(خاص)
التجدد الاخباري
في إحدى ليالي صيف دمشقي عام 1985 ، احتار الأصدقاء أين يمكننا السهر، وفي آخر المطاف استقر الرأي على مطعم فندق مقابل أوتيل الشام .
ما أن بدأ برنامج السهرة حتى أطل راغب علامة، وكان وقتها يحبو إلى الشام، ولأننا كنا على الطاولة الأولى قرب “البيست” اقترب منّا، وسأل الصديق العزيز الدكتور مازن علّوش ، الذي كان الأقرب إليه: “شو بيحبوا يسمعوا الأساتذة ؟”.
الدكتور مازن يتكلم عادة بصوت خفيض، وأحياناً يمغمغ الكلمات، وغالباً ما تقرب أذنك من فمه لتسمع جملته وتستكمل نكتته ، لكنه هذه المرة رفع عقيرته وأجاب علامة بلكنته الدمشقية: ” ليش أيمتى بيطلع المطرب؟! .
انكفأ علامة وكأنك دَلقتَ عليه سطْلَ ماء بارد، ثم تمالك حبال بلعومه وبدأ وَصلَته وتابعنا طعامنا ، ويا ليته انكفأ بعد نكعةِ الدكتور علوش عن الفن والغناء .

طبعاً، كان الندماء الحاضرون جميعاً على ريقٍ طربي مغاير ، فيما كنت، ولا أزال ، أعتبر الأصوات التي على شاكلة ما يخرج من “زلعوم ” علامة نوعاً من النقيق ، لأن ذائقتي تعود إلى أصوات طالعة من “صافي” و “فيروز” و” نصري”، لا إلى صوت ” خنثوي “رخوٍ لا يحمل هوية ولا يحرّك شعرة في جسد كائن، أو يجعل رأساً بشرياً يميل.
المهم، كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي أحضر فيها حفلة للكائن الذي أعطاه بعض المتملقين صفة ” سوبر ستار” وهو لا يصل إلى مرتبة “ كومت ستار”(مذنّب) في الصوت طبعاً.
تابع علامة طريقه في الزمن الرخو، كصوته، وبات لديه معجبين من الرخويات ، وأغاني تذاع هنا وهناك ، وحفلات، وهذا حقٌّ له ولمن أحبه، لكنه منذ بدايته كان “زحفطونياً” في السياسة ، والزحفطة كلمة شقعها الراحل سعيد تقي الدين من ” الزحف على البطون”، وما أن حلّت الحريرية في لبنان حتى نافسَ هند الحريري في محبة أبيها، والشيخ سامي في محبة التبولة، والغريب أن بعض القوميين انفعطوا بكلام له عن أنطون سعادة(!!!)، وكأن الشويري البهي كان يتحرق شوقاً لأغنية ” شفتك اتلخبطت”.
لم يكتفِ الزلمة بما حققه ، أو بما خرّبه في الذائقة، بعد أن صار محكّما للمواهب، وأقلها أهمُّ من صوته، بل صار مهووساً بإطلاق أفكار سياسية ” خرندعية” هنا وهناك، حتى لتشعر أنه بسماركي الانتماء والإرادة أو أرسطوطاليسي الهوى !!!، ومع تمسّحهِ بالحريريين وغيرهم من ساسة لبنان التيرسو ، يطلق تصريحات لا يعجبه فيها العجب ولا الصيام في ذي القعدة.
من أواخر “تجلياته” مسح البلاط الإماراتي، وقوله :” إن الشيخ محمد بن زايد هو رئيس دولتي …القيادة الإماراتية تمثلني، القيادات في لبنان لا تمثلني” ولإكمال فركِ وتلميع البلاط يتابع صاحب الصوت الباڤاروتي “أعتزّ اعتزازاً غير عادي بانتمائي إلى الإمارات العربية المتحدة..من يحكمني في دبي هو الشيخ محمد بن راشد..المتطور والعظيم”.
شو هالفينيئي الراكع على مذبح الغاز والمقعي على بلاط الدرهم ؟!
شو هالزمن الذي بات فيه مطربو الاستسهال والإسهال الفني يُفتون في الهوية والانتماء ؟!.
شو ها الدني الغريبة اللي انقلب عاليها..سافلها؟!.
شو ها الإيام اللي وصلنالا يا زياد؟! .
اسألوا عن قصة الرحباني زياد مع “المطرب” غالب عنتر ، واقلبوها على راغب شيبوب.
و ..”أيمتى بيطلع المطرب” ؟.