ما تزال أصداء تصريحات الرئيس الأميركي تردَّد في جنبات المشهدين الإفريقي والدولي, خاصة التساؤل عن سر التوقيت الذي اختاره ترمب لإطلاق تصريحه «الخطير» الذي يُشجِّع تفجير السد, وبخاصة ان دعوته هذه انطوت على «تأكيدات» من عنده وليس من عند المصريين, الذين ما يراهنون على الحوار وتقديم القانون الدولي على قانون الأمر الواقع, حيث لم تخف أديس أبابا رغبتها التعاطي معه, وإجبار مصر والسودان على قبوله بذريعة الاستثمار في مواردها, مُعلنة عدم اعترافها باتفاقية 1959 وقبلها اتفاقية 1929 ناهيك عن الاتفاقيات التي تم التوصل اليه? لتقاسم مياه النيل بين دولة المَنبع ودول المَصب, والتي تركز على عدم اقامة اي مشروعات على مجرى النهر أو فروعه, تُقلل من نسبة تدفق المياه إلى مصر.
تحضر هنا ملابسات جولات التفاوض «غير الناجحة» بين مصر والسودان واثيوبيا, إذ الأخيرة واصلت لعبة شراء الوقت بطلب التأجيل, الى ان تم التوصل الى «اتفاقية اطار» بعد محادثات صعبة في واشنطن, وقّعتها القاهرة بالأحرف الأولى, لكن اديس ابابا ماطلت وانتهت الجولة الى الفشل، ما دعا الاتحاد الافريقي الى التدخّل لكنه جُوبه بعقبات إثيوبية مُصطنَعة أوصلت الامور الى حائط مسدود, الى ان جاءت تصريحات ترمب المُفاجئة في ما انطوت عليه, وبخاصة الاهداف التي سعى اليها عندما «جزم» بان: «الوضع خطير جداً وان مصر لن تكون قادرة على العيش ب?ذه الطريقة», مستطرداً…ان الأمر «سينتهي بالمصريين الى تفجير السد» بل مضى قائلا: انهم (المصريون) قالوها ويقولونها بصوت عالٍ وواضح….«سيفجرون السد وعليهم – أضاف – أن يفعلوا شيئاً».
القاهرة لم ترَ في تصريحات ترمب ضوءا اخضر للمضي قدما في هذا الاتجاه, مُدركة ان خطوة كهذه تنطوي على مخاطر عديدة, أقلها تحويل المنطقة الى بؤرة صراع ونافذة مفتوحة لتدخلات أجنبية, في منطقة مُتفجرة وفي ظل موازين قوى مُختلّة وبروز تحالفات غير مسبوقة, ستفضي الى رسم خرائط جديدة, في ظل ما يجري في المنطقة العربية من تحوّلات وانقلابات سياسية.
رد فعل اديس ابابا على تصريحات ترمب جاء مُتحدّياً, وبخاصة التأكيد على مواقفها المتشددة: «النهضة سدّ اثيوبيا والاثيوبيون سيكملون هذا العمل لا محالة, قالت الحكومة, لافتة «ان احدا لم يَستعمِرنا مِن قبل, ولن يَحكمنا أحد في المستقبل».
أين من هنا ً؟ اثيوبيا تواصل لعبة خلط الأوراق, وجديدها الدعوة الى «حوار» أوسع يشمل دول حوض النيل الـ«11» وهي:اثيوبيا، مصر، السودان، جنوب السودان، اريتريا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا واوغندا. ما يعني ضمن أمور أخرى تبديد المزيد من الوقت والفرص, ناهيك – وهذا الأَهمّ – رفض اديس أبابا «الالتزام» بأي اتفاقية سيتم التوقيع عليها.
ما يعني ان كل الاحتمالات واردة, اذا ما واصل «آبي أحمد» تعنّته, ما بالك لو تمت اطاحته وجيء بغيره من المتشددين في حكومة «إقليم تيغراي» التي سحبتْ الاعتراف بشرعية حكومته؟.
“الرأي”الأردنية