aren

عندما كانت “أمريكا” أرض تجنيد جهادية؟ \\ بقلم : توماس هيغامر
الأربعاء - 11 - مارس - 2020

عبدالله عزام

عبدالله عزام

\خاص\

التجدد الاخباري – (ترجمة) مكتب بيروت

فى مدينة “إنديانا بوليس” الأمريكية، وفى ليلة رأس السنة الميلادية عام ١٩٧٨، استضاف مركز التعليم الإسلامى ، دعاة بارزين من الشرق الأوسط، وكان من بينهم “عبد الله عزام”، النجم الصاعد فى ذلك الوقت بجماعة الإخوان المسلمين فى الأردن، وكان يبلغ من العمر ٣٦ عاماً، وهناك التقى عزام بطالب سعودى شاب ، يحمل اسماً بات معروفاً للجميع الآن: “أسامة بن لادن”، وقد كانت لحظة التقائهما تاريخية، وبمثابة بداية ظهور شبكة جهادية واسعة فى الولايات المتحدة.

Thomas Hegghammer Square

 هيغامر

إن لقاء (عزام وبن لادن) فى أمريكا لم يكن مجرد صدفة، لقد جاءا هناك لأن الولايات المتحدة ، سمحت لهما ولإسلاميين آخرين، على عكس البلدان الأخرى بالشرق الأوسط، بإلقاء الخطب وجمع الأموال،وتجنيد الأتباع دون تدخل، وتُظهر السيرة الذاتية الخاصة بعزام أنه، فى الثمانينيات، استغل الإسلاميون المتطرفون أراضي الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، لأن أمريكا كانت، لأكثر من عقد من الزمان، من بين أكثر المناطق التي تسمح بتجنيد الجهاديين في العالم.

ولفهم السبب، فإنه يجب على المرء أن ينظر إلى الحرب الأفغانية، فبعد سنوات قليلة من اجتماعهم في ولاية (إنديانا) الأمريكية، شارك “عزام وبن لادن” في تأسيس مكتب الخدمات، وهي منظمة في بيشاور،(باكستان)، تسعى إلى جلب مقاتلين مسلمين إلى أفغانستان، وقاد عزام، بصفته زعيماً لها، جهداً عالمياً لجمع التبرعات والتجنيد، وخاصة من دول الخليج والولايات المتحدة.

وعلى الرغم من وجوده في باكستان منذ عام ١٩٨١، فإن عزام كان يزور الولايات المتحدة مرة واحدة على الأقل كل عام، وبحلول نهاية العقد كان قد زار (نيويورك وتكساس وكاليفورنيا وسياتل) والعديد من الولايات الأخرى، وكانت الرسالة هي نفسها دائمًا: يجب على المسلمين في أمريكا القتال في أفغانستان، أو على الأقل التبرع بالمال للجهاد، ولم يكن يتحدث عزام بشكل سرى، ولكنه كان يتحدث في أماكن مفتوحة ومكشوفة، وأصبحت السلطات الأمريكية على علم بهذه الأنشطة في أواخر الثمانينيات، لكنها لم تعتبر عزام تهديداً.

عزام

وفي كانون أول\ ديسمبر ١٩٨٤، أطلق عزام مجلة “الجهاد”، وهى مجلة شهرية تصدر باللغة العربية، تهدف إلى زيادة الوعى بالقضية الأفغانية، وفى غضون ٨ أشهر ، كان لدى المجلة ، موزع أمريكي، وبحلول أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بات لديها شبكة واسعة من الوكلاء، الذين كانوا يبيعون آلاف النسخ كل شهر، مما جعل أمريكا ،واحدة من أهم الأسواق للمجلة.

ولم تتوقف أنشطة عزام عند هذا الحد، ففي أواخر عام ١٩٨٧ اقترحت عليه مجموعة من الناشطين في بروكلين ، جعل المنظمة غير الحكومية ، التي كانت قد تم إنشاؤها حديثاً، مركز الكفاح للاجئين، هي الفرع الأمريكي لمكتب الخدمات، وهو الاقتراح الذي أسعد (عزام) للغاية.

وسرعان ما أنشأ مركز الكفاح ، فروعاً إقليمية في (أتلانتا وبوسطن وشيكاغو وتوكسون)، حتى إنه بات لديه خط ساخن يمكن للناس الاتصال به لسماع نشرة أخبار مسجلة حول الجهاد في أفغانستان.

وكانت ثمرة هذه الجهود، هي انضمام مئات المسلمين من جميع أنحاء أمريكا إلى الجهاد في أفغانستان، وحتى إن بعضهم أصبحوا شخصيات بارزة في الحركة الجهادية الناشئة، وصحيح أن الأمريكيين، كانوا أقلية في المجتمع العربي الأفغاني، لكن مهاراتهم اللغوية ،ومستوى تعليمهم العالي أعطاهم أهمية كبيرة.

ولكن كيف كانت أمريكا أرضاً خصبة لقيام عزام بتجنيد الجهاديين؟

السبب الرئيسي، هو أن أمريكا كانت توفر حريات سياسية لا مثيل لها في العالم، حيث كان يُنظر إلى عزام وزملائه على أنهم نشطاء دينيون، الأمر الذي كان هناك تسامح كبير معه في الولايات المتحدة، كما لم تكن الحكومة الأمريكية ،تعتبرهم يشكلون تهديداً على الأمن، وذلك لأنه في ذلك الوقت، لم يكن (الإسلاميون السُّنة) قد ارتكبوا أي هجمات إرهابية في الغرب أبداً.

gfrr

وكانت الولايات المتحدة ،هي الدولة الوحيدة خارج باكستان ، التي مكنت عزام من إنشاء فرع رسمي لمكتب الخدمات بها، فحتى السعودية لم تسمح له أبداً بفتح مكتب على أرضها، كما كانت دول الشرق الأوسط الأخرى أكثر عدوانية تجاهه، فقد تمكن من زيارة السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن (فقط) في الثمانينيات، أما بقية الدول فقد منعته من الدخول، كما قررت الأردن منعه من الدخول بعد ١٩٨٤.

وكانت أمريكا أيضا بمثابة واجهة مريحة لعزام، فمن خلال تأشيرة واحدة فإنه يمكنه الوصول إلى مجتمع كبير ثري أحادي اللغة، ولكن على النقيض من ذلك، فقد كانت أوروبا أكثر تعقيداً، حيث كان يحتاج إلى تأشيرة ولغة جديدة لكل بلد يزوره، وقد قام عزام بزيارة العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، لكنه لم يحاول أبداً إنشاء بنية لتجنيد الجهاديين في أوروبا، مثل تلك الموجودة في أمريكا.

ومما ساعد عزام أيضاً ،هو الوجود القوي للإخوان المسلمين في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وخاصة في المجتمعات الطلابية المسلمة، فقد سمحت له خلفيته المرتبطة بالجماعة بالتواصل بسهولة مع الناشطين في جميع أنحاء أمريكا خلال ذلك العقد.

ولكن ملاذ الجهاديين في أمريكا ،لم يدم طويلاً، وذلك لأنهم سرعان ما لجأوا للعنف، ومع تكرار الحوادث الإرهابية فإنه قد تم التدقيق بشكل أكبر فى الشبكات الجهادية في الولايات المتحدة، وبعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ تحول هذا التدقيق إلى حملة ضد الإرهاب، واليوم تعد أمريكا واحدة من أكثر دول العالم عدائية للجهاديين.

وقد انتهت قصة عزام وشبكته الأمريكية بشكل سيئ للغاية بالنسبة له، ففي أواخر ١٩٨٩ ، اغتيل عزام في بيشاور على أيدى جناة مجهولين، وبعد فترة وجيزة اندلع الاقتتال الداخلي في مركز الكفاح، وبلغ ذروته بمقتل زعيمه، (مصطفى شلبي)، في ١٩٩١، وفي عام ١٩٩٣ تم إغلاق المركز، كما تم حل مكتب الخدمات في عام ١٩٩٥، ولكن قصة أسامة بن لادن ،كانت مختلفة، فقد واصل بناء تنظيم “القاعدة”، وأعلن الحرب الشاملة على الولايات المتحدة، كما كان هو العقل المدبر لهجمات ١١ سبتمبر، التي أدت لشن الحرب على الإرهاب، بكل تبعاتها المأساوية.

https://www.theatlantic.com/politics/archive/2020/03/jihad-abdallah-azzam-america-osama-bin-laden/607498/

توماس هيغامر – كبير الباحثين في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية ، وأستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة أوسلو. وهو مؤلف كتاب “القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي”.