aren

سنة على 17 تشرين: انفجار “الهمبرغر” الاجتماعي اللبناني \\كتابة : جهاد الزين
السبت - 17 - أكتوبر - 2020

صحيح أنها ساقطة أخلاقيا بفعل ثورة 17 تشرين غير أنها بعد عام على اندلاع هذه الثورة تبدو الطبقة السياسية بعَوامِها الطائفي والمتعصِّب والمستَقطَب زبائنيّا من كل الطائفيّات وقد ربحت الحرب على النخب الشابة التي أفرزتها الطبقة الوسطى اللبنانية بعد الحرب الأهلية. هكذا إذن ربح “تحالف الهمبرغرً” المشكَّلُ من الطبقة السياسية بمن فيها الميليشيات من فوق والمتحالفة من تحت مع شرائح ريفية وبقايا بيئات زراعية وبقايا غير متعلمين والشرائح الدنيا للطبقة الفقيرة في المدن، وجميعها “مغلوب على أمرها” وعياً أو مُعاشاً… هكذا ربح هذا التحالف فوق وتحت على “منتصف السندويش” في المجتمع اللبناني المتمثِّل بنخبة شبابية واسعة قيادتها من الشريحة العليا للطبقة الوسطى وأساتذة وخريجي وطلاب الجامعات.

أطبق سقفا السندويش على وسطه، هذا الوسط المتعدد المصادر الطبقية والمتشكّل من إحدى أقوى الطبقات الوسطى في العالم الثالث وتحديدا في العالم العربي بمخزونها التعليمي وتنوعها الثقافي وتراثها العصامي في الترقي الاجتماعي والاقتصادي.. انفجر “الهمبرغر” الاجتماعي اللبناني من وسطه فكانت الثورة عمليات صعود وهبوط خلال معظم العام المنصرم لكن القبضة الأمنية والرعّاعيّة والدولتية للطبقة السياسية الحاكمة تمكّنت بالنتيجة من الصمود رغم انكشافها اللاأخلاقي يساعدها على ذلك “انضمام” سافر وجلف وعدواني إلى آلة التطويع والقمع قامت به فئة كانت في السابق تختبئ في الكواليس هي الطبقة المصرفية.

لا تستطيع الثورة أن تقدم بديلا سياسيا. قدّمت ما يشبه البرنامج الذي أصبح متداوَلاً على ألسنة كبار المسؤولين الغربيين وفي مقدمهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قدّم تشخيصا ثوريا للنظام السياسي اللبناني وإدانة سياسية جنائية وطنية للطبقتين السياسية والمصرفية اللبنانيتين ستدخل تاريخ بلدنا الصغير بالصوت والصورة والمضمون، إذا جازت المقارنة مع فارق الأحجام، كما دخلت التاريخَ إدانةُ الرئيس دوايت أيزنهاور ل”المجمع الصناعي العسكري” الأميركي عام 1961 في خطابه الوداعي وكان لا زال رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في نهاية ولايته الثانية. لا بد سيُدرَس لبنان في الجامعات والمعاهد البحثية كعينة على استعصاء نظام سياسي على التغيير رغم أنه من أكثر الأنظمة السياسية في العالم تبعيةً لسياسات الخارج وتفتُّتا داخليا ودولة مركزية ضعيفة. دخل العالم الغربي كله في دعم محاولة تغيير الطبقة السياسية اللبنانية ولم يستطع. لكن الطبقة السياسية اللبنانية رغم كل صراعاتها توحّدت بنجاح ضد التغيير وها هي الآن تدخل مرحلة الهجوم أو استعادة الوضعية الهجومية.

لم يكن ممكنا للجيل النخبوي الثائر أن يصنع قيادة واحدة. وهذا هو أحد المآزق الكبيرة للحراك. لقد اعتمدت المجموعة الحاكمة تكتيك ضم الثورة إلى عوامل الانهيار واعتبارها أحد أسبابه لا إحدى نتائجه. وفي هذا لعبٌ خطير وديماغوجي نشّزت عليه كل قوى الطبقةالسياسية.

كذلك كان الدخول في صفوف الشوارع الثائرة تكتيكا آخر اعتمدته بعض القوى السياسية النافذة ساهم في التشويش. رغم النجاح المعنوي المنقطع النظير ونسبيا السياسي لشعار “كِلُّن يعني كِلُّن”، لم يتمكّن شباب الثورة ولا التنظيمات الصغيرة الكثيرة العناوين التي انطلقوا منها وفيها من إكمال إحداث فجوة بنيوية صادمة بعد إرغام حكومة الحريري على الاستقالة. اقتصر الضغط على بعض استقالات النواب التي لم تخلق واقعا سياسيا جديدا. وحده الرئيس إيمانويل ماكرون الذي تحوّل لأيام قائدا لهذه الثورة بعد انفجار 4 آب، حاول اختراق الجدار في عملية توفيق بين الصراع الدولي الإقليمي على لبنان وبين الصراع الداخلي اللبناني.

تمّت عمليةُ التفافٍ أميركية إيرانية على ماكرون ربما استفاد منها الاستقرار اللبناني لما حَمَلَتْه من رضوخ إيراني لفكرة التفاوض المباشر مع إسرائيل. كان أحد أهم مصادر قوة الثورة دعم السفارات الغربية لها وهذا ما مكّنها من المزيد من تعرية الطبقةالسياسية المعشّشة في غرف مخابرات الدول الأجنبية. هكذا نشأ صراع مديد بين أحزاب السفارات وشباب الجامعات، لكن بعض الطبقة السياسية الأكثر تطبّعاً سفاراتياً صار ينتقد بوقاحة تعاطف السفارات الغربية مع الثورة. وهذا ما لا يجب أن يضعها في خانة دفاعية.

نعرف أن عدد المهاجرين ازداد من هذه النخبة الشبابية التي قامت بأول “ثورة نفايات” في العالم منذ العام 2015 تطوّرت إلى انفجار 17 تشرين. المهاجرون من كل حدب واختصاص وصوب. يجب أن نستذكر الضحايا خلال هذا العام، وفيهم شهداء أحياء وشهداء أموات سقطوا ضد هيمنة الفساد والنهب والركاكة البيروقراطية التي ظهر في انفجار المرفأ كم هي قاتلة…..وكل عام وأنتم بخير.

“النهار”اللبنانية