aren

“رياض الريس ” تجربة صحفية سورية… ألهمت الثقافة العربية في كل مكان \\ بقلم : د.فؤاد شربجي
الخميس - 8 - أكتوبر - 2020

كم تحزن دمشق ، عندما تفقد “ابنا” ، مثل (رياض نجيب الريس) ؟!.

ولابد ، أن الراحل الذي ظل محافظا على حبل السرة ، متصلا بالأم (دمشق) ، يحس بمدى حزنها لرحيله ، وخيبتها لعدم احتضان جثمانه في ترابها. هذه هي الحالة بين دمشق كـ(أم)، وابن كـ(رياض نجيب الريس).

سيبقى (رياض الريس)، نجما شاميا في عالم الصحافة والفكر على طول العالم العربي وعرضه، رسخ أسلوبا في الصحافة ، التي تسعى وراء الحقائق ، مهما بعدت المسافات ، وتجود في الصياغة الصحفية بمايحترم ذائقة الناس وتعلي من الحرية في نشر الحرية ، واحترام الرأي ، كراية انتصار للصحافة .

كما سيبقى (رياض الريس)، نورا هاديا ، يضيء الطريق بين الكاتب والقارىء ، باتاحة النشر للكتابات الشجاعة الجريئة ، ويطرق أبواب القارىء للتكامل مع هذه الطروحات الشجاعة والحرة والجريئة ، والمحركة للثقافة العربية وللروح الحضارية الانسانية، وهذا ماجعل من (الريس) ، ناشرا مبدعا، خالقا لحركة نشر خاصة به، وتحمل هويته .

وسيبقى (رياض الريس) ، مؤلفا مبتكرا ، سجل في حياته (37) كتابا ، كان آخرها ( صحافة النسيان).

لذلك ، فان “الشام” اليوم ، حزينة على فقدان ابنها ، الذي تمرد على ظروف السياسة والرقابة ، والاجهزة بالانتقال الى توأم أمه (بيروت)، حيث عمل في “الحياة”، ثم في “النهار” ، حاملا تجربته في “القبس” الدمشقية.

وعندما انتشر جنون الحرب الأهلية في لبنان ، لجأ الى العاصمة البريطانية – لندن ، ليصدر فيها ، الجريدة الاسبوعية (المنار) ، ويفتتح مكتبه (الكشكول) ، ثم (دار الريس) ، ليعود الى بيروت ، ويصدر منها ، (الناقد) ، تلك المجلة التي وضعت الحياة الثقافية العربية على محك الحرية ، وحيوية النقاش ، وتفاعلية السجال، وهي تجربة لم تتكرر في الوطن العربي ، كله.

رياض الريس ، تجربة ثقافية صحفية شامية ، جعلت من العالم ، ساحتها ، وتوسلت الروح السورية المبدعة الحرة ، والمنطلقة ، أساسا لمهنيتها ، وشجاعتها ، وتنورها.

وكم تفتخر سورية ، وكم يفخر السوريون بمثل هذه التجارب. وكم تحزن لرحيلها أو غيابها ، رغم استمرار حضورها في ارثها المكتوب والمنشور في الصحف ، والكتب ، وعبر مؤسسة النشر المتميزة ، التي تركها، وعبر منهجيته في الابداع ، والاستمرار، وفي الحرية ، والتنور، والارتقاء.

يحق لأي منا ، ان يختلف أو يتفق مع (رياض الريس) ، المثير للنقاش دائما . ويحق لأي امرىء ، أن يختلف مع الريس في السياسة والمواقف السياسية ، ولكن لايحق لأحد ، أن يشكك بوطنية هذه الروح ، المثقفة المنتجة . كما، لايحق لأي متابع ، الا الاعتراف بمهنية وابداعية ، وتفوق (الريس) الثقافي ، والصحفي .

وانني اتساءل : كيف لاتتبنى (كلية الاعلام) في “جامعة دمشق” ، تدريس مهنية وتجربة ، رياض نجيب الريس ، كحالة صحفية ثقافية ، شكلت امتدادا للوالد (نجيب) في مناهضته للانتداب ، وحكومات مابعد الانتداب ، وكفاعلية اعلامية ، جعلت التحقيق الصحفي ، يأخذها بعيدا ، بحثا عن الحقيقة . وكحافز للكتاب ، بان لا يتخلوا عن حرية وشجاعة التعبير بتوفر دار نشر لهم ، تنشر دون اعتبار لغباء الرقابة الحكومية.

؟! وكم يخسر طلاب الاعلام ، بعدم الاطلاع على تجارب أمثال (رياض الريس) ، وعدم دراستهم لها بدقة ، وتفصيل.

يغيب (رياض الريس) ، ويبقى ارثه ، ويستمر نهجه . تحزن دمشق على “ابنها” المبدع ، وتحزن بيروت على ربيبها المشاغب ، وتحزن الثقافة العربية عمن حفظ لها ، امكانية الحرية وشجاعة التعبير، وتحزن مطابع الصحف ، وأوراق الكتب ، لمن احترم دورها في ايصال المعرفة ، والطاقة المعنوية للناس .

… وبعد كل ذلك ، هل يهم ألا يهتم بموتك ، هذا الموظف أو ذاك المستخدم في هذه المؤسسة ، أو تلك؟ … ألم تعلم ، أن “البلادة والغباء”، لا تضييع الصحافة والاعلام ، ولاتستهر بالقامات الابداعية (فقط) ، بل تضييع الأوطان ، وتستهر بالشعوب ؟؟

رحم الله ، رياض نجيب الريس . مات ، وفي نفسه غصة . مات ، وهو يتمنى أن يعيد اصدار جريدة (القبس) في دمشق ، لانه يعرف ماذا تعني الشام ، وماذا يليق بأهلها من “صحافة وثقافة وابداع …”

والحق كل الحق مع (رياض الريس)، لان الانسان مهما حقق في العالم ، لايرتاح حتى يزهر في بلده ، وبين أهله . ورغم كل ذلك ، فان دمشق تقول لك : يارياض ، نم قريرا في آخرتك ، لان دمشق التي أنجبتك ، لابد أن تنجب بدل القبس ، أقباسا من الصحافة ، والحضارة ، والثقافة …

رحم الله (الريس). الشامي المبدع ، والوطني، بحق.