
بدت تحركات الرئيس الاسد الأخيرة ، تعبيرا عن استراتيجية سورية ، تستجيب لما أنجزته من تقدم في كسر القوة الاساسية للارهاب ، وفي احباط مخططات التقسيم ، وتغيير الحكم.
فماذا حملت هذه الاستراتيجية المرحلية السورية ؟ وماذا تحقق خلالها ؟
من الواضح ، أن هم سورية الأول في هذ المرحلة ، هو معالجة (الاختناق المعيشي) ، الذي يعانيه المجتمع السوري ، نتيجة الحرب التي دمرت مرافق الانتاج ، وسرقت مكامن الثروات ، ونتيجة أيضا واساسا للعقوبات والحصار الغربي الخانق. وكان هذا الهم في مقدمة ماجرى العمل على معالجته في الزيارات الرئاسية الاخيرة .
في موسكو ، اتفق على تفيعل استثمارات عديدة (40 مشروعا) . وفي الامارات كان واضحا الاستعداد لمساعدة سورية اقتصاديا.
وهذا كله ، ليس الا مدخلا للحل ، الذي تسعى اليه سورية لاستعادة حياتها الطبيعية ، وتفعيل دورها العربي والاقليمي والدولي ، وهذا الحل ماهو الا الاستراتيجية السورية ، التي يمكن تلمس ملامحها في هذه المرحلة ، والهادفة الى تجاوز الحرب ، وتخطي العقوبات ، واعادة تدوير عجلة الانتاج ، واستعادة الدور والفعالية السياسية والحضارية في المنطقة ، والعالم.

فماهي هذه الاستراتيجية ؟ وكيف يمكن تحقيقها ؟
تعتمد سورية – كما يبدو- على استراتيجية من شقين ، أو هي استراتيجية واحدة ، ذات وجهين :
الأول ، التسمك الابدي بسيادة ووحدة سورية أرضا ، شعبا ، ومؤسسات.
الثاني ، المضي قدما نحول المستقبل متجاوزين الحرب ، ونتائجها.
وهذه الاستراتيجية المرحلية ، هدفها الاساسي والحاكم لعملها ، هو تحقيق تجاوز الاستعصاء السياسي والاقتصادي ، المحكوم بوصفات غربية ، ترى دمشق انها باتت من الماضي اللامجدي ، كـ(القرار 2254).
ويتمثل هذا التنجاوز وفق الاستراتيجية السورية بالعمل الوطني للارتقاء السياسي الشامل ، لتحقيق مستويات ارقى من العدالة ، والمساواة ، والمشاركة السياسية ، وهذا مايجنب سورية كل منزلقات التغيير الذي يضمر الغرب فيه كمائن التقسيم ، واسقاط الوطن.
التجاوز – وفق الرؤية السورية – يعتمد (الارتقاء) كخيار وطني ، مقابل التغيير الكامن في مشاريع الغرب للاحتيال على مستقبل سورية ، باسم “الحل السياسي”.
وفق هذه الاستراتيجية ، فان الرئيس في زيارته ، كان يسعى الى الجهات العربية والصديقة ، التي يمكن أن تساهم ، وان تساعد في تجاوز الاستعصاء الحالي سياسيا ، واقتصاديا.
سورية منفتحة على كل من يساهم في تجاوزها للاختناق المعاشي الاقتصادي ، وللجمود في الحال السياسي المغلق ، وهذا ماشكل الناظم للزيارات الرئاسية الاخيرة .
يبدو أن سورية ، تتسمك بسيادة ووحدة الوطن ، وتمضي قدما الى الامام ، متجاوزة الحرب والماضي ، ومعيارها الحاكم في تفعيل علاقاتها وتعاملها مع أي جهة ، أن تكون نتنيجته ، هي تجاوز الجمود السياسي والعسكري ، الذي يبقي بعض الاجزاء خارج سيادة سورية ، بالتوازي مع تجاوز الاختناق المعيشي الضاغط ، والذي يحيق بالشعب في معاشه ، وحياته.
فكل دولة تعمل وتتعاون مع سورية ، لتجاوز هذه الاوضاع ، والمضي قدما نحو المستقبل ، ستجهد سورية في التفاعل معها .
وكل دولة تطرح شروطا أو حلولا سياسية ، تديم هذا الجمود والاختناق ، هي دولة لا تعترف بحقائق الواقع السوري ، الذي لايقبل التغيير الغربي ، ويتمسك بنهج الارتقاء الوطني.

السوريون ، الذين نجحوا في تجاوز الحرب ، متمسكين ومحافظين على (الوطن) ، كفكرة سياسية تجمعهم ، وكروح نابضة تديم وحدتهم ، وككيان سياسي يوحدهم .
السوريون بعد كل ذلك ، لن يقبلوا الا من يكون معهم في تجاوز الاستعصاء ، والجمود السياسي وفي كسر الخناق ، والحصار الذي يخنق معيشتهم ، ويسعى لاذلالهم.
زيارت الرئيس ، سعت للتزود من الاشقاء والاصدقاء بمايساعد السوريين على المضي قدما نحو مرحلة ارقى ، متحررة من الاختناق المعيشي ، ومنطلقة لاستكمال السيادة الشاملة ، والوحدة الوطنية المتفاعلة عبر ارتقاء سياسي وطني ، حضاري .
وهذا ماسعت اليه زيارت الرئيس الاخيرة ، وستتضح نتائجها في الشهور القادمة.