aren

روسيا في الشرق الأوسط : تحديات الأمن القومي للولايات المتحدة وإسرائيل في عهد (بايدن)
السبت - 10 - يوليو - 2021

التجدد – ترجمة خاصة (مكتب بيروت)

لم تعد الولايات المتحدة ، القوة المهيمنة فى الشرق الأوسط. ، فلقد أدى تقليص دورها فى المنطقة إلى بروز قوى إقليمية أخرى ، مثل : (إيران وتركيا وروسيا)، بالإضافة إلى التحركات الاقتصادية من جانب (الصين). ومع ذلك، مازالت تهدف الولايات المتحدة إلى الحفاظ على مصالحها الأساسية هناك ، المتمثلة في : الاستقرار الإقليمى، مكافحة الإرهاب، منع انتشار الأسلحة النووية، أمن الطاقة وأمن (إسرائيل). وفى ظل التحول العميق الجاري في الشرق الأوسط، لكل من الصين وروسيا والولايات المتحدة ، أهداف وقدرات متباينة ، كل حسب سياساتها الخاصة ، تجاه المنطقة.

مثلا، “روسيا”، تعد جهة فاعلة عسكريا ودبلوماسيا فى الشرق الأوسط. ، فقبل عام 2015، تدخلت في الحرب السورية، وظلت تبحث عن منافذ إضافية لنفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة. أصبحت روسيا (الآن)، طرفا بارزًا في “سوريا وليبيا”، وشريكًا لـ”إيران ومصر”، وتشارك فى الحوار مع دول الخليج (خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية)، وإسرائيل، والحكومة الأفغانية، وطالبان، والفصائل الفلسطينية، والعديد من الكيانات السياسية الأخرى. روسيا أيضا لها دور واضح فى (اليمن)، ولديها مجموعة من المصالح فى شمال أفريقيا ، كما تحاول استغلال الصراعات الداخلية داخل البلدان كـ(إسفين) لتعميق نفوذها الإقليمى. باختصار، يقدم الشرق الأوسط لروسيا العديد من الفرص لإحكام السيطرة عليه.

ومع ذلك، فإن موسكو بعيدة عن أن تكون قادرة على إنشاء نظام شرق أوسطي من تصميمها الخاص. فالتعاون الأمريكي الإسرائيلي في الشرق الأوسط ، مستمر، وحتى الآن لم تنافسه روسيا على الرغم من أن اتساع نطاق الأنشطة الروسية يؤثر بالتأكيد على مصالح الدولتين المتعاونتين. بعبارة أخرى: وجود روسيا، مع لعب الصين دورًا في الخلفية، يؤدي إلى تعقيد الوضع في الشرق الأوسط.

حتى الآن ، حققت روسيا مكاسب واضحة في المنطقة. فوجودها العسكري الموسع في الشرق الأوسط (منذ 2015) ، مستدام وفعال. كما تتمتع بعلاقات دبلوماسية هامة مع دول المنطقة ومع الأطراف المتصارعة في العديد من النزاعات، وذلك كله ، جعل لروسيا ، نفوذا ملموسًا من أفغانستان و(جنوب القوقاز) إلى (شمال أفريقيا). أما بالنسبة للشراكة بين روسيا والصين ، فهي لا ترقى حتى الآن إلى كونها محورًا قويًا في الشرق الأوسط، ولكن قد تتعرض موسكو وبكين لضغوط ، تدفعهما للتعاون بشكل قوي في إطار ديناميكيات المنافسة بين القوى العظمى.

إلا أنه يقف أمام روسيا ، عوائق عديدة ، تعرقل تقدمها في الشرق الأوسط. ، فعلى الرغم من أن روسيا حققت أفضل نجاحاتها العسكرية في سوريا وليبيا، وكافحت، عسكريًا ودبلوماسيًا، للتعامل مع تحركات تركيا، من أذربيجان إلى سوريا إلى ليبيا، نجد أن الاقتصاد الروسي يعاني من تدهور يجعل التوسع الدراماتيكى لنشاطها العسكري في المنطقة بعيد الاحتمال. كما لا يمكن لروسيا منافسة النفوذ الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي للولايات المتحدة في المنطقة. وحتى إذا قررت الصين التحرك بقوة أكبر في الشرق الأوسط، فستجلب مجموعة من الموارد ، والقدرات التي لا تمتلكها روسيا.

روسيا أيضا ، تفتقر لبعض سمات القوة العظمى؛ فإذا كانت القوات العسكرية الروسية (بما في ذلك القدرات الإلكترونية والاستخباراتية) ، تجعل روسيا قوة أجنبية كبيرة ومتطورة في الشرق الأوسط. ، إلا أن نفوذها الاقتصادي محدود للغاية، وليس لديها أيديولوجية على قدم المساواة مع الصين لتقدمها في الشرق الأوسط . نفوذها الاقتصادي قصير الأجل و(غالبًا) ما يكون انتهازيا نفعيا ، بدلا من استراتيجية كبرى ، مصاغة بعناية. بجانب ذلك ، تواجه روسيا بعض الاضطرابات وسط أزمة كوفيد ــ19 ، ووضعًا مزعزعا للاستقرار في حالة تغيير حكومة جارتها وحليفتها المقربة (بيلاروسيا). بالطبع لن يؤدي أي من هذا إلى انسحاب روسيا من المنطقة، لكنه قد يمنع روسيا من زيادة وجودها. لهذا السبب، شعرت بكين وموسكو بالارتياح لقرارات إدارة (ترمب) بشأن سحب القوات، وتقليل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.

بالنسبة للولايات المتحدة، التواجد الروسي في الشرق الأوسط، بالنظر إلى مستوياته الحالية، ليس أمرًا لا يطاق. كما لا يتعارض مع المصالح الأمريكية الأساسية في المنطقة؛ لكنه يعقد إنجاز هذه المصالح ويضر بها ، لأن السياسة الروسية مدفوعة من الأساس بهدف الحد من نفوذ الولايات المتحدة ، والإضرار بمكانتها في المنطقة. باختصار، تنظر الولايات المتحدة لتصرفات روسيا في الشرق الأوسط من خلال منظور منافسة القوى العظمى، مع إدخال الصين في المعادلة (كلما اقتضى الأمر).

أما إسرائيل، فنجدها تواجه مفارقة متمثلة في الرغبة في الحد من التقليل من المشاركة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ، بينما تحتاج في الوقت نفسه إلى الارتباط مع روسيا، حتى لو كان ذلك فقط لمنع روسيا من تقييد حرية إسرائيل في تحركاتها في الشرق الأوسط، كـ(سوريا) وأماكن أخرى. إذن الاستراتيجية الإسرائيلية لا تنبع من منافسة القوى العظمى ، لكنها تستند إلى مقتضيات إدارة المواقف وتحقيق المصالح. لكن إسرائيل تميز بين ارتباطها مع روسيا، التي بالمناسبة لديها خلافات استراتيجية جدية معها، وتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. واشنطن في بعض الأحيان ، تسيء فهم الاستراتيجية الإسرائيلية ، وذلك عندما تساعد إسرائيل ، روسيا ، في إبراز قوتها في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة.

لذلك ، سيكون على الولايات المتحدة وإسرائيل ، استخدام علاقتهما الوثيقة في التواصل مع بعضهما البعض ، وفي تنسيق سياساتهما حول دور روسيا في الشرق الأوسط. ، التنسيق والتواصل، ربما من خلال مجموعة عمل مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أمر بالغ الأهمية ، لأن روسيا تحتل مكانًا في الاستراتيجية الأمريكية ، مختلفا عن مكانها في الاستراتيجية الإسرائيلية.

تمثل روسيا ، تحديًا ذا أولوية عالية في الأمن القومي الإسرائيلي . من منطلق أن روسيا تفرض مجموعة من المخاوف العملياتية والاستراتيجية أمام حرية إسرائيل في قيامها ببعض العمليات داخل سوريا وعلاقات موسكو الاستراتيجية ، وتعاونها مع إيران. كما سمح تواصل إسرائيل مع روسيا في إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية داخل سوريا. كل ذلك يجعل إسرائيل في حاجة إلى الحفاظ على انخراطها مع روسيا لتأمين هذه الأهداف.

أما مخاوف الولايات المتحدة بشأن روسيا ، فهي داخلية وعالمية، متجذرة في تدخل روسيا وهجماتها على السياسة الداخلية للولايات المتحدة، وتدخلاتها الإلكترونية، وأعمالها المستمرة المزعزعة للاستقرار في أوروبا، والعدوان على جيرانها. باختصار، تنظر واشنطن بشكل متزايد إلى روسيا كمنافس عالمي، بما في ذلك بالشرق الأوسط.

نخلص من ذلك كله ، الى أن روسيا ليست قوية بما يكفي لعرقلة وتعطيل التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، إلا أنها دعمت وجودها ونفوذها في الدول غير المستقرة بالمنطقة كـ(سوريا وليبيا). بوتين يواجه مشاكل متزايدة في الداخل، لكنه لن ينسحب من الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن روسيا تفتقر إلى الخيارات الجيوسياسية طويلة المدى ، التي تمتلكها الصين، لكنها أكثر انخراطًا في المنطقة ، وتبحث باستمرار عن طرق لتوسيع وجودها ، وتعظيم نفوذها. واضح أن موسكو تسعى للحصول على مقعد على طاولة مناقشة المشاكل الإقليمية الرئيسية.

أخيرا، يحتاج الشرق الأوسط إلى فهم أنه مكان للتنافس الإقليمي ، ومنافسة القوى العظمى. فالوجود الصيني أيضا عامل حاسم على المدى الطويل، يعمل على دمج أجزاء من الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى إيران إلى القرن الأفريقي، في إطار مبادرة (الحزام والطريق). وبسبب الشراكة المتنامية بين الصين وروسيا واستمرار الوجود الأمريكي الواسع النطاق في المنطقة، لا يمكن أن يقتصر الحوار الأمريكي الإسرائيلي حول الشرق الأوسط على الشرق الأوسط ، فحسب. بل يجب أن يركز أيضا على الأجندات العالمية لكل من “روسيا والصين”.

https://www.wilsoncenter.org/publication/report-russia-middle-east-national-security-challenges-united-states-and-israel-biden