
التجدد الاخباري
غيب الموت في العاصمة اللبنانية – بيروت ، الناشر العربي الكبير ، “رياض نجيب الريس”. رياض نجيب الريس ،صحافي وناشر سوري من مواليد دمشق عام 1937م.
رياض ، هو (الابن) الأول للصحفي “نجيب الريس” من زوجته الثالثة “راسمه سمينة” ، ذات الأصول التركية. علي الأغلب لم تكن متعلمة غير أنها تجيد القراءة والكتابة. وصفها ولدها بأنها كانت حادة الذكاء. أدرات جريدة “القبس” السورية لست سنوات بعد وفاة زوجها ، وفي ظروف سياسية صعبة . وقد صدرت الصحيفة لثلاثين سنة ، لتتوقفت عن الصدور في عهد الوحدة السورية المصرية عام 1958 ، حين طالها قانون تأميم الصحافة.
عمل رياض مع كامل مروة ، مؤسس جريدة “الحياة”، الذي وفّر له فرصة العمل ، مراسلاً صحافياً في (فيتنام) عام 1966، وهي التجربة التي أكملها مع غسان تويني في “النهار”.
في وقت الحرب الأهلية اللبنانية، ذهب رياض إلى لندن للدراسة في جامعة “كامبريدج”، حيث تسنى له الاطلاع على الصحافة البريطانية ، كقارئ أولاً، ومن ثم مشارك في صحافتها ، وفي عام 1977، أصدر جريدة «المنار». وكانت أول جريدة عربية تصدر في أوروبا. ثم أسس «شركة رياض الريس للكتب والنشر» سنة 1986. وما إن هدأت الأوضاع، حتّى نقل عمله إلى بيروت. ».
كثيرون اعتبروا ، ان رياض في كتابه\ مذكراته «صحافي المسافات الطويلة» ، أراد أن يرثي نفسه حيا : «ها أنت تقف وحيداً أمام صندوق حياتك، الذي كسائر صناديق الآخرين، لا يفتح بسهولة. وربما سيكون عليك كسره أو رميه على الأرض، ستجد في هذا الصندوق فتات من بطاقات الآخرين البريدية أو قطعاً من صناديقهم فهذا ما يفعله الأصدقاء حين يغيبون. يتركون في ذاكرة من بقي حياً عاداتهم المفضلة، أصواتهم، رؤيتهم للحياة، ونكرانهم المتواصل للموت. وهذا ربما ما أفعله الآن».
حيث قدم توثيقا مهما ومشوقا من سيرته الشخصية، التي غطت ستة عقود، عبر سبعة وثلاثين كتاباً منوعاً. وهو عبارة عن مجموعة حوارات ، أجرتها معه الكاتبة السورية (سعاد جروس)، ومجموعة مقالات كتبها هو.
ففي (383) صفحة أرخ الريس لتاريخه الصحافي، ولتاريخ الصحافة العربية، وأيضاً لتاريخ العرب السياسي في الأربعين سنة الأخيرة. إنْ لم يكن أكثر.
الريس ، الذي ترك دمشق إلى بيروت في زمن كانت فيه بيروت (عاصمة للصحافة العربية)، لذلك لم تستطع بيروت، على اتساع حبه لها، أن تطرد دمشق من ذاكرته (آخر الخوارج) ، حيث عمل مع عمالقة الصحافة البيروتية، مع عميد الصحافة اللبنانية غسان تويني في «النهار»، ومع سعيد فريحة في «الصياد»، ومع كامل مروة، ومع (توأمه) نبيل خوري الفلسطيني/ اللبناني في مجلة «المستقبل» الباريسية، وكانت له مشاركات مهمة في «القدس العربي».
ومما ورد في الكتاب من عبارات مميزة ، كقوله في العلاقة اللبنانية السورية: «أتمنى لو أن اللبنانيين فهموا السوريين أكثر، ولو أن السوريين تعلموا من اللبنانيين أكثر». وقد تشتمل على حكم قاسٍ كقوله في المثقفين العرب: «طموحهم أن يكونوا خدماً عند السلطة في العالم العربي ويتمنون الحصول على كسرة خبزٍ حبا في السلطة لا الخبز». وقد تنطوي على توصيف معين كقوله: «يوسف الخال كان بطريركًا حقيقيا للشعر، تحيط به مجموعة من الشعراء القساوسة يرفعهم رتبة نهاراً، وينزلهم رتبة ليلاً». قضى الرجل معظم حياته في لبنان. لم يعد سورياً. لكنه ـ في المقابل ـ لم يصبح لبنانياً.
يقول الريس:» الصحافة أكلتني، أكلت لغتي، أصبحت هوسي، حياتي كلها صحافة».
وحول هذه التجرية ، كان الريس قد قدم للقراء مجلته «الناقد»، ولكنها لم تصمد أمام أعاصير الرقابات العربية الشهيرة، ولم يستسلم، وعاد مرة أخرى بمجلة جديدة متحدياً المنع الرسمي العربي ، فكانت «النقاد» الأسبوعية؛ التي أرادها مثله، مرآته، والتي لعبت دوراً ثقافياً بارزاً ومتقدماً، لكنها توقفت هي الأخرى تحت وطأة ضربات الأنظمة. على الرغم من ذلك لم يتخل الريس عن قناعاته: «إما حرية أو لا حرية».