اليوم.. يمثل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي امام محكمة فرنسية بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، ما يضع حدا لمحاولاته التي لم تتوقّف للحؤول دون دخوله «التاريخ الفرنسي» كأول رئيس يُحاكَم بتهمة كهذه, ليس فقط لأن العار سيلاحقه حيا انما ايضا لأنه قد يقضي حُكما بالسجن عشر سنوات وغرامة تصل الى مليون يورو, كما يمثل معه إثنان من محاميه, ورطهما الرئيس الفاسد الذي اتهمته المحكمة مُجدداً بتشكيَل عصابة إجرامية, لتضاف الى سلسلة تُهم وُجِّهت اليه سابقاً, وربما يكونا (المُحاميان) ورطا نفسيهما, ظناً من أحدهما أن ساركوزي قادر على تنفيذ وعده منحه مركزاً مرموقا في امارة موناكو، مُقابل تزويده بمعلومات حول تحقيق جنائي يُطارد حزبه.
مشهد غير مألوف في دولة كبرى تزعم لنفسها انها بلد الحريات و حقوق الانسان والمؤهلة لقيادة اوروبا, خصوصا «الحلم» الذي يُداعب الرئيس الحالي ماكرون, بعد اقتراب موعد مُغادرة انجيلا ميركل مبنى المستشارية في برلين.
ساركوزي الذي اخذ على عاتقه مهمة التخلّص من الزعيم الليبي, عبر قصف موكبه وتوفير معلومات استخبارية للمتمردين عن مكان وجوده, بهدف التخلص من «شاهِد» يمتلك الوثائق والمعلومات التي تدينه، بحصوله على تمويل لحملته الانتخابية الرامية تجديد إقامته في قصر الإليزيه، ما تزال «لعنة القذافي» تلاحقه, وهي لعنة أدت ضمن امور اخرى الى خسارة كاميرون البريطاني موقعه في 10 داونغ ستريت, رغم ان الاستفتاء على «البريكست» هو الذي شكل الضربة القاضية لمُستقبله السياسي.
ساركوزي «هندَس» مع كاميرون واوباما بمشاركة اطلسية وتواطؤ من جامعة عمرو موسى العربية، غزوة ليبيا وتحويلها ساحة فوضى واقتتال, بعد ان لم تعد لدى الدول الغازية وتلك المتواطئة رغبة بترك الليبيين يقررون مصيرهم بأنفسهم, بعيدا عن الوصاية ولعبة الامم الدائرة على الهضبة الليبية وتخومها, طمعا في نفطها وموقعها الجيوسياسي والاستراتيجي, ودائما في الصراع على رسم خرائط جديدة بعد ان بات البحر المتوسط هو الساحة الرئيسية لتحديد النفوذ والهيمنة.
ساركوزي عندما طُلِب منه الإعتذار عن جرائم الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي قال في غطرسة واستعلاء: الأحفاد لا يعتذرون عمّا فعله الأجداد, وها هو بعد سوْقه الى قوس العدالة يصف مُحاكمته بانها «فضيحة ستُسجّل في التاريخ» ولم يتردّد لفرط صفاقته في التعهّد بالذهاب الى المحكمة بـِ”روح قِتالية»..ولا احد يعلم ما الذي سيفعله غير تكرار ما واظب قوله امام المحققين في القضايا التي يُحاكم عليها, وهو انه بريء وانه ضحية «صيد ساحرات» وغيرها من المصطلحات مما كان (وما يزال) «نتنياهو» يقولها المُتّهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الامانة, حيث لم يفقِد الامل بعد في درء مخاطرها على مستقبله السياسي.
في السطر الأخير.. قد يكون ظهور ساركوزي في قفص المحكمة, عبرة وفرصة لبعض ابناء جلدتنا, المعجبون بـ«الرجل الابيض», ربما لاسباب نفسية وشعورا بالنقص تجاه ما يرونه قدوتهم، فيما كل هؤلاء «البيض» لا يختلفون كثيراً في ارتكاباتهم المشينة, عمّا يحدث في معظم بلاد العرب والعالم الثالث.
“الرأي”الأردنية