aren

زيارة لا يمكن أن تكون دون مفاجآت \\ كتابة: جهاد الزين
السبت - 25 - يونيو - 2022

هناك عدد من المواضيع، ومعها تكهناتُها وحيويّاتُها المتصلة أو المنفصلة، يرافق الموعدَ المعلن لحضور الرئيس الأميركي إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية في منتصف الشهر المقبل للمشاركة في اجتماع مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق.

نبدأ بموضوع الوضع الإقليمي. فالواضح أن مخرج الزيارة – المشاركة في لقاء دولي في السعودية وليس زيارة مخصّصة لها (والفارق شكلي)-  كان كافيا لبدء انتهاج سياسة تعاون وثيق مع المملكة والإمارات لزيادة كميات إنتاجها النفط والغاز بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وبدء أزمة الشح في كميات الغاز الروسي المصدّر إلى أوروبا.

هل تحصل مفاجأة كبيرة خلال الزيارة في العلاقات السعودية الإسرائيلية؟ واضح من الجدل الذي يرافق الإعلان عن موعد الزيارة أن “مطبخاً” سياسيا دقيقاً يقوم بالتحضير لها جوهره إعادة ترميم العلاقات السعودية الأميركية والأصح إعادة بعث الحيوية فيها كمحور ذي أهمية على مسرح التوازنات الاقتصادية في العالم ولاسيما في مجال الطاقة. وهذا يفتح على احتمال مفاجآت ربما صار الجانب السعودي مدركاً أنه لا غنى عنها.

هذا سؤال أساسي على جدول تعزيز العلاقات السعودية الأميركية. أو يكون هناك شيء قريب من ذلك ؟

التغيير الأول ولو المتوقع حدث قبل الزيارة وكان في انهيار التحالف الحكومي الإسرائيلي وتغيير مؤقت لشخص رئيس الوزراء والوفاق على الدعوة لانتخابات جديدة (خامسة خلال أربع سنوات)في إسرائيل. السؤال الآن هل يمكن أن يعود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة وهذا طبعا احتمال مزعج لإدارة بايدن كما للعديد من أقطاب اليهود الأميركيين وبينهم من هم على صداقة وتعاون مع الرئيس بايدن الذي يحرص على حضور بعض نشاطاتهم.

هذه بعض الأسئلة من سلّة من الأسئلة المختلفة التي تحرّكها الزيارة الهامة.

أثارت أوساط داعمة للوبي الإسرائيلي في واشنطن ما تضمّنته شهادة المسؤول عن ملف المفاوضات النووية الأميركية  مع إيران روبرت مالي أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ  والتي بدا فيها مالي أنه يحبّذ الضغط السلمي ضد إيران كما لو أنه يعتبر الضغط العسكري غير عملي. ونقل موقع “المونيتور” أن الرئيس جو بايدن أبدى استياءه من شهادة مالي مستهجنا قول شيء كهذا خلال المفاوضات واعدا شخصية يهودية كبيرة سألته كيف يسمح لأحد في فريقه قول شيء مماثل بأنه، أي  بايدن، سيعالج الموضوع. وفي هذه الشهادة اعترف مالي بخطأ إدارة الرئيس أوباما عدم التشاور مع الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة عند إقرار الاتفاق النووي عام 2015، في الوقت الذي أخذ فيه على إدارة الرئيس دونالد ترامب عدم التشاور مع الحلفاء الأوروبيين لاحقا. فهل سيؤثر  مضمون هذه الشهادة وتشهد الأيام المقبلة تغييراً في الوفد الأميركي إلى مفاوضات جنيف حول الملف النووي؟

روبرت مالي في مداخلته يقول أن محاولات إيران زيادة التخصيب والاقتراب من المعدّل الذي يسمح لها بإنتاج القنبلة لا يزال مدروسا ومتدرجا بما يعني أن إيران لم تقطع بعد مع المفاوضات ولا تريد إنهاءها، بالمقابل يدافع روبرت مالي عن تخفيف حزمة العقوبات التي حصلت بعد قرار الرئيس ترامب وقف الاتفاق النووي ويرى أن التخفيف مقابل الالتزام الإيراني بالضوابط المطلوبة لا يُفقِد واشنطن قدرتها الردعية لأن حزم العقوبات واسعة جدا.

على أي حال مسألة من يكون المفاوض الأميركي مسألة ثانوية إلا إذا عنت أن وجود أمثال روبرت مالي كان يعكس سياسة اليد الممدودة لإيران وأن تغييره إذا حصل سيعني انتقال إدارة بايدن إلى سياسة تفاوضية أكثر تشددا.

يوحي جو المنطقة بإمكان مفاجآت ديبلوماسية وسياسية مختلفة أيضاً.  كان يكفي سماع ومشاهدة كيف قدّمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در ليين الاتفاق المصري الإسرائيلي الأوروبي على نقل الغاز الإسرائيلي  إلى أوروبا عبر مصر  وبأي نفَس ترحيبي كحدث تاريخي  تحدثت عنه حتى نتأكد من متغيرات هامة تحصل وشبكة من المصالح ناشئة قد تكون فائدتها الوحيدة لنا في لبنان كبلد معطَّلٍ ذاتياً وخارجياً، جعلَ دينامية الاستقرار أرجح من دينامية عدم الاستقرار. ويجدر الذكر هنا أن توقيع هذا الاتفاق الثلاثي حصل في توقيت انعقاد منتدى شرق المتوسط للغاز (EMGF) في القاهرة. وهو المنتدى الذي يضم في عضويته قبرص، مصر، فرنسا،اليونان، إسرائيل،إيطاليا، وفلسطين مع عضوية مراقبين هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.

سؤال آخر في هذه المتغيرات من استمرار توطّد العلاقات التركية الإسرائيلية المتواصل ونشوء منظومة مصالح دولية كبرى في حوض البحر الأبيض المتوسط هل لإيران مصلحة على افتراض انسداد أفق المفاوضات النووية وازدياد احتضان سوريا الخليجي.. هل لها مصلحة بمعنى إمكانية مواجهة كل هذه التحولات المحيطة في وقت يزداد الضغط الداخلي الاجتماعي بينما تنفتح أمامها مع الصين وروسيا وربما الاتحاد الأوروبي آفاق علاقات استيراد وتصدير للطاقة تؤمّن مداخيل تساعد على الحد من العقوبات الضخمة ضدها؟

في شهادته المشار إليها أمام الكونغرس  يقول روبرت مالي بالحرف:

” المظاهرات التي نراها حاليا في إيران هي حصيلة فساد حكومتها وسوء الإدارة ، والجواب الحكومي  العنيف على هذه المظاهرات هو تذكير بهذا الإفلاس الأخلاقي”

ويضيف:

“عندما جاء الرئيس بايدن إلى الرئاسة ورث أزمة مباشرة: برنامج نووي إيراني ليس تحت السيطرة ويمثِّل تهديدا لواحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وبالتالي يتطلب انتباها مباشَرا. كل مشكلة أخرى لنا مع إيران ستصبح أسوأ، أكثر خطورة وغير قابلة للتعامل معها أو السيطرة عليها، وإذا فشلت جهودنا فيها ستكون الخطر المحتمل الأعظم علينا وعلى حلفائنا”.

روبرت مالي  يملك حس الباحث السياسي وعمل رئيس مركز أبحاث دولي مهم كانت له دائما وجهات نظره الخاصة في قضايا المنطقة، سواء في موضوع الجولان أو التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وطبعا تأييده الحاسم للاتفاق النووي مع إيران وهي وجهات نظر أدّت إلى موجة اعتراضات من الأوساط السياسية الأميركية المؤيدة لإسرائيل على تعيينه. يبدو في شهادته أمام الكونغرس وكأنه يعكس روحية ورقة علاجية سياسية اعتاد أن يقدمها مع فارق خطورة الموقع الآن. فهل يفلت هذه المرة؟

كلما قرأتُ رأيا حول المفاوضات مع إيران أتذكّر ما قاله الرئيس باراك أوباما في معرض الدفاع عن الاتفاق النووي عام 2015. قال في لقائه الشهير  مع “النيويورك تايمز” بعد توقيع الاتفاق وكان جوهر رأيه يومها:

“المعرفة والخبرة لا يمكنك قصفهما بالمدافع. وهناك جيل إيراني باتت لديه خبرات نووية. يجب العثور على تسويات وإبقاء إيران تحت الرقابة الشديدة”.

“النهار”اللبنانية