aren

“سورية”وقيصر و…امرأته \\ بقلم : غسان الشامي
السبت - 20 - يونيو - 2020

سورية

طبعاً ، لا يمكن إلاّ للسذج ، تصديق أن قانون “قيصر” جاء بناء على تسريب شخص مجهول -يدعي أنه سوري- صوراً لضحايا “تعذيب” بين عامي 2011 و 2014 ، أو أن عميلاً من هنا أو من هناك ، مثل (نزار زكا) اللبناني ، الذي كان مسجونا في طهران،أو غيره من خزمتشية المعارضة السورية في الخارج،كانوا سبباً في إصدار هذا القانون/المسخ للشرطي الأمريكي ، القذر الذي “يقتل شعبه”.

قيصر أو زوجته، ما هم؟

هو مسار طويل وتراكمي ، أنجزته الإدارة الأمريكية منذ عهد أوباما، وأقرته في عهد ترامب وعلى مقربة من نهاية ولايته لمجموعة من الأسباب.

أولاً: الحرب على سورية لم تنته رغم النصر العملاني ، واستعادة أجزاء كبرى من الأرض السورية.

ثانياً: ثبات الرئيس السوري والجيش، رغم كل محاولات العمل على إسقاطه وشيطنته، طيلة السنوات الماضية، وما يزال الأمر يزداد على تخوم الانتخابات الرئاسية العام القادم.

ثالثا ً: عدم قدرة الدعاية والعمل الغربي والإسرائيلي على فك ارتباط الشعب برئيسه وجيشه، فالذين انشقوا أو غادروا، انتهى أمر فاعليتهم منذ سنوات.

رابعاً: استمرار الصراع الروسي- الأمريكي والخلاف على مستقبل ودور سوريا في المشرق والمنطقة.

خامساً: الخلاف المبطن، والتعاون المعلن بين الروسي والتركي حول الواقع السوري، وهو محلي ويتعلق بالإقليم أيضاً(ليبيا نموذجاً).

سادساً: الموقف العربي المخصي المتساوق مع الموقف الاسرائيلي.

سابعاً: تأكد أمريكا والغرب والعرب الملحقين أن لا مكان لهم في مستقبل سورية الآتي ، لا في السياسة أو في جبنة إعادة الإعمار، وهي جمة الأرباح .

في واقع الحال، ما يزال الأمريكي يقرأ في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدول التي يستهدفها، ورغم أنه نفذ أغلب بنود قيصرهِ خلال السنوات التسع الماضية، لكنه يعلم أن الحرب قد فعلت فعلها في الجسد السوري، وأن “المستر فساد ” ما يزال يسرح ويمرح، وأن الشعب الصامد متعب، لذلك لم يكن أمامه في ظل استمرار الحرب واستحالة الحسم عبر الإرهاب والترك ، إلاّ تشديد الحصار والعقوبات على الشعب السوري تحديداً، لكي ينفضَّ عن بلده وانتمائه ومبادئه وقيادته، تحت وقع سنابك التجويع.

اختبر الأمريكي هذا الأمر في العراق (سابقاً)، في مسألة النفط مقابل الغذاء ونجح إلى حد كبير، واستكمله بالاجتياح العسكري، المستحيل في سورية جراء الحضور الروسي والمحور الداعم لسورية..، وهو يختبره حالياً ضد “إيران وڤنزويلا” ، لذلك رأى أن الوقت حان لتشديد العقوبات على سورية ، علّها تثير القلاقل وتوقف استكمال التحرير، فالجائع لا يهمه النصر حسب عقل اليانكي.

العقل النقدي البارد، يعي أن قانون قيصر صدر قبل سبعة أشهر، وأن النقاشات حوله في أمريكا، أخذت وقتاً ،والطبيعي أن تكون الحكومة السورية قد قرأته كما قرأناه حينها، ووضعت الخطط لجبه مفاعيله، بعيداً عن الكتابات والرسائل المتطابقة ، والشكوى من أنه يستهدف الشعب السوري،.. لكن ذلك لم يحصل ، وبقيت الحكومة تتصرف وكأن الأمر مجرد تهويل، وبقي الفاسدون في غيهم يعمهون.

أما وقد بات قيصر قيد التنفيذ ، فإن هناك تبعات تقع على كل من يطاله هذا القانون:

أولاً : الحكومة السورية، في إيجاد مخارج داخلية ، ومنها الزراعة والصناعة الزراعية، والأرض التي تقع تحت سلطة الدولة حتى اللحظة تفي بالغرض وتزيد..ووضع الحلفاء بالضروريات والحاجات القصوى، ووقف الهدر والفساد والضرب بقسوة على يد الفاسدين.

ثانياً : الشعب السوري، وهو شعب عظيم مرت عليه محن لو مرت على غيره لاندثر، وقد خبر الحصارات بأنواعها وتجاوزها. إنه مدعو اليوم لأن يحب أرضه وان يحميها أكثر، حيث لا يجب أن يبقى شبر في سورية من دون زراعة، والعودة إلى منطق جدوده في ( المونة)..واجتراح مقومات البقاء والاكتفاء ، بعيداً عن الشعارات التي اجتاحت حياته خلال السنوات الطويلة السابقة. كان الأجداد يقولون” فلاّح مكفي ..سلطان مخفي” ، وبهذه العقلية هزم الجراد العثماني وبقيت هذه البلاد..وعلى الدولة تأمين مقومات الأمن الغذائي.

ثالثاً: أصدقاء وحلفاء سورية، وتحديداً إيران وروسيا، متابعة الدعم حتى التحرير الشامل، ووقف الوسخ التركي، ودعم الشعب السوري بالنفط والغاز الذي تسرقه قسد وأخواتها، وبمقومات البقاء، عبر عدم قدرة قيصر الأمريكي على التأثير على القيصر الروسي، وأن ميناء طرطوس مفتوح وسيبقى ما دام الروس فيه..وهنا يكون الدعم الروسي الاقتصادي معادلاً معيارياً للدعم العسكري.

رابعاً: دول الجوار السوري (المشرق)، وهي مستهدفة أيضاً من القيصر الأمريكي، وأولها لبنان ، الذي بات دولة فاشلة بكل المقاييس، وحكومته تتأرجح بين عابد للأمريكي أو خائف منه، وهنا يجب أن يكون لحلفاء سوريا في لبنان الدور الكبير في تغيير معطيات الجبن والتغريب اللبناني، وفتح الحدود مع سورية ولو كره العالم لأن في ذلك مصلحة لبنانية أولاً وسورية ثانياً، أما العراق فقد استطاع الموائمة بين الضغط الأمريكي ومصلحته العليا في التنسيق مع سورية.

يبقى (الأردن) ، وهو في حال لا يحسد عليها، في الاقتصاد والسياسة، لكن عليه أن يعي أنه لا مستقبل له خارج المشرق.

هنا تجدر الإشارة ، إلى أن بعض الحالمين بدور عربي في فك الحصار عن سورية، أو بالجامعة العربية، باتوا عرضة للشكوك بمقدرتهم على الرؤية ، فلم يعد هناك دور للعرب بعد أن قرروا مشاركة الأمريكي والإسرائيلي والتركي في إطلاق النار على ” قلبهم النابض”.

والحال..صحيح أن قانون قيصر ، مجحف وسيء وبشع ، لكنه ليس قدراً، وإخماد مفاعيله لا يتم بالأشعار والشعارات، بل بالأعمال والإنتاج والإبداع.

أعرف جيداً، أن حلفاء سورية لن يتركوها، وأن مصلحتهم تكمن في اكتمال المعجزة السورية، وأنهم سيقدمون ما يتوجب عليهم لتجاوز هذه المرحلة ، وأن أمريكا ومن معها سيهزمون، وقد خبرنا ذلك أيام كان “المارينز” في لبنان، لكن سورية ولاّدة وخلاّقة وثرية في أرضها وزنود أبنائها ومنهم جيشها، وسيكون عليهم العبء الأساس في الخروج من هذه المأساة..لذلك سيكون قيصر واحداً من الأباطرة ، الذين ظنوا أنهم اجتاحوا هذه الأرض ومن ثم رحلوا و..بقيت.

في المسألة السورية، لا حل سوى بالقضاء على يوليوس قيصر وامرأته بومبيا معاً … وفهمكم كفاية.

الربوة 20 حزيران 2020

هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها