التى يتم بها مكافأة المؤمنين، لذلك تكتظ الكتب الجهادية بوصف الحور العين، وتصور الجنة وكأنها مجرد ساحة خضراء لممارسة الجنس الجماعى، بينما يتم بث جرعة مكثفة من تلك التصورات فى آذان الأعضاء المقبلين على عملية انتحارية، لتذكيرهم بالجزاء العظيم الذى ينتظرهم فى الحياة الأخرى، ويصف الكاتب البريطانى كريستوفر هيتشنز، طبيعة المشكلة بإيجاز قائلًا: «مشكلة الجهاديين لا تتعلق برغبتهم فى العذارى.. بقدر ما يتعلق الأمر بأنهم عذارى».
بعد هجمات 11 سبتمبر مباشرة، قال عالم الأحياء (ريتشارد) دوكينز، إن الدافع الرئيسي للعملية الإرهابية كان جنسيًّا، مشيرًا لأن الخاطفين الـ19 كانوا يبحثون عن 72 عروسًا عذراء ،وهي مكافأة الشهيد.

يرى دوكينز ، أن العنف الجهادي الانتحاري متجذر في الأجواء المكبوتة جنسيًا، المنتشرة في أنحاء العالم العربى، حيث يظل النشاط الجنسي إلى سن متأخرة من المحرمات، وبحسب حجته، فإن وصمة عدم تصالح الإنسان مع احتياجاته الغريزية يخلق إحباطًا، ويتحول لدى بعض الرجال إلى عنف قاتل، كما هو الحال في التنظيمات الإرهابية.
تبدو وجهة نظر «دوكينز» غريبة بعض الشىء.. لكن تلك الحجة يدعمها مخزون غني من الحكايات عن الإرهابيين ومنظريهم، وبالرجوع إلى “سيد قطب”، صاحب الأثر الأيديولوجي الكبير في تكوين «بن لادن»، نجد أنه كان مشمئزًا بسبب الجنس، إذ يذكر في إحدى المقالات التي كتبها عن تجربته في الدراسة في أمريكا، بين عامى 1948 و1951، اشمئزازه من «الفاتنة الأمريكية.. بعيونها المعبرة وشفتيها المتعطشتين.. والثديين المستديرين.. الأرداف الممتلئة.. الفخذين والساقين الأنيقة».
الغريب أن “قطب” في المقال نفسه، أعرب عن صدمته براقصة في كنيسة، مشيرًا إلى أن «الجو كان مليئًا بالرغبة»، فبين الاشمئزاز من الفاتنة والرغبة في راقصة الكنيسة، تظهر حالة من الاضطراب الجنسي، إذ يعلق الكاتب البريطانى، مارتن (أميس) على تلك الحالة ، قائلًا: «رغبات قطب الجنسية التي لم يكن قادرًا على إشباعها جعلته خائفًا.. وقرر تحويل أفكاره للقتل والعنف للتغلب على ذلك الخوف».
في السياق نفسه، تشير (سيمون) كوتي، أستاذة علم الإجرام بجامعة كينت، في كتابها «المرتدون..عندما يترك المسلمون الإسلام»، لأن القائد المزعوم لهجمات 11 سبتمبر، محمد (عطا)، تعرض للقمع الجنسي، مضيفة: «تم تجنيده عن طيب خاطر في مهمة من شأنها أن تنهى حياته وحياة عدد لا يحصى من الآخرين.. لكنه كان مرعوبًا من النساء.. ويرفض مواعدتهن أو حتى مصافحتهن.. حتى أنه أمر في وصيته ألا تقترب من جسده امراة بعد موته.. كانت النساء بالنسبة لـ عطا وأقرانه مصدر ذنب ، وفسخ روحي».
من العربدة للتطرف
على الجانب الآخر، شكل الانفلات الجنسى أيضًا أحد العوامل التى أسهمت في التحول للتطرف، فمن الحقائق الأكثر لفتًا للانتباه كانت موجة تجنيد عدد من الجهاديين الأوروبيين في سوريا والعراق، خلال السنوات السابقة، والمعروفين بعلمانيتهم السابقة، قبل تحولهم إلى الإسلام المتشدد، حيث لم يكن لديهم أي تاريخ من الممارسة الدينية، فضلا عن أن للعديد منهم سجلا إجراميا قبل أن يصبحوا جهاديين.
بالنظر لتاريخ محمد لحويج (بوهلال)، الذى قتل 86 شخصا، فى العام 2016 خلال هجوم إرهابي مروّع، بشاحنة فى مدينة «نيس» الفرنسية، كان له سجل إجرامي، ويشرب الكحول ويتعاطى المخدرات ويقامر، ولا يقوم بأي طقس ديني، فيما ذكر المدعى العام الفرنسى، (فرانسوا) مولينز، أنه «كانت لديه حياة جنسية جامحة حيث يواعد رجالًا ونساءً.. ومهووس بالجنس».
ورغم أن الغموض لا يزال يكتنف التطرف السريع لـ«حوايج بوهلال»، فإن من غير المنطقي استبعاد دور نشاطه الجنسى الجشع، وربما شعوره بالذنب تجاه ذلك، وتحوله إلى قاتل جهادي».

نساء الإرهاب
يظهر التعذيب الجنسى أيضًا في قصص عضوات الجماعات الإرهابية، إذ تشير الأكاديمية الأمريكية (ميا) بلوم، في بحثها حول «المرأة والإرهاب»، إلى أن مشاركة المرأة في الجماعات المتطرفة ، مدفوعة بمجموعة من الدوافع المتداخلة، بما في ذلك الانتقام، موضحة أن عددا من الإرهابيات في الشيشان، ممن نفذن هجمات انتحارية ضد روسيا كانوا ضحايا للاغتصاب.
ولاحظت «بلوم» أن استقطاب النساء للجماعات المتطرفة دائما ما يستخدم فيه جمل من قبيل «لو قتلت الكفار ستدخل الجنة ويسامحك الله على خطاياك السابقة»، ما يجذب الكثير من النساء ضحايا التجارب الجنسية المشوهة، لأن الشعور بالذنب فى تلك المجتمعات يكون عبئا كبيرًا بالنسبة لهن، ما يتسبب بدوره فى الاتجاه للعنف والأعمال الإرهابية.
وفي العام 2015، أجرت «بلوم» تحقيقًا لمدة عام حول مجندة وداعية بريطانية في تنظيم الدولة الإسلامية\داعش، غادرت شرق لندن متوجهة إلى مدينة “الرقة” السورية، العاصمة الفعلية للتنظيم، مشيرة إلى أن هذه المرأة ذهبت للتنظيم فى العام 2014 عندما كان عمرها 22 عامًا، وتنتمي في الأصل لعائلة باكستانية مسلمة، لكنها عاشت حياة بعيدة عن الدين في معظم سنوات مراهقتها أثناء وجودها، ووفقًا لشهادتها، كانت تتبع في السابق نمط حياة متحررًا جنسيًا، لكنها شعرت بالملل والذنب من الطريقة التي تسير بها حياتها ، فقررت الانضمام للتنظيم، معتبرة أن ذلك بمثابة تكفير عن ذنوبها السابقة.
وتذكر الباحثة الأمريكية في دراستها أنه خلال التسجيل كان الجزء الأكبر من حديث الفتاة المنضمة للتنظيم في سوريا يدور حول ضرورة الاحتشام الجنسي، بعد ذكر وقائع حياتها السابقة، مشيرة إلى أن ملامح وجهها كانت تعبر عن قوة كبيرة وعبء نفسى كبير، يشكل دافعًا لتشددها وتطرفها.. لكن ذلك لم يدم طويلًا حيث هربت تلك الفتاة من تنظيم الدولة الإسلامية، هروبًا من الجنس أيضًا، بعد أن حاول الرجال استخدامها للمتعة.
بالطبع لا يمكن اختزال أعمال التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في الجنس فقط.. ولكن أيضًا لا يمكن استبعاد النشاط الجنسى تمامًا.. كعامل مساعد محتمل فى تطوير المتعصبين الجهاديين .. ومن الواضح أن بن لادن (نفسه) ، رأى فى ذلك عاملًا مهمًا في قيادة تنظيمه.
في النهاية، سواء كان الكبت أو الإفراط الجنسي ، دافعًا وراء اعتناق البعض لأفكار متطرفة ، أو زيادة حدة العنف لدى المتطرفين من الأصل، في محاولة للهروب من خوف مرضي ، أو ماض ملىء بالندبات، فإن البيولوجيا- في تلك الحالة- قد تفوقت على الأيديولوجيا، ولا يمكن التفريق في ذلك بين “زعيم للقاعدة” ، وإرهابي تحت التدريب