
رئيس روسيا الاتحادية “فلاديمير بوتين”
بشكل “رهيب” … الرئيس “بوتين” يشن حملة تطهير كبيرة في مؤسسات الدولة الروسية تصل الى مستويات رفيعة … وترعب أقرب المقربين منه في “الكرملين”.
عمليات التطهير واسعة الطيف… تبدأ من مستشاري الرئيس “شخصيا”… وتطال حتى المسؤولين المتقاعدين ورؤساء الوزراء السابقين ، ونواب رؤساء الوزراء ، والوزراء أنفسهم ، وكذلك من كانوا يعتقدون بأنهم في مأمن… بالاعتماد على آلية (المحسوبيات) والواسطة.
عمليات التطهير ، تشمل الأعضاء السابقين في الحكومة الفيدرالية، والذين ظهروا في العديد من الصور الرسمية إلى جانب الرئيس ورئيس الوزراء (ميدفيديف) ، وغيرهم من أعضاء الطبقة الحاكمة في روسيا.
“استراتيجية بوتين” في محاربة الفساد ، مفادها : ” يجب على الفاسدين أن يفهموا بان الاٍقالة من مناصبهم ، بعيدا عن كونها نهاية حلقة غير سارة ، قد تكون مجرد بداية لشيء أسوأ”.
(خاص) مكتب واشنطن \موقع التجدد الاخباري\
أماطة اللثام ” مصادر روسية خاصة ” لموقع التجدد الاخباري ، عن عمليات تطهير سياسية رفيعة المستوى، تجري باشراف (مباشر) من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وان نتائجها انتشرت على أكثر من صعيد محلي في الآونة الأخيرة.
الحملة ، التي انطلقت أواخر شهر مارس \ آذار ، وصفتها المصادر ذاتها ، بانها تأتي “بشكل رهيب”، وقد بدأت مع اعتقال ميخائيل (أبيزوف) ، الوزير السابق للشؤون الحكومية المفتوحة ، و-بعد يومين– (فيكتور) إشاييف ، وزير الشرق الأقصى السابق ، والحاكم السابق لمنطقة (خاباروفسك) الروسية.
وكشفت المصادر نفسها ، ان السلطات الروسية ، وفي اطار هذه الحملة ، التي يقودها بوتين (شخصيا)، قامت (مؤخرا) ، بسجن ثلاثة وزراء سابقين في الحكومة الفيدرالية ، وفريق من المسؤولين الإقليميين ، بعد توجيه تهم لهم بالفساد، أو التزوير.

وزير التنمية في الشرق الأقصى فيكتور (إيشاييف) ، إلى اليسار ، في اجتماع يوم (سابق) مع الرئيس فلاديمير بوتين.

(إيشاييف) محتجزا في الزنزانة القضائية
ووفق الاحكام القضائية الصادرة بحقهم ، فقد حكم على وزير التنمية الاقتصادية (السابق) أليكسي (أولوكاييف)، بالسجن لمدة ثماني سنوات ، وخضع الرئيس السابق لجمهورية كومي الروسية (فياتشيسلاف) جايسر، للمحاكمة حيث من المرجح ،ان يواجه عقوبة بالسجن، لمدة تصل إلى (21) عاما.
كما حكم على ألكساندر (خوروشافين) ، حاكم منطقة ساخالين – سابقا بالسجن لمدة (13)عاما ، وأمرت المحكمة الروسية بحبس نظيره ، حاكم منطقة (كيروف) ، يدعى (نيكيتا) بيليخ – والذي ترأس الحزب السياسي الليبرالي المنحل الآن – لمدة ثماني سنوات.
في هذا الاطار، أصدرت المحكمة العليا بروسيا الاتحادية ، وهي الدرجة النهائية في القضايا (الإدارية – المدنية – الجنائية)، حكما باعتقال سيناتور مجلس الاتحاد الروسي ،رؤوف (أراشوكوف) ، في قضيتي : “قتل” ، و”مشاركة في مجموعة إجرامية”.
وتشير المصادر ، الى انه في الواقع ، “تعد هكذا عمليات داخل الهيكلية الادارية الروسية ، من تطهير وإقالات وملاحقات قضائية ذات المستوى الأدنى ،مسألة عادية ” ، وتضيف ” غير ان المستغرب في الحملة الاخيرة ، أن الملاحقة والتهم القضائية ، قد وجهت الى (شخصيات بارزة) داخل أجهزة الدولة الروسية ، مما سيكون له تأثير كبير وتداعيات جمة على النخبة في البلاد”.
وفي “قراءة تاريخية” وجيزة ،لهذه التحركات داخل مؤسسات الدولة في روسيا ، يرى عدد من المتابعين ، وخبراء الشأن الروسي ، ان عمليات التطهير الكبرى ، كانت “نادرة نسبيا” في الاتحاد السوفيتي ، عقب وفاة (جوزيف ستالين) في عام 1953.
وأن الامر نفسه ، انطبق على “روسيا” مابعد الاتحاد السوفيتي ، قبل بضع سنوات ، على الرغم من أن العديد من كبار مسؤولي الإحصاء ، سجنوا بسبب الفساد في عام 2004، بعد محاكمة دامت لست سنوات.
وهو ما اعتبار- حينها – بمثابة أعادة لأحداث حقبة سابقة : ففي الفترة ما بين 1918 و 1941، كان هناك ثمانية رؤساء في جهاز الإحصاء، خمسة منهم أطلق عليهم الرصاص بين عام 1937 و 1939، أمام أعين (ستالين).
لكن في فترة (مابعد) الحقبة السوفيتية، اعتبر رؤساء الوزراء السابقون ، ونواب رؤساء الوزراء ، والوزراء أنفسهم عموما ، أنهم في مأمن من هذا الخطر ، ولقد اعتمدوا على التضامن القائم ، وفق مفهوم (المحسوبية)، واعتقدوا أن النظام لن يسمح باعتقال كبار المسؤولين المتقاعدين.
وتدليلا على صحة التفسير السابق ، تستشهد جهات متابعة للشؤون الروسية ، انه حتى السياسي المعارض “بوريس نمتسوف”، الذي قتل بالرصاص في موسكو عام 2015، “كان يعتقد أنه لن يتعرض لأي مكروه من قبل الدولة ، لأنه كان نائبًا لرئيس الوزراء – سابقا”.
وتلفت هذه الجهات ، الى انه سواء كانت الدولة متورطة في قتل (نمتسوف) أم لا، فإن الاعتقالات الأخيرة لـ(أبيزوف وإيشاييف) ، أكدت هذه الافتراضات ، وانها تشير إلى أن عمليات التطهير واسعة الطيف ، التي نفذها الرئيس بوتين، ستشمل الأعضاء السابقين في الحكومة الفيدرالية، الذين ظهروا في العديد من الصور الرسمية إلى جانب الرئيس ، ورئيس الوزراء (ميدفيديف) ، وغيرهم من أعضاء الطبقة الحاكمة في البلاد. وتكشف تلك الجهات ، ان السلطات الروسية ، ستبدأ من 2018-2020 ، “تحقيقا جنائيا سنويا” مع رؤساء المحافظات ، ونوابهم ، ومع رؤساء البلديات (العمد).

(أبيزوف) محتجزا داخل الزنزانة

ديمتري (ميدفيديف) وميخائيل (أبيزوف)
وفي السياق ذاته ، تكشف المصادر لـ”موقع التجدد” ، عن سيناريو (مبكل) محكم البداية والختام ، كان قد جرى لالقاء القبض على كل من (أبيزوف وإيشاييف) بالجرم المشهود ، حيث عمدت وكالات إنفاذ القانون الروسية ، الى القيام بجمع أدلة ضدهما (أبيزوف وإيشاييف) لسنوات ، بينما كانا يواصلان العمل كوزراء في الحكومة، وفي خطوة عميقة الدلالة والغاية، كان (تم) تعيين “أبيزوف” في عام 2018،مستشارا لـ(بوتين).
وهو مادفع البعض داخل الاوساط الروسية (السياسية -الاقتصادية -الاجتماعية) الى طرح التسؤل التالي :”هل يجب أن نعتقد حقا أن رئيس الدولة لم يكن يعرف شيئا عن التلاعب التجاري (إن وجد على الإطلاق) لمسؤول رفيع المستوى في الكرملين؟”. ووفق تقارير (ميدانية-استقصائية) منسوبة للصحافة الروسية (شبه المستقلة) ، فان الشارع الروسي، يبدي تعاطفه مع رسالة بوتين ، التي مفادها : “أن المؤسسة تحارب الفساد”.
حيث يظهر مدى استجابة المواطنين الروس لهذا الحملة ، ان ثمة انقسام حولها ، اذ يسود الاعتقاد في الدخل الروسي – للوهلة الأولى – انه قد تؤدي هذه الاعتقالات الأخيرة إلى زعزعة الثقة في السلطات الحاكمة، فيما يبدو ان الرأي العام ، لا يعير أي اهتمام لهذه الحملة ، فمعظم الروس لا يرون أي صلة بين محاكمة الشخصيات البارزة ، ومصداقية السلطات.
ولكن – بحسب محللين روس– فان الأكثر أهمية بهذه الحملة (البوتينية) ، انها تحمل رسالة موجهة إلى النخب المضطربة في روسيا ، وهذه الرسالة واضحة : ” لا أحد في مأمن من العقاب،حتى لو تقاعدوا من الخدمة العامة،ولم يعد لهم أي تأثير – مثل أبيزوف وإيشاييف”.
من ناحية أخرى ، تذكر المصادر، انه بالتوازي مع حملة التطهير الاداري ، ومكافحة الفساد بهياكل الدولة الروسية ، أصبح مايسمى “القمع الانتقائي” أشد قسوة ، فقبل بضع سنوات، تم كشف ومعاقبة الأطراف المذنبة ،كما حدث مع الرئيس السابق لجهاز الجمارك الفيدرالية أندريه (بيليانينوف)، عندما نشرت السلطات “شريط فيديو” عن البحث الذي قامت به حول قصره الفاخر، مع صور لصناديق الأحذية المليئة بالدولارات.
وتضيف هذه المصادر، انه في هذه الأيام، يتم القبض على “المشتبه بهم” على الفور، خاصة إذا ماكان الرئيس بوتين ، “مهتم بهم” ، وبحسب هذه المصادر، فان هذا ما حصل تماما مع كل من(أولوكاييف وبليخ)، اللذان كانا ينتميان إلى مجموعة من الليبراليين في النظام، وكذلك (أبيزوف)،الذي كان يعتبر رجل (ميدفيديف)، وتذكر هذه المصادر، “انه إذا كان اعتقال أبيزوف يثير قلق ميدفيديف، فإن ذلك سيكون أفضل”.
وفي اطار التفسير الاقرب لفهم هذا التحرك الملفت (مؤخرا) على مستوى “التطهير ومكافحة الفساد” في أوساط النخب بروسيا ، من قبل “الرئيس” شخصيا ، فإنه وبحسب بعض المتابعين ، أسلوب مبتكر لتذكير النخب الروسية ، بأن لا أحد في مأمن من المقاضاة ، وهو أفضل طريقة بالنسبة لبوتين ، لإبقائهم في حالة تأهب، علاوة على ذلك ، تقوم استراتيجة بوتين في هذا المجال على نظرية ، مفادها : “يجب أن يفهموا أن الاٍقالة من مناصبهم، بعيدا عن كونها نهاية حلقة غير سارة، قد تكون مجرد بداية لشيء أسوأ”.
كما تبعث عمليات التطهير (الحالية) ، برسالة إلى الجيل القادم من المسؤولين في روسيا، والتي معناها : أنهم سيلقون العقاب عن السلوك السياسي ، غير المناسب ، أو التركيز المفرط على مصالحهم التجارية الخاصة، وفي مقاربة (غير) بعيدة زمنيا، فقد قامت عمليات التطهير (نفس الدور) تقريبا في عهد القائد (ستالين).
وفي “ملمح آخر” من ملامح الاستراتيجية البوتينية ، والموضوعة حاليا ، لتحديث حقيقي بمؤسسات الدولة الروسية وهيكلتها الادارية ، تكشف المصادر ” ان بوتين يفضل إسناد المناصب الوزارية والحكومية للتكنوقراط الجدد ، على اعتبار انهم مسؤولون مخلصون ، تتراوح أعمارهم بين 40 و 50 عاما، ويفضل أن لا ينتمون إلى أي نخبة محلية”.