aren

عمليتان خلال 5 أيام : حرب “عالمية” أم “قتال عصابات” ؟!
الخميس - 1 - سبتمبر - 2022

لحظة اغتيال الابنة (داريا) ويظهر في الصورة الاب “ألكسندر” وهو يضع كلتا يديه على رأسه متأثرا من هول المشهد

خاص

التجدد الاخباري – مكتب بيروت

أعلنت السلطات الروسية ، تحديد هوية مشتبه فيه (ثان) في عملية اغتيال ، ابنة المفكر الروسي “ألكسندر دوغين”، المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين. وذكرت تقارير روسية “نقلا” عن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ، أن المشتبه فيه الثاني ، هو أوكراني الجنسية ، واسمه (بوغدان تسيغانينكو) . وبحسب الجهاز الأمني، فقد زوّد “تسيغانينكو”، المشتبهة الرئيسية في عملية الاغتيال بوثائق مزورة ،مثل بطاقة هوية ورخصة قيادة ، وساعدها في إعداد القنبلة ، التي استخدمت في الهجوم.

صورة شخصية للمشتبه به الثاني “بوغدان تسيغانينكو” كشف عنها جهاز الامن الفيدرالي الروسي

وقال : إنه ثبت بالدليل القاطع أن عملية الاغتيال ، جرى التخطيط لها في موسكو من طرف شخصين ينتميان إلى مجموعة “التخريب والإرهاب” الأوكرانية. وأضاف أن “تسيغانينكو”، المولود عام 1978، وصل إلى روسيا عبر أستونيا في 30 تموز\ يوليو الماضي، وغادر قبل عملية الاغتيال بيوم.

هنا \\ قراءة في الحدث ، ومجرياته

حرب عالمية أم قتال عصابات؟

«هل دخلت الأزمة الروسية الأوكرانية فصلًا جديدًا من حرب الاغتيالات؟».. هكذا صارت النبرة التى يتساءل بها المحللون السياسيون حول العالم، بعد عمليتي اغتيال نفذت ضد الجانب الروسي في أقل من خمسة أيام.

فقد نقلت وكالة «تاس» الروسية – يوم الأربعاء الماضي- عن عضو المجلس الرئيسي للإدارة العسكرية والمدنية لـ”زابوريجيا”، أن رئيس الإدارة العسكرية والمدنية لمنطقة «ميخائيلوفكا» في “دونيتسك” بشرق “أوكرانيا” تم اغتياله في انفجار عبوة ناسفة، كانت مثبتة تحت مقعد سيارته، لتصبح ثاني عملية اغتيال ضد شخصيات روسية.

وبنفس الطريقة، نفذت عملية الاغتيال الأولى، والتي استهدفت الصحفية الروسية «داريا دوغين».. ففي مساء الـ20 من آب\ أغسطس الجاري، هز انفجار كبير إحدى ضواحي قلب العاصمة الروسية – موسكو. وذلك، بعد انفجار سيارة بالقرب من قرية “بولشي فيازيومي”، وبداخلها الصحفية الروسية “دوغين” ابنة الفيلسوف الروسي، المشهور بـ(عقل بوتين المدبر)، و(المرشد الروحي) \ ألكسندر دوغين” في عملية، وصفتها السلطات الروسية بأنها عملية اغتيال دبرتها أجهزة المخابرات الأوكرانية.

آخر صورة لـ”دوغين”قبيل اغتيالها ويظهر الى جانبها والدها

من هما “داريا، وألكسندر دوغين”؟

نشأت “داريا” في “موسكو”، ودرست في جامعة موسكو الحكومية، حيث كان والدها رئيسًا لعلم الاجتماع والعلاقات الدولية في ذلك الوقت. وبعد تخرجها، انخرطت في”الحركة الأوراسية” لوالدها، وهي مجموعة سياسية، أسسها والدها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد ترك الحزب البلشفي الوطني.

وبالإضافة إلى عملها كمعلق سياسي للحركة، وسكرتيرة صحفية لوالدها، إلا أن “دوغين” ظهرت في العديد من القنوات التليفزيونية الروسية، وعرفت بتأييدها للعملية العسكرية الروسية في «أوكرانيا».

وفي نيسان\أبريل الماضي، أُضيفت الصحفية الروسية إلى قوائم العقوبات في “المملكة المتحدة” و”الولايات المتحدة”، وذلك بعد أن اتهمها الغرب بأنها “مساهم في التضليل فيما يتعلق بأوكرانيا” على منصات مختلفة على الإنترنت. ومع ذلك تفاخرت “داريا”– علانية- بمكانتها ومكانة والدها في قوائم العقوبات الغربية.

ويذكر أنها قبل أسابيع قليلة من مقتلها، زارت (ماريوبول، ودونيتسك)اللتين تقعان تحت السيطرة الروسية، من أجل إظهار دعمها للقوات الروسية.

أما والدها “ألكسندر” ،فقد شارك في تأسيس الحزب البلشفي الوطني في عام 1993، بعد انهيار (الاتحاد السوفيتي)– سابقًا- في عام 1991. لكنه، ترك الحزب ليؤسس الحزب الأوراسي. وفي عام 1997 ، نشر كتابًا بعنوان: (أسس الجغرافيا السياسية)، الذي وضع وجهة نظره العالمية “الأوروبية الآسيوية الجديدة”؛ داعيًا (روسيا) إلى استعادة أراضيها السابقة، بمساعدة بعض الحلفاء، وإنشاء إمبراطورية لمنافسة النفوذ الغربي. كما يشاع أن “ألكسندر” دعا- أيضًا- إلى ضم (شبه جزيرة القرم) منذ عام 2008، أثناء الأزمة الروسية مع (جورجيا). وعندما قامت (روسيا) بضم شبه الجزيرة فس عام 2014، دعا إلى حرب أوسع في (أوكرانيا)، والتي- غالبًا- ما كان يشير إليها باسم «روسيا الجديدة».

إفادة التحقيقات الروسية

قال فرع لجنة التحقيق لمنطقة “موسكو”، إن الانفجار نجم عن قنبلة زرعت في سيارة “تويوتا لاند كروزر”، كانت تقودها الصحفية الروسية المقتولة. من جانبه، أكد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أن امرأة أوكرانية ، تدعى “ناتاليا فوفك” من مواليد عام 1979، مرتبطة بالأجهزة الأمنية في (كييف) وراء اغتيالها؛ مؤكدًا أنها انتقلت إلى (روسيا) في 23 من تموز\ يوليو الماضي مع ابنتها الصغيرة؛ مضيفًا أنها فرت بعد الجريمة إلى “إستونيا”.

وأوضح الجهاز الروسي ، أن المرأة استأجرت شقة في نفس مبنى (داريا) لمدة شهر ، استعدادًا للهجوم؛ مشيرًا إلى أنها تابعت هدفها عبر “موسكو” في سيارة “ميني كوبر”، استخدمت ثلاث لوحات ترخيص مختلفة. ومن ثم، أصدر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي مقطع فيديو ، يظهر سيارة المشتبه بها، وهي تدخل (الاراضي الروسية)، ثم دخولها مبنى دوغين”، ومغادرة (روسيا)– فى النهاية- إلى “إستونيا”.

صورة عن البطاقة الشخصية للمشتبه بها “ناتاليا فوفك” في تنفيذ عملية الاغتيال لـ(دوغين) كشف عنها جهاز الامن الفيدرالي الروسي

ورغم الأقاويل ، التي انتشرت ، بأن والدها (ألكسندر) ، كان هو المقصود من هذه العملية، إلا أن مصدرًا في جهاز إنفاذ القانون الروسي أفاد لوكالة “تاس” الروسية، بأن اغتيال الصحفية الروسية “داريا دوغين” ، كان مخططًا له مسبقًا؛ قائلًا إن: (أولئك الذين خططوا لقتل “داريا دوغين” ، درسوا روتينها اليومي، وعاداتها. وعندما فجروا العبوة الناسفة عن بعد، كانوا متأكدين من أن “دوغين” كانت بمفردها، إذ لم يكن والدها هدف القتلة».

رد فعل «موسكو»

منذ اللحظات الأولى لإعلان خبر مصرع “دوغين”، لم يهدأ للمسؤولين الروسيين بال، مهددين ومتوعدين كل من شارك وساهم في هذه العملية برد فعل عنيف.

من جانبه، بعث الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، رسالة تعزية إلى أسرة الصحفية الروسية. ووصف جريمة قتلها بـ”الدنيئة، والقاسية”؛ بينما كتبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” أنه إذا تأكد التورط الأوكراني في الحادث ، فسيتعلق الأمر بسياسة إرهاب الدولة التي يطبقها نظام “كييف”.

أما والدها “ألكسندر دوغين” فقد أشاد بابنته؛ قائلًا: (لقد ماتت من أجل روسيا، ومن أجل الشعب)، فيما وصفها النواب الروس بأنها “محاربة من أجل سيادة روسيا”.

الراحلة “دوغين” – الثالث من اليمين- في زيارة الى كل من (لبنان وسورية) مع عدد من الناشطين العرب

وبالنسبة لمندوب (روسيا) الدائم لدى الأمم المتحدة، فقد ندد برد الفعل الغربي على مقتل “دوغين”، خلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي، الذي عقد في الأسبوع الماضي؛ قائلًا: (لم نسمع أي إدانات من الغرب حيال اغتيالها، كما لم نسمع أي إدانات للدعوات المقلقة من بعض المسؤولين الأوكرانيين لقتل أكبر عدد من الروس). وأدى مقتل (داريا دوغين) إلى تصاعد الدعوات الروسية برد قوي على “كييف”، فيما دعا والدها إلى اتخاذ خطوات أكبر من الانتقام لمقتل ابنته.

يذكر أنه جاءت المطالب الروسية بالانتقام في الوقت الذي كانت فيه “أوكرانيا” ، تستعد للاحتفال بمرور 31 عامًا على الاستقلال ، يوم الأربعاء الماضي، والذي تزامن مع مرور ستة أشهر منذ بدء العملية العسكرية الروسية في “أوكرانيا”، وهو ما دفع وزارة الخارجية الأمريكية للتحذير من أن (روسيا) ، تكثف جهودها لمهاجمة البنية التحتية المدنية الأوكرانية، والمنشآت الحكومية. وقد دفعت المخاوف من هجوم روسي متصاعد على “كييف” إلى حظر الأحداث العامة، بينما فرضت مدينة “خاركيف” حظر تجول ليلي.

نفي الاتهامات الروسية

الاب في وداع ابنته

في مقابل الاتهامات الروسية، نفت (أوكرانيا)، و(إستونيا) تورطهما في هذا الأمر ، حيث قال سكرتير مجلس الأمن والدفاع الأوكراني “أليكسي دانيلوف”، إن (أوكرانيا) لا علاقة لها بالتفجير؛ ساخرًا أن لديهم مهام أكثر أهمية.

كما اتهم (دانيلوف) ، (موسكو) ، بأنها كانت تخطط لسلسلة من الهجمات داخل “روسيا”، في محاولة منها لتعبئة الرأي العام والسكان، الذين كان دعمهم للعملية العسكرية الروسية في (أوكرانيا) ، يتضاءل.

من جانبه، اعتبر مستشار مكتب الرئاسة الأوكراني “ميخايلو بودولياك” أن الدعاية الروسية تعيش في عالم خيالي؛ مضيفًا أن تفجير السيارة كان جزءًا من صراع داخل الخدمات الخاصة الروسية.

أما “إستونيا” فقد رفضت الاتهامات الروسية، بأن قاتلة “دوغين” قد فرت عبر حدودها، ووصفت الاتهامات بأنها “استفزاز في سلسلة طويلة جدًا من الاستفزازات من قبل روسيا”.

على كل، اعتبر العديد من المحللين السياسيين، أن حادث (داريا دوغين)، ومن بعدها رئيس الإدارة العسكرية والمدنية لمنطقة (ميخائيلوفكا) في “ونيتسك”، مجرد بداية لفصل جديد في الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ صار من المعتقد أن حادثتي الاغتيال قد تؤديان إلى تفاقم العداوات بين (روسيا)، و(أوكرانيا).